ممارسة التعذيب… نجاح التحالف البريطاني العربي هيفاء زنكنة Jul 03, 2018
لم يكشف تقرير لجنة الاستخبارات والأمن في مجلس العموم البريطاني، الصادر في 28 حزيران/يونيو 2018، أسرارا خفية عن « تساهل» الحكومة البريطانية مع «برامج تعذيب وترحيل معتقلين» عقب هجمات 11 سبتمبر. فكل المعلومات التي وردت في التقرير، تقريبا، بصدد مساهمة جهاز الاستخبار البريطاني، في ترحيل معتقلين والاطلاع على تعذيبهم، كان معروفا. شهادات العديد من المعتقلين، وتقارير منظمات حقوقية دولية ومحلية، بالاضافة إلى ما كشفته لجان مستقلة، قدمت ذات المعلومات الواردة في التقرير الحالي. عن دور الاستخبارات البريطانية، يقول المواطن البريطاني، معظم بيغ، الذي كان محتجزا في سجن غونتنامو مدة 3 أعوام، وأطلق سراحه عام 2005، بدون توجيه تهمة اليه: «كان عملاء الاستخبارات البريطانية يشاهدونني بأعينهم، وأنا معصوب العينين، ومقيد اليدين، وكانت بندقية تصوب إلى رأسي، وأهدد بإرسالي إلى سوريا أو مصر إذا لم أتعاون… كان هناك صوت امرأة تصرخ في الغرفة المجاورة، أخبروني إنها زوجتي وهي تتعرض هناك للتعذيب. عملاء الاستخبارات البريطانية يعرفون كل شيء عن هذا». وقد دأب الوزراء البريطانيون، العدل والخارجية خاصة، على نفي أن يكون لجهاز الاستخبارات البريطانية الخارجية (أم آي فايف) أو الداخلية (أم آي سيكس) أي دور في أعمال التعذيب، أو أن تكون قد تواطأت بها من قريب أو بعيد.
« تدين الحكومة البريطانية التعذيب في كافة الظروف، وإنني أدعو الحكومات في كافة أنحاء العالم للقضاء على هذه الممارسات الشنيعة. نحن نواصل جهودنا الكبيرة لمكافحة التعذيب، بما في ذلك دعم المنظمات الأهلية للعمل بشكل مستقل على رصد وتفقّد الأوضاع في مراكز الاعتقال. وإنني أهيب بكافة الدول التي لم توقع أو تصادق أو تطبق اتفاقية مناهضة التعذيب والبروتوكول الخياري أن تفعل ذلك. فباتخاذ هذه الخطوة تكون الدول قد أعربت بوضوح عن التزامها بإنهاء التعذيب وتحقيق العدالة لضحايا التعذيب وعائلاتهم»، قال وزير شؤون حقوق الإنسان بوزارة الخارجية، لورد أحمد، في حزيران/يونيو 2017، قبل عام بالضبط من صدور التقرير الحالي، ليقدم لنا نموذجا، عن زيف ادعاءات الحكومات «الديمقراطية» في مجال الالتزام بتطبيق حقوق الانسان في سياستها الخارجية.
يستحق التقرير المتابعة لعدة أسباب. أنه يؤكد، رسميا، دور الاستخبارات البريطانية بمد جهاز الاستخبارات الأمريكي، خاصة، بالمعلومات، والمساعدة بتنفيذ الاعتقالات، ونقل المعتقلين إلى بلدان اخرى يتم فيها تعذيب المعتقلين، بالنيابة، عن الاستخبارات الأمريكية، بالاضافة إلى كونها شريكا في التحقيق مع محتجزين في معتقل غوانتنامو. تم كل ذلك تحت مظلة «الحرب ضد الارهاب»، بشكل يتنافى، غالبا، مع القوانين المحلية والدولية. واذا كان التقرير قد فند مزاعم وكالات الاستخبارات البريطانية، بأن الحالات التي وردت تفاصيلها كانت مجرد «حوادث منفردة»، فأنه لم يحدد مسؤولية جهاز الاستخبارات بشكل يقتضي المحاسبة، مكتفيا بديباجة تنص على أنه «لا توجد أدلة على سوء معاملة وكالة الاستخبارات البريطانية للمعتقلين مباشرة». وهذا نص كلاسيكي باحتوائه على مفردات «مباشر» و«لا توجد أدلة»، ويعيد إلى الاذهان الخط الاحمر الذي توقف عنده « تقرير تشيلكوت» حول مسؤولية شن الحرب العدوانية على العراق. حيث تم توزيع المسؤولية على عدة جهات، بطريقة سياسية محنكة، جعلت كل المسؤولين، من رئيس الوزراء السابق توني بلير، إلى الوزراء، والقادة العسكريين، غير خاضعين للمحاسبة القانونية جراء انتهاك القانون الدولي.
