عاش/ يسقط الحزب الشيوعي العراقيهيفاء زنكنةJun 19, 2018
في عالم الإنتاج اليومي للأخبار وحملات تسويقها إلى الجمهور، لم يعد كون الانتخابات مزورة، مهما، رغم اعتراف الجميع بذلك. كما لم تعد محاولات مسح آثار التزوير عن طريق حرق مركز وأجهزة الاقتراع، أمرا مهما. ما بات مهما هو: ترسيخ تحالفات ما بعد الانتخابات لتكون طبق الأصل لما كانت. المهم، أيضا، التغطية الإعلامية بأن هناك عملية ديمقراطية تدعى الانتخابات، صرفت عليها ملايين ( أو بالأحرى مليارات) الدولارات، لتتباهى بها الدول التي احتلت البلد بحجة حماية أمنها. ولاتزال: أمريكا بمعسكراتها و« مستشاريها» تحمي أمنها في العراق. إيران بميليشياتها المتغلغلة في شرايين الحكومة وساستها، تحمي أمنها في العراق. تركيا، تقضم كل ما تستطيع قضمه، من أراضي العراق، بحجة حماية أمنها. هل من آخرين؟ القائمة تطول، وحجة «الحرب على الإرهاب» توفر ذريعة جاهزة لمن يريد.
وإذا كان الشعب العراقي هو الخاسر الأول في ملهاة، استنزفت أموالا، كان بالإمكان صرفها لتوفير بعض الخدمات الأساسية للمسحوقين من أبناء الشعب، فإن الخاسر الثاني، حسب ردود الأفعال الإعلامية والرسائل المتبادلة على مواقع التواصل الاجتماعي، ليس الأحزاب التي تدعي تمثيل «السنة»، مثلا، وهي المتنافسة الرئيسية، بل الحزب الشيوعي كخاسر أكبر، وهنا المفارقة. وتزداد المفارقة حدة حين ندرك بأنه حزب موجود ضمن القائمة الفائزة بالانتخابات. فما معنى الخسارة هنا؟
معظم التعليقات الموجودة على عديد المواقع، مشحونة بمشاعر، متناقضة، تجمع بين الألم وخيبة الأمل والغضب والتبرير وبعض التشفي. ربما لأنها مكتوبة أما من قبل أصدقاء قدامى للحزب أو أعضاء سابقين أو حاليين، يجدون أنفسهم في حيرة من موقفه الأخير. تعكس التعليقات مواقف ونقاشات، معظمها جاد، لم يحدث وشهدها الحزب، سابقا، بهذا الشكل العلني. فأعضاء الحزب الشيوعي لايختلفون عن غيرهم من أعضاء الأحزاب العراقية الأخرى في تفضيلهم السكوت على الأخطاء والعثرات، حتى بعد مرور عشرات السنين على تركهم الحزب، نتيجة الاختلاف، وذلك لئلا يتهمون بعدم الولاء أو قلة الوفاء أو الخيانة، أو بذريعة «إنه ليس الوقت الملائم». ولنا في حزب البعث، مثال آخر.
تسترجع التعليقات عن الحزب الشيوعي الإخفاق السياسي المتكرر، لحزب ساهم، تاريخيا، في محاربة الاستعمار والاستغلال، ودفع ثمنا، غاليا، لتحرير العراق من قبضة الامبريالية العالمية، وبناء العراق الحديث، مشيرة إلى تسارع الانحدار في ظل الاحتلال الذي نحت له منظرو الحزب مصطلح « التغيير». على هذا الأساس، تم تبرير( ليست هناك إحصائية عن عدد الأعضاء الحاليين) أن يكون السكرتير العام للحزب عضوا في مجلس حكم الاحتلال، ضمن المحاصصة الطائفية لا السياسية، أي لكونه شيعيا وليس شيوعيا، ومن ثم مشاركة ممثل للحزب في حكومات الاحتلال المتعاقبة، بمنصب رمزي. وفي الوقت الذي كان بإمكان الحزب الاستفادة من اليأس الشعبي العام تجاه الأحزاب الدينية ـ الطائفية ـ الفاسدة، وجذب الجماهير إليه كحزب يمثل طموح الناس بـ «دولة مدنية عصرية»، وهو المطلب الذي رفعته» تنسيقية حراك الاحتجاج المدني»، كحراك احتجاجي سلمي في شباط/ فبراير 2011 إلا أن الحزب اختار مواصلة الحراك تحت مظلة « التيار الصدري» مراهنا، خلافا لموقف العديد من المساهمين بالتنسيقية، على شعبية التيار واتباع السياسة البراغماتية في إمكانية التغيير من الداخل.
