واشنطن تفرض رسميا الحزمة الثانية من العقوبات على إيران
إيران تكابر بتحديها العقوبات الأميركية على القطاعين النفطي والمالي الحيويين، معتبرة أن واشنطن لن تكون قادرة على تنفيذ أي إجراء ضد طهران قائلة إن لديها "المعرفة والمقدرة على إدارة الشؤون الاقتصادية للبلاد".
الجمعة 2018/11/02
القوبات الجديدة تستهدف قطاعي النفط والمال في إيران
8 دول بينها العراق وتركيا تستفيد من استثناءات مؤقتة من العقوبات على إيران
الإجراءات الأميركية تضيق الخناق على القطاعين المالي والنفطي في إيران
الإدارة الأميركية تؤكد أن العقوبات الجديدة "ستكون الأقوى في التاريخ"
الاتحاد الأوروبي يعبر عن أسفه لتنفيذ واشنطن عقوبات على إيران
واشنطن - بعد ستة أشهر من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتّفاق النووي مع إيران، أكّدت الولايات المتحدة الجمعة رسميا أنّها ستعيد ابتداء من الاثنين فرض القسم الثاني من العقوبات التي كانت رفعتها إثر التوصّل إلى اتّفاق مع طهران عام 2015 .
وكانت واشنطن أعادت فرض الشريحة الأولى من عقوباتها على إيران في أغسطس/اب الماضي.
ورغم الاحتجاجات الإيرانية وانتقادات الحلفاء الأوروبيين وروسيا والصين للولايات المتحدة، نفّذ الرئيس دونالد ترامب وعيده وقرّر رسميا فرض الشريحة الثانية من العقوبات بدءا من الاثنين المقبل.
والقرار الأميركي يعني منع كل الدول أو الكيانات أو الشركات الأجنبية من دخول الأسواق الأميركية في حال قرّرت المضي قدما بشراء النفط الإيراني أو مواصلة التعامل مع المصارف الإيرانية.
إلاّ أنّ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أعلن أنّ ثمانية دول ستستفيد من استثناءات مؤقّتة تتعلّق بشراء النفط من إيران وسيكون بإمكانها تاليا الاستمرار مؤقتا في استيراد النفط الإيراني، مشيرا إلى أنّ هذا الاستثناء تقرّر "فقط لأنّها أثبتت قيامها بجهود كبيرة في اتّجاه وقف وارداتها النفطية قدر الإمكان" ولأنّها أيضا "تعاونت في العديد من الجبهات الأخرى" مع الولايات المتحدة.
ولم يحدّد بومبيو هذه البلدان التي ستصدر قائمة بها الاثنين، مشيرا إلى أنّ اثنين من هذه البلدان تعهّدا بقطع وارداتهما من النفط الإيراني تماما في المستقبل، فيما ستستمر الدول الست الأخرى في شراء النفط الإيراني إنّما بكميات أقلّ بكثير من فترة ما قبل العقوبات.
وفي أنقرة، أعلن وزير الطاقة التركي فاتح دونماز أنّ بلاده بين الدول المستثناة من الحظر.
وقال ثلاثة مسؤولين عراقيين اليوم الجمعة إن الولايات المتحدة أبلغت العراق أنها ستسمح له بمواصلة استيراد إمدادات حيوية من الغاز والطاقة والمواد الغذائية من إيران بعد أن تعيد واشنطن فرض عقوبات على قطاع النفط الإيراني.
من المتوقع أن تفقد ايران نصف ايراداتها النفطية بفعل الحزمة الثانية من العقوبات
والإعفاء للعراق مشروط بألا يدفع لإيران ثمن الواردات بالدولار، حسب ما قال المسؤولون ومن بينهم عضو بلجنة وزارية عراقية تشرف على أنشطة الطاقة.
وقال المسؤول باللجنة الوزارية إن وزارة المالية العراقية أنشأت حسابا لدى بنك مملوك للدولة ستودع بغداد فيه المبالغ المدينة بها لإيران عن الواردات بالدينار العراقي.
وفي أغسطس/آب، قال مسؤولون بالبنك المركزي إن اقتصاد العراق مرتبط بشكل وثيق بإيران بما سيجعل بغداد تطلب إذنا لتجاهل بعض العقوبات الأميركية.
ويستورد العراق إمدادات حيوية من جارته بما في ذلك الغاز الذي يستخدمه في محطات لتوليد الكهرباء. وتوقّع مراقبون أن تكون كوريا الجنوبية والهند والصين أيضا من بين الدول المستثناة.
وأكّدت الإدارة الأميركية أن هذه العقوبات "ستكون الأقوى في التاريخ"، وأنّ تطبيقها سيكون أكثر تشدّدا بكثير ممّا كان يجري في السابق وأنّ إجراءات أخرى ستتّخذ في الإطار نفسه خلال الأشهر القليلة المقبلة.
ولإثبات حزم الإدارة الجمهورية، أشار وزير الخارجية إلى أن إدارة الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما كانت منحت إعفاءات لعشرين بلدا خلال الفترة السابقة من فرض العقوبات.
من جهته أعلن وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين أنّ 700 شخص أو كيان سيضافون إلى اللائحة الأميركية السوداء، أي أكثر بـ300 اسم من تلك التي كانت سحبت بعد العام 2015.
وقال أيضا إنّ الولايات المتّحدة تودّ قطع المؤسسات المالية الإيرانية الخاضعة لعقوبات والتي ستصدر قائمة بها الاثنين عن نظام "سويفت" الدولي للتحويلات المالية، مع استثناء "التحويلات الإنسانية".
