لماذا لا يعقد العراقيون الأمل على مجلس النواب والوزارة الجديدين
سعد ناجي جواد
لماذا لا يعقد العراقيون الأمل على مجلس النواب والوزارة الجديدين
لا تزال عملية تشكيل الحكومة الجديدة في العراق تراوح مكانها. ولا يوجد في الأفق ما يدلل على انها ستكون عملية سهلة. يضاف الى ذلك، وقياسا على الوجوه المرشحة لرئاسة السلطتين، لا يوجد ما يدلل على ان رئيس الوزارة الجديد و طاقمه الوزاري، الذي بالتأكيد ستفرضه الكيانات الفائزة، سيختلف عن سابقيه. و ربما يكون من غير المنصف الحكم المسبق على مجلس النواب الجديد وقبل ان يباشر أعماله، الا ان اداء المجلس بعد جلستين عقدها منذ ان تمت مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات، لا يبشر بالخير هو الاخر. حيث ان عددا غير قليل من النواب قد فاز بالتزوير، وهذا ليس اتهاما اعتباطيا ولكنه امر اعترف به الكثيرون ابتداءا من رئيس الوزراء الحالي وانتهاءا برووساء الكتل واجهزة الاعلام المختلفة. كما ان عددا غير قليل من النواب السابقين الفاسدين قد تم تدويرهم وعادوا مرة ثانية للمجلس. والاهم من كل ذلك ان المجلس قد اثبت منذ الجلسة الافتتاحية الاولى، والتي كان يفترض بها ان تشهد انتخاب رئيسا له مع نائبين، ورئيسا للجمهورية، و يسمي الكتلة التي الأكبر التي ستشكل الوزارة، انه مجلسا لا يهتم بمعاناة العراقيين، حيث عمد عدد غير قليل من النواب الى ترك الجلسة بعد ان ادوا اليمين الدستورية. مما يدلل على ان هَمْ الغالبية العظمى من الأعضاء كان هو لتثبيت أنفسهم كنواب كي يحصلوا على الامتيازات الكبيرة التي تصاحب هذا المنصب، من منح و رواتب و حمايات بالاضافة الى امتيازات كبيرة اخرى، هذ اولا. وثانيا الحالة التي سجلت على عدد غير قليل من النواب، بل وحتى روؤساء الكتل والمتمثلة بالقفز من كتلة الى اخرى بدون حياء وخجل، وأصبحت هذه الحالة محل تندر بين العراقيين الذين لا يزالون يتذكرون حالات العداء السافر والاتهامات الكبيرة التي صبغت العلاقة بين المتحالفين الجدد. كما قيل ان حالات القفز هذه كانت مقابل إغراءات مالية كبيرة و وعود بمناصب، وليس لأسباب مبدأية وتخدم الصالح العام. وثالثا ان الوجوه المرشحة لرئاسة البرلمان، باستثناء واحد او اثنين منهم، عليهم اما شبهات او ملفات فساد او فشل في ادائهم السابق. رابعا والاهم فان البرلمان لم يراع خطورة الموقف والحالة الملتهبة في العراق، وخاصة في البصرة وما يعانيه ابناءوها، بل فضل أعضاءه ان يخرقوا الدستور وان يدخلوا البلاد في فوضى جديدة إرضاءا لمصالح قادة الكتل، والتي اغلبها تدار من قبل لاعبين خارجيين.
اما السيد رئيس الوزراء الحالي، والذي يطمح الى ولاية ثانية، فلقد اهتزت حظوظه بشكل كبير بعد الجلسة الطارئة التي عقدت لمناقشة احتجاجات وتظاهرات البصرة والموقف الملتهب فيها. وفِي الحقيقة فان السيد العبادي قد اضاع فرصا ذهبية كبيرة لكي يضمن بقاءه في السلطة. فبعد أن تمتع الرجل بدعم داخلي وخارجي غير مسبوق بعد تسميته رئيسا للوزراء، ونجح في قيادة حملة طرد تنظيم داعش الإرهابي من المحافظات الغربية، وكان هذا يفترض ان يكون داعما كبيرا له في محاربة الفساد وإعادة إعمار العراق الذي دمره الاحتلال والسياسات الطائفية و المحاصصة المقيتة منذ بداية الاحتلال و لحد الان، وبعد ان تعامل بصورة جيدة مع الأزمة التي حدثت مع اقليم كردستان بعد الاستفتاء، الا انه تردد وتراجع وسكت عن أمور كثيرة، مما فسح المجال للآخرين بالتحالف ضده، على الرغم من الفشل السابق لاغلب معارضيه، و شبهات الفساد التي تحوم حول عددا لابأس به منهم. كما ان خضوعه لتسميات الكتل المتنفذة للوزراء العاملين معه قد تجلى بالاداء الضعيف والمهلهل في الجلسة الاستثنائية، للوزراء الذين رافقوه في الجلسة. وكل هذه الأمور انعكست سلبا على حظوظه. وبالتالي فانه اليوم يحصد نتائج تردده وضعفه في مواجهة الفساد الذي طالما أمَّلَ العراقيين بانه سيحاربه، طبعا انا لا أريد ان اقول هنا ان الرجل هو الشخص المثالي لهذا المنصب، وإنما فقط اريد ان أوضح أسباب تراجع حظوظه.