النقطة الثانية التي تستدعي الانتباه، عند قراءة تقرير كهذا، هو تواطؤ الحكومة البريطانية مع حكومات قمعية، معروفة بانتهاكاتها حقوق الانسان، خاصة في العالم العربي. حيث عقدت الحكومة البريطانية مذكرات تفاهم واتفاقيات مع حكومات عربية تمارس الارهاب ضد شعوبها بحجة «الحرب على الارهاب»، محولة بذلك الانظمة العربية القمعية إلى انظمة ديمقراطية. ولا يخفى تواطؤ الإعلام البريطاني الذي يعتبر نفسه مميزا بمراقبته للقمع، ويبقى كشف التفاصيل ورصد التقارير مقتصرا على صحافيين وشخصيات مستقلة مثل السفير السابق كريغ مري.
يوضح الموقف البريطاني من انتهاكات حقوق الانسان، بالعراق، وكيفية التعامل معه، مثالا على ازدواجية المواقف وزيف ادانة الحكومة البريطانية انتهاكات حقوق الانسان. يذكر تقرير لمكتب الكومنولث والسياسة الخارجية، عن حقوق الانسان، بالعراق (تم تحديثه عام 2017 )، «ظلت حالة حقوق الإنسان في العراق مصدر قلق بالغ». يعزو التقرير سبب ذلك إلى جرائم منظمة داعش و«الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأمن الحكومية، بما في ذلك قوات الأمن العراقية، وقوات الأمن الكردية، وقوات الحشد الشعبي والميليشيات». قد يدور بخلد المتابع ان الحكومة البريطانية، مادامت تعترف بهذه الانتهاكات وتشعر بالقلق، ستحاول، ايجاد علاج سريع، لهذا الوضع المأساوي. الا ان ما تقوم به هو عكس ذلك تماما، ولا يقتصر الامر على العراق فقط.
حيث زادت بريطانيا، في العامين الاخيرين، نسبة بيع الأسلحة والمعدات الدفاعية، من بينها ما يستخدم ضد المتظاهرين، إلى أنظمة قمعية، بالاضافة إلى ارسال المدربين والمستشارين واستقبال الساسة الفاسدين ذوي السجل الحافل بانتهاكات حقوق الانسان، ويعتبر العراق واحدا من هذه الدول. وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، ارتفعت صادرات الأسلحة إلى العراق بنسبة 83 بالمئة، بين الفترتين 2006 ـ 2010 و 2011 ـ 2015. اعتبارا من عام 2015، صار العراق سادس أكبر مستورد للأسلحة الثقيلة في العالم. ويخبرنا تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في العام الماضي «تحصل الميليشيات الشيعية المرتبطة بالحكومة العراقية على السلاح من 16 دولة على الأقل، بما في ذلك المملكة المتحدة»، اذ زودت بريطانيا العراق، في السنوات الأخيرة، بأسلحة قالت وزارة الدفاع البريطانية إنها موجهة لقوات البيشمركة الكردية، بالإضافة إلى الحكومة العراقية، بدون « ضمانات موثوقة بانها لن ينتهي بها الأمر في أيدي الميليشيات المدعومة من الحكومة العراقية والتي لها سجل مشين في مجال انتهاكات حقوق الإنسان».
يتبين لنا عند مراجعة سجل ويوميات السياسة الخارجية البريطانية انها لم تتغير كثيرا في جوهرها الامبريالي. الاولوية، لا تزال كما كانت. الربح المادي، مهما كان مصدره وما يسببه، هو الاول، بغطاء دعائي، محبوك بخبرة مئات السنين، عن احترام القوانين الدولية، والقيم الاخلاقية. أنها سياسة التهديم والتفرقة صباحا ومد يد الاحسان والمصالحة مساء. وتبقى مسؤولية تغيير هذه المعادلة، بالدرجة الاولى، على الشعوب المستغلة داخليا من قبل حكامها وخارجيا من قبل الاستعمار، على اختلاف أسمائه. ولابد لكل جيل ان يكتشف رسالته وسط الظلام فأما ان يحققها وأما ان يخونها، كما يذكرنا فرانز فانون.
٭ كاتبة من العراق
- Share on Facebook
- Click to share on Twitter
- Click to share on Google+
- Click to email this to a friend