وتوقّع دبلوماسي أوروبي أن "تكون العقوبات مؤلمة"، مع العلم أنّ الاقتصاد الإيراني يعاني أصلا في الوقت الحاضر من صعوبات والعملة الإيرانية تتراجع منذ عدة أشهر.
كما اعتبر الدبلوماسي أنّ ما يُفرض اليوم على إيران "شبيه بما جرى مع الكوريين الشماليين أي عقوبات وضغوط قصوى لكي يصبحوا بعدها جاهزين للتفاوض".
ولا تخفي إدارة ترامب اقتناعها بأنّ هذه الإستراتيجية ستنجح كما نجحت مع كوريا الشمالية، حيث تعهّد الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ-أون بـ"نزع السلاح النووي" خلال قمّة تاريخية عقدها مع الرئيس الأميركي بعد أشهر من التوتر الشديد والتهديدات المتبادلة.
وكرّر ترامب مرارا استعداده للتفاوض مع القادة الإيرانيين حول اتّفاق شامل على أساس تلبية 12 شرطا أميركيا أبرزها فرض قيود أكثر تشدّدا على القدرات النووية الإيرانية ممّا هو وارد في اتّفاق العام 2015 وفرض قيود على انتشار الصواريخ البالستية الإيرانية، وعلى "النشاطات الإيرانية المزعزعة للاستقرار" في العديد من دول الشرق الأوسط مثل سوريا واليمن ولبنان.
إلّا أنّ الخبير علي واعظ من مجموعة الأزمات الدولية، اعتبر أنّ ما تسعى إليه الإدارة الأميركية "سيبقى مجرّد أمنيات"، مضيفا "رغم الضغوط الاقتصادية فإنّ الإيرانيين تمكّنوا من المضيّ في دعم حلفائهم الإقليميين طيلة 40 عاما منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979".
من جهتها قالت المحلّلة باربرا سلافين من مركز التحليل والدراسات "أتلانيك كاونسل" "نحن لسنا اليوم في عام 2012 عندما كان العالم موحّدا وراء العقوبات ضدّ إيران"، مضيفة أنّ "هذه المرّة إنّها إدارة ترامب التي تحاول فرض سياسة على العالم أجمع لا تريدها غالبية الدوّل".
ويصرّ الاتّحاد الأوروبي على أن تستفيد إيران من بعض ما هو وارد في اتّفاق عام 2015 رغم خروج واشنطن منه، وذلك لتجنّب انسحابها منه بدورها والدخول في سباق تسلّح نووي.
وبعيدا عن مستوى الضغط الذي سينجح الأميركيون في فرضه على الإيرانيين فإن الغموض لا يزال يلفّ نواياهم الفعلية.
إيران مرشحة لخسارة نصف إيراداتها النفطية بفعل العقوبات الأميركية الجديدة، فيما يشكل النفط شريانا ماليا حيويا بالنسبة للجمهورية الإسلامية
وقالت باربرا سلافين عن الأميركيين "إنّهم يضغطون لمجرّد رغبتهم بممارسة الضغوط. إنّهم لا يحبّون إيران وهذا كلّ ما في الأمر".
لكن علي واعظ قال إنّ بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية يعملون "على تغيير النظام في طهران" أكثر ممّا يعملون على الضغط لفرض شروط معينة.
ومهما يكن الأمر فإنّ تطبيق هذه الإستراتيجية سيصبح أكثر تعقيدا مع تعثر العلاقة بين واشنطن والرياض بسبّب قضيّة الصحافي جمال خاشقجي، فالرياض حليف أساسي لواشنطن التي كانت تسعى لإقامة تحالف استراتيجي في الشرق الأوسط يضمّ الدول العربية الخليجية ومصر والأردن لمواجهة إيران.
واعتبرت الخبيرة في "اتلانتيك كاونسل" أنّ "هذا المشروع توفّي في نفس الوقت الذي قُتل فيه جمال خاشقجي".
وقالت إيران اليوم الجمعة إنها لا يراودها أي مخاوف بشأن إعادة فرض عقوبات أميركية جديدة على القطاعين النفطي والمالي الحيويين في البلاد، من المتوقع أن تعلنها واشنطن في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني.
وقال بهرام قاسمي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية للتلفزيون الرسمي "أميركا لن تكون قادرة على تنفيذ أي إجراء ضد شعبنا العظيم والشجاع... لدينا المعرفة والمقدرة على إدارة الشؤون الاقتصادية للبلاد".
تنديد أوروبيوأعربت فرنسا وألمانيا والمملكة المتّحدة والاتّحاد الأوروبي في بيان مشترك الجمعة عن "الأسف الشديد" لقيام الولايات المتحدة بإعادة فرض عقوباتها على إيران.
وجاء في البيان أيضا "إنّ هدفنا هو حماية اللاعبين الاقتصاديين الأوروبيين الذين يقومون بمبادلات تجارية مشروعة مع إيران".
وحمل البيان توقيع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني ووزراء الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان والألماني هايكو ماس والبريطاني جيريمي هانت.
وأضاف البيان أن الاتفاق الموقّع مع إيران حول ملفها النووي في 2015 "يشكّل عاملا أساسيا في إطار الهندسة العالمية لمنع الانتشار النووي وفي إطار الدبلوماسية المتعدّدة. إنّه أساسيّ لأمن أوروبا والمنطقة والعالم أجمع".
وتابع الوزراء في بيانهم "بصفتنا موقّعي الاتفاق التزمنا العمل خاصّة على الإبقاء على عمل شبكات ماليّة مع إيران وعلى ضمان استمرار الصادرات الإيرانية من النفط والغاز. إنّ عملنا بالنسبة إلى هذه المواضيع وغيرها سيتواصل وقد تكثّفت هذه الجهود خلال الأسابيع القليلة الماضية".