بالمقابل، وفِي ظل التشرذم الذي تعيشه الساحة السياسية العراقية، فان كل الدلائل تشير الى ان كل محاولة لتشكيل الوزارة القادمة سوف لن تنجح الا اذا ما تم ارضاء عدد غير قليل من الكتل المتواجدة في البرلمان، وهذا يعني استمرارا لعدة أمور سلبية وهي المحاصصة والطائفية والقبول بترشيح فاسدين والقبول باشخاص غير كفوءين، لأنهم الأكثر قدرة على ارضاء كتلهم. وهذا بدوره يعني استمرار الفساد ونهب ثروات العراق. وكل من يتحدث عن إنهاء معاناة العراقيين من الصادقين في نواياهم، عليه ان ينتظر اربع سنين قادمة و مكررة حتى يتحقق له هذا الحلم البعيد المنال.
وعلى كل حال فان الصراع على منصب رئيس الوزراء القادم لم يحسم بعد، و من المؤسف ان من يحكم هذا الصراع ويسيره ليس العراقيون انفسهم وإنما بالدرجة الأساس الولايات المتحدة وإيران وبعض الدول الخليجية، بل وحتى اسرائيل. وحتى تتفق هذه الأطراف على شخصيات تمثل مصالحها سوف لن يتم تسمية الروؤساء للمناصب الاساسية الثلاث ، الجمهورية والوزارة والنواب. بسهولة، الا اذا نجحت احدى القوتين الخارجيتين، أميركا وإيران ، في فرض ارادتهما. وهذه هي الكارثة الكبرى التي نتجت عن الاحتلال البغيض. فبعد ان كان العراق من اهم الدول الإقليمية و أقواها وأكثرها تأثيرا في السياسة الدولية، اصبح ينتظر ما يقرره الغير له و لمستقبله.
ومع هذا يبقى الأمل، حتى وان كان ضعيفا جدا، موجودا في نفوس الغالبية العظمى من العراقيين، فكما كسرت المقاومة العراقية غطرسة الولايات المتحدة وأجبرتها على الانسحاب العسكري، وقبل ان تضمحل و تتفكك، ومثلما وجهت انتفاضة البصرة ضربة موجعة للنفوذ الايراني في العراق، ولتصورهم بانهم أصبحوا يمتلكون العراق، فان العراقيين قادرون على يعيدوا بناء وطنهم ولو بعد حين. والتاريخ يخبرنا بان بغداد ومنذ تأسيسها تعرضت لاحتلالات كثيرة، وخيانات اكثر من مَن يدعون انهم ابناءها، ولكن بالنتيجة كانت تنهض ويسطر مورخوها اسماء من بناها وأعاد تألقها وأسماء من خانها واصطف مع الأجنبي ضدها. وعلى العكس مما قام به من أطلقوا على انفسهم اسم المعارضة من اللجوء الى الولايات المتحدة و بريطانيا وإيران واسرائيل لكي يقوموا باحتلال بلادهم بادعاء تحريرها، فان لسان حال العراقيين سيظل يردد بيت شعر شاعر العرب الجواهري الذي ورد في قصيدته الرائعة ( المقصورة) و الذي يقول فيه مخاطبا ابناء العراق النجباء
[size=32]الا من كريمٍ يَسُرُ الكرامَ[/size]
[size=32]بجيفةِ جلفٍ زَنيمٍ عَتا[/size]