«رعاية الماضي وتدمير المستقبل»: شراكة النفط البريطانية والمتحف البريطاني حول العراق
منذ 17 ساعة
هيفاء زنكنة
2
حجم الخط
ما الذي اراده عدد من الناشطين حين دخلوا المتحف البريطاني وأدعوا بانهم لجنة ترحيب من شركة النفط البريطانية بريتيش بتروليوم (BP) ووقفوا يتبادلون الانخاب وهم يشربون، بدلا من النبيذ والشمبانيا، أقداحا من «النفط»، اثناء العرض الخاص المقام للصحافيين خلال افتتاح واحد من اهم المعارض عن حضارة آشور بعنوان حيث افتتح المتحف البريطاني اخيرا معرضا بعنوان «أنا آشور بانيبال ملك العالم ملك آشور» عن الامبراطورية الآشورية، ومركزها نينوى، شمال العراق؟ ما علاقة شركة النفط بالمتحف العريق؟ ولم الاحتجاج على معرض يبين للعالم حضارة وتراث العراق بعيدا عن السياسة والحروب؟
النقطة التي استرعت انتباه الناشطين ودفعتهم إلى تنظيم الاحتجاج بشكل مبتكر الاحتجاج هي وجود شركة النفط البريطانية «بريتيش بتروليوم» كجهة ممولة للمعرض. «ووفقاً لوثائق الحكومة البريطانية الصادرة في عام 2011، كانت شركة بريتش بتروليوم مستقتلة للدخول إلى العراق قبل غزو عام 2003، حيث «مجال النفط الكبير». إن تركيز الشركة على اهتماماتها ضمن خطط الغزو البريطانية يجعلها متواطئة في حرب أسفرت عن مقتل مئات الآلاف من العراقيين وتشريد الملايين، حسب تصريح الناشطين.
المسألة، اذن، أعمق بكثير من مجرد دعم جهة ما لنشاط ثقافي ـ حضاري بريء يهدف إلى التعريف بالحضارة وبناء الجسور بين الشعوب. ومبادرة الناشطين الاحتجاجية ليست نزوة مؤقتة بل سيرورة عمل يحمل أبعادا تضيء جوانب متعددة من نشاطات وفعاليات ثقافية ـ فنية، غالبا ما يتم تسويقها بشكل «انساني ـ حضاري». هذه النشاطات تقع ضمن ما يمكن توصيفه بانه جزء من عولمة «الاحتلال». اذ يقوم المحتل بتخريب بلد ما، ثم يسارع إلى «التبرع» بمساعدته «انسانيا» و«اعادة» بنائه بعد ان يجني عقودا خيالية، عرفانا بالجميل من الساسة المحليين، الفاسدين، الذين قام بتنصيبهم. هكذا أصبح احتلال الدول الغنية بمواردها، كالعراق، مهنة/ صناعة مربحة إلى أقصى حد، وأقلها تكلفة خاصة بعد أن أقنع المحتل، وهو خليط من سياسيين وصناعيين وتجار اسلحة وشركات نفط احتكارية وأكاديميين، الساسة العراقيين برعاية ما بذره من فتن عرقية ودينية ومذهبية.
للترويج لهذه الصناعة المؤسساتية العالمية، ولئلا تتهمهم شعوبهم بان دماء الشعوب المستعبدة تلطخ ايديهم بالدماء، يضطر محتكرو صناعة الاحتلال والحروب، إلى انجاز بعض «الاعمال الخيرية» لأهل البلد المحتل، معتمدين في الغالب على سذاجة أو طيبة أو خبث بعض من يعمل عندها في أقسام الإعلام والثقافة. فهناك جدوى دعائية واضحة مثلا في مساعدة خمسة من ذوي الاحتياجات الخاصة أو جلب ضحية تفجير في البلد الذي خربوه إلى أوروبا للعلاج، او جلب أكاديمي لحمايته من «الحرب الاهلية» في بلده، أو اقامة معرض عن «السلام» في سفارة بلد الاحتلال أو، على المستوى العالمي، رعاية مؤسسات ثقافية، ذات سمعة جيدة. هذه نماذج من نشاطات، شهدناها بصدد العراق منذ احتلاله، عام 2003، وصاحبتها تغطية إعلامية واسعة، تهدف إلى تبييض افعال الجهات المساهمة في الاحتلال وما سببته من خراب. وليس هناك مثالا افضل، في الوقت الحالي، من التعاون القائم بين «بريتيش بتروليوم بي بي» والمتحف البريطاني.