أدى الالتفاف حول الحركة الاحتجاجية، وتقديم الحزبيين أنفسهم كقوة تمثل المدنيين، قادرة على إحداث التغيير، عبر مقايضة التيار الصدري، الذي نزل أعضاؤه بدورهم إلى الساحة، لتفريغ الاحتجاجات من محتواها الحقيقي، إلى انسحاب أعضاء مؤسسين للتنسيقية، احتجاجا، والصعود الإعلامي لحزبيين، لا يتجاوز عددهم العشرات، يقدمون أنفسهم كناشطين مدنيين.
فجاءت خطوة التحالف مع « التيار الصدري»، لخوض الانتخابات، ضمن تحالف « سائرون»، متوقعة، إذ راهن الحزب على شعبوية قائده مقتدى الصدر، على الرغم من معرفة الجميع بتقلباته النفسية المرضية، وأنه بنوابه ووزرائه ومسؤوليه، جزءا لايتجزأ من الحكومة الطائفية الفاسدة، كخطوة تقربهم من مراكز السلطة، عبر مسايرة التيار. كانت الحجة المعلنة من خوضهم الانتخابات ضمن « سائرون» أنها ستجلب نوابا جددا، سيعملون على كسر قالب المحاصصة الطائفية، وتجفيف منابع الفساد. فجاء الفوز بالانتخابات وتحرك « سائرون»، كما كان متوقعا، نحو صيغة تحالفات ما قبل الانتخابات، بفسادها وميليشياتها ومسؤولي مجازرها، لتجعل طعم الفوز مرا، ومثيرا للأسى، من قبل من بنوا آمالا على تحالف الحزب، والتعليقات الساخرة والنكات الفجة من قبل معارضيه.
يلخص الشاعر حميد قاسم مشاعرالأسى على صفحته على الفيسبوك مخاطبا أحد منظري التحالف: « هذا ليس لوما… ما أريد قوله إن الأسباب كما تعلم تقود إلى النتائج وكل المعطيات تشير بواقعية، ساعة بساعة، إلى ما سيحدث، وقد حدث، لم نكن عباقرة أو متنبئين لكننا كنا في عمق الحدث غير بعيدين عن الأحداث القريبة وتقلباتها وعواصفها بعد 2003 على معرفة بطبيعة سلوك ونهج القوى السياسية على أرض الواقع… هذه القوى التي تغير مواقفها كما يغير المرء سراويله الداخلية… هذا ما حدث وَقادَ الجميع إلى هذه الفوضى المبكية المضحكة، التي شبهتها قبل أن تحدث بـ الخطيئة».
إن النقاشات الجادة الدائرة على صفحات التواصل الاجتماعي مهمة وضرورية خاصة حين تتناول بالنقد البناء سيرورة ومسارات الأحزاب التقليدية المعروفة بنضالها في حقبة التحرر الوطني ولكن، في الوقت نفسه، هيكليتها وبيروقراطيتها وتبعيتها، أحيانا. أنه كسر لحواجز السكوت المبنية على التخويف والتهديد بعدم الوفاء والخيانة. فأصبحت الأحزاب تدار من قبل حلقة مغلقة، من أشخاص يغذون وجودهم بادعاءات تمثيلهم للجماهير، وتضخيم أرقام أعضائهم وأنصارهم وضحاياهم. فمن منا يعرف مثلا عدد أعضاء الحزب الشيوعي أو حزب البعث أو الدعوة اليوم؟ هل من إحصائيات عن عدد أعضاء أي حزب لندرك حجمه الحقيقي، ومدى تمثيله للجماهير، وبالتالي قدرته على إحداث التغيير، بعيدا عن الرطانة باستديوهات التلفزيون؟ وما هو الدور الذي تلعبه الأحزاب التقليدية في قتل المبادرات الجديدة التي تشعر بأنها تهدد وجودها المزمن؟ يقول حميد قاسم «أتمنى أن نمعن النظر جيدا في مأساتنا، أن لا نفرط جميعا بما حدث من تطور في وسائل الكفاح السلمي وأن نتعظ بما حدث ويحدث»، قد لايكون ما يتمناه جوابا على التساؤلات، بالتحديد، إلا انه خطوة جادة، نحو ذلك.
٭ كاتبة من العراق