بســم الله والصــلاة والســلام على رســول الله سيّد المرسلين وقائد الغرّ المحجلين وبعــد
فقد خص الله عز وجل شهر رمضان بالكثير من الخصائص والفضائل فهو شهر نزول القرآن والكتب السماوية وهو شهر التوبة والمغفرة وتكفير الذنوب والسيئات وفيه العتق من النار وفيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران وتصفد الشياطين وفيه ليلة خير من ألف شهر ، وهو شهر الجود والإحسان وهو شهر الدعاء المستجاب
لذا فقد عرف السلف الصالح قيمة هذا الموسم المبارك فشمروا فيه عن ساعد الجد واجتهدوا في العمل الصالح طمعاً في مرضاة الله ورجاء في تحصيل ثوابه ، فقد ثبت أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم
وقال عبدالعزيز بن أبي داود : أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهمُّ : أيقبل منهم أم لا ؟
ومن الأمثلة على أحوالهم في رمضـــــــــــان
حالهم في الجود والكرم إذا أقبل شهر رمضان
1- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، إنّ جبريل عليه السلام كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة » متفق عليه
قال المهلب:
وفيه بركة أعمال الخير، وأن بعضها يفتح بعضاً ويعين على بعض ألا ترى أن بركة الصيام ولقاء جبريل وعرضه القرآن عليه زاد في جود النبي صلى الله عليه وسلم وصدقته حتى كان أجود من الريح المرسلة
وقال الزين بن المنير: أي فيعم خيره وبره من هو بصفة الفقر والحاجة، ومن هو بصفة الغنى والكفاية أكثر مما يعم الغيث الناشئة عن الريح المرسلة صلى الله عليه وسلم
وقال ابن رجب: قال الشافعي رضي الله عنه: أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثيرٍ منهم بالصَّوم والصلاة عن مكاسبهم
2- كان ابن عمر رضي لله عنهما يصوم ولا يفطر إلاَّ مع المساكين، فإذا منعهم أهله عنه لم يتعشَّ تلك الليلة، وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه السائل فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجِفْنَةِ، فيصبح صائماً ولم يأكل شيئاً.
3- يقول يونس بن يزيد: كان ابن شهاب إذا دخل رمضان فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام
4- كان حماد بن أبي سليمان يفطِّر في شهر رمضان خمس مائة إنسان، وإنه كان يعطيهم بعد العيد لكل واحد مائة درهم
حالهم في التقليل من الطعام
1- قال إبراهيم بن أبي أيوب: كان محمد بن عمرو الغزي يأكل في شهر رمضان أكلتين
2- وقال أبو العباس هاشم بن القاسم: كنت عند المهتدي عشيَّةً في رمضان فقمت لأنصرف فقال: اجلس، فجلست، فصلى بنا، ودعا بالطعام فأحضر طبقَ خِلافٍ عليه أرغفةٌ وآنية فيها ملحٌ وزيتٌ وخلٌّ فدعاني إلى الأكل فأكلت أكل من ينتظر الطبيخ فقال: ألم تكن صائماًً؟ قلت: بلى، قال: فكل واستوفِ فليس هنا غير ما ترى!
وفي حفظ اللسان وقلة الكلام وتوقي الكذب
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه » أخرجه البخاري
قال المهلب:
وفيه دليل أن حُكم الصيام الإمساك عن الرفث وقول الزور كما يمسك عن الطعام والشراب وإن لم يمسك عن ذلك فقد تنقَّص صيامه وتعرض لسخط ربه وترك قبوله منه
2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا أصبح أحدكم يوماً صائماً فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤٌ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائمٌ إني صائمٌ » أخرجه مسلم
قال المازري في قوله: « إني صائمٌ » يحتمل أن يكون المراد بذلك أن يخاطب نفسه على جهة الزجر لها عن السباب والمشاتمة
3- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليس الصيام من الطعام والشراب وحده ولكنه من الكذب والباطل واللغو والحلف. أخرجه ابن أبي شيبة
4- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إنّ الصيام ليس من الطعام والشراب ولكن من الكذب والباطل واللغو .أخرجه ابن أبي شيبة.
5- وعن طلق بن قيس قال: قال أبو ذر رضي الله عنه: إذا صمت فتحفظ ما استطعت .
وكان طلق إذا كان يوم صومه دخل فلم يخرج إلاّ لصلاة . أخرجه ابن أبي شيبة
6- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم ودع أذى الخادم وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء. أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب الصيام، باب ما يؤمر به الصائم من قلة الكلام وتوقي الكذب 2/422
7- وعن عطاء قال: سمعت أبا هريرة يقول: إذا كنت صائماً فلا تجهل ولا تساب وإن جُهِل عليك فقل: إني صائم . أخرجه عبد الرزاق في المصنف
8- وعن مجاهد قال: خصلتان من حفظهما سلم له صومه: الغيبة والكذب . أخرجه ابن أبي شيبة.
9- وعن أبي العالية قال: الصائم في عبادة ما لم يغتب. أخرجه ابن أبي شيبة.