- اقتباس :
إن تركيز شركة النفط البريطانية بريتيش بتروليوم على اهتماماتها ضمن خطط الغزو البريطانية يجعلها متواطئة في حرب أسفرت عن مقتل مئات الآلاف من العراقيين وتشريد الملايين
قام المحتجون اثناء تواجدهم داخل المتحف باستقبال بشرب «شمبانيا النفط» لجلب الانتباه إلى العلاقة المشينة بين شركة النفط والمتحف البريطاني الذي «يسهّل تبييض أعمال الشركة في العراق، من خلال السماح للشركة برعاية معرض يقدمها كراع حميد وحارس للتراث العراقي» حسب بيان وزعه الناشطون توضيحا لاسباب احتجاجهم. من بين الاسباب الأخرى: مسؤولية بريتيش بتروليوم وشركات نفط أخرى عن التلوث البيئي ومنه تلوث المياه. كما أدت سياسة الشركة في تشغيل العمال الاجانب بدلا من العراقيين إلى تفاقم تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي، اذ بينما يمثل قطاع النفط 89٪ من ميزانية الدولة و99٪ من عائدات التصدير العراقية، إلا ان 1٪ فقط من الوظائف تمنح للعراقيين.
لم يكتف الناشطون بالاحتجاج على الدور الذي يلعبه المتحف البريطاني في استخدام الثقافة والتاريخ العراقيين لتغطية أعماله المشينة، وتبييض ممارسات شركة النفط، فقط، بل اعلنوا تضامنهم مع المتظاهرين في داخل العراق من اجل اساسيات الحياة ثم أوضحوا مطالبهم من المتحف البريطاني، المتضمنة إنهاء رعاية وتمويل شركة بي بي لمعارض المتحف البريطاني وبالتالي عدم الترويج لشعارات الشركة في المتحف. وقام الناشطون باعادة صياغة شعارات الشركة الترويجية وتقديمها بمضامين تفضح سياستها في العراق. من بين شعارات الناشطين المبتكرة، بذكاء، وقاموا باطلاقها باسم الشركة: «نحن على استعداد للقيام بكل ما يلزم للحفاظ على السيطرة على ثروة المنطقة ومواردها» و«نحن سعداء لأننا كنا قادرين على وضع اهتماماتنا في قلب غزو المملكة المتحدة للعراق عام 2003»، ولعل الشعار الاكثر اقترابا من واقع ما حققه الغزو هو «رعاية الماضي وتدمير المستقبل».
وبينما أكد متحدث باسم المجموعة أهمية أن ينهي المتحف رعاية الشركة، أثار في الوقت نفسه تساؤلا في غاية الاهمية حول وجوب افصاح المتحف عن «كيفية الحصول على القطع اللازمة لهذا المعرض»، خاصة وان القطع الأثرية المنهوبة من العراق منتشرة بأمريكا واوروبا وتباع، أحيانا، بشكل علني في المزادات العالمية، وكان آخرها الجدارية الآشورية المنهوبة من قصر ملكي آشوري، بمحافظة نينوى، قرب الموصل، شمال غرب العراق، ويعتقد أنها تعود للفترة 883 ـ 859 قبل الميلاد، وتم بيعها بمزاد كريستي بنيويورك.
«لن نسمح باستغلال الثقافة العراقية، خاصة، من قبل الجهات التي ساهمت في هذا الدمار»، كرر الناطق باسم المجموعة الجريئة التي نجحت في اثارة الاهتمام بقضية جوهرية يحاول الكثيرون اخفاء حقيقتها تحت ستار رعاية الثقافة والفن والحضارة والمساعدة الإنسانية. وهي حقيقة غزو العراق من أجل الهيمنة على نفطه كسبب أولي. واذا كان المساهمون في تدمير العراق قد خدعوا الناس لفترة الا ان دماء الضحايا الابرياء ستبقى ملتصقة بأيديهم « وﻟـﻦ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻛﻞ ﻋﻄﻮر الجزيرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣـﻦ إزالة رائحتها»، اذا ما استشهدنا بمقولة ليدي ماكبث، البطلة الشكسبيرية، التي اصابتها لوثة مرأى دماء ضحيتها على يديها.
كاتبة من العراق