أين يصطف ساسة العراق الحاليين في الصراع بين الولايات المتحدة وايران؟
د. سعد ناجي جواد
أين يصطف ساسة العراق الحاليين في الصراع بين الولايات المتحدة وايران؟
مازال التنابز مستمرا بين السياسيين الإيرانيين والأميركان حول من يجب ان يحترم إرادة من، وهذا تعبير مخفف عن الهدف الحقيقي الذي يقول من يستطع ان يكسر إرادة من ويخضعه. كما ان الدلائل لازالت تشير الى ان الطرفين مازالا يعملان على جعل العراق ساحة صراعهما وبدماء عراقية. وهذه حقيقة مؤلمة . والاكثر إيلاما هو استعداد احزاب و (سياسيين عراقيين) يُبدُون اندفاعا كبيرا للعب هذا الدور. فالأصوات التي تعالت من الاحزاب والنواب والسياسيين المؤيدين و التابعين لإيران تعطي الانطباع بأنهم سيذهبون الى آخر الشوط من اجل منع العراق من الالتزام بالعقوبات الامريكية الجديدة المفروضة على ايران، (بالمناسبة فان غالبيتهم العظمى وأحزابهم كانت تؤيد العقوبات اللا إنسانية والإجرامية التي فرضت على العراق للفترة من ١٩٩٠ وحتى ٢٠٠٣، وهي عقوبات لا يمكن ان تقارن بالعقوبات التي تفرض على ايران اليوم). لا بل وصل الامر ببعضهمم للتصريح بأنهم على استعداد للقتال الى جانب ايران في اية مواجهة قادمة، والاكثر من ذلك فانهم يتحدثون اعداد مسودة قرار في البرلمان يطالب القوات الامريكية بمغادرة العراق، او كما يغلفه البعض بانه قرار يطالب كل القوات الأجنبية بمغادرة العراق. وياليتهم كانوا صادقين فيما يقولون، فان العراقيين جمعيا سيدعمون هذا التوجه، والعبد الفقير لله كاتب السطور سيكون أولهم. ولكن مع الاسف هم لا يقولون الحقيقة، وان اقل ما يمكن ان يقال عن أجندتهم بانها غير عراقية. علما بان الولايات المتحدة هي الاخرى تمتلك من المؤيدين لبقائها في العراق ما يجعلها تشعر بالاطمئنان على نفوذها هناك.
وما يثير المخاوف اكثر من احتمال دموية هذه المواجهة بايدي ودماء عراقية هو ما يحدث الان بين فصائل الحشد الشعبي وتصفيات لتنظيمات داخله غير موالية لإيران.
عودة الى عنوان المقالة فان كل متابع للمشهد العراقي لا بد وان يثير الملاحظات التالية:
اولا لماذا يصر السيد رئيس الوزراء العراقي على القول ان لا وجود لقواعد أمريكية في العراق، في الوقت الذي قال فيه السيد ترامب ان قاعدة واحدة على الأقل، عين الأسد، هي قاعدة أمريكية وان الولايات المتحدة لن تتركها بعد ان صرفت عليها المليارات!!! (بالمناسبة القاعدة بناها العراق وأنجزها في عام ١٩٨٧، وكانت تعرف بقاعدة القادسية.) وقبلها صرح ان الجنود الأميركان المنسحبين من سوريا سيذهبون الى (قواعدنا في كردستان العراق). و لم يعد امر القواعد الامريكية في الاقليم وفِي مناطق اخرى من العراق سرا، بل مسألة يتحدث بها القاصي والداني. ربما يعتقد السيد عبدالمهدي ان إنكاره هذا سٓيُحٓسِن من صورته بين العراقيين، وهذا امر مستبعد لان الغالبية العظمى من العراقيين يطالبونه بامور اخرى تمس حياتهم اليومية من خدمات، ماء وكهرباء وحصة تموينية ودفع اجور متاخرة ومحاربة الفساد. التفسير الأكثر قربا للواقع ان عبد المهدي لا يستطيع، واصلا لا يريد انهاء الوجود الامريكي في العراق، ولكنه يدلي بهذه التصريحات التي هي بالمناسبة تدغدغ مشاعر حكام ايران ايضا، التي يٓخاف من ردة فعل مواليها الذين يتواجدون حوله.
ثانيا ماذا قصد احد المسؤولين العراقيين بإعلانه انه تحدث مع مسؤول أمريكي كبير وقال له ان تاريخ العلاقة بين الولايات المتحدة وايران يدلل على ان الطرفين بالنتيجة يتفاوضان وينهيان خلافاتهما باتفاق سلمي، وتطمين المسؤول الامريكي له ان الامر يختلف هذه المرة!!!! (علما بان هناك دلائل تشير الى وجود اتصالات غير مباشرة، او مباشرة على مستوى منخفض، بين الطرفين قد ينتج عنها اتفاق جديد، وحل للخلافات وسكوت عن بعض امتدادات ايران، خاصة تلك التي لا تهدد اسرائيل). ان هذا الحديث لابد وان يدلل على حيرة عدد غير قليل من السياسين العراقيين الذين لا يستطيعون ان يعلنوا إصطفافهم مع امريكا خشية ان يُترٓكوا تحت رحمة ايران اذا ما تم التوصل الى اتفاق. واذا ما صحت الأخبار عن هذه اللقاءات الايرانية الامريكية، فان ذلك لا بد ان يعيد الى الاذهان السؤال الأهم وهو هل ان الولايات المتحدة جادة في انهاء النفوذ الايراني في العراق؟ عند الحديث عن مخاطر نفوذ ايران في المنطقة قال السيد ترامب انها ( تريد إبادة اليهود)، بكلمة اخرى ان التوصل الى اتفاق مع ايران ممكن اذا أعطت تطمينات بانها لن تشكل تهديدا لإسرائيل. ايران اليوم تشعر بانها أقوى من ان تعطي مثل هكذا تعهدات، وان الطرف الاخر هو من يجب ان يعطي تعهدات لإيران بعدم العمل على إسقاط النظام واحترام اي اتفاق يُوٓقٓع ورفع العقوبات. وهكذا فان الخلاف بين الطرفين ليس له علاقة بمستقبل العراق او واقعه، وانما خلاف بين مصالح تهم ايران واميركا واسرائيل. فهل يستوعب الموالين والمندفعين في موالاتهم لاي طرف غير العراق هذه الحقيقة؟
ثالثا لماذا يعمل السيد ترامب على تمديد المُهلة او موعد التزام العراق بالعقوبات على ايران في كل مرة يحصل فيها على عدد جديد من العقود الكبيرة من بغداد، كان اخرها ما وقعه وزير الاقتصاد الامريكي والوفد المرافق له الى بغداد؟ (بعدها مددت المدة تسعين يوما اخر)، هل لان ترامب يعلم بان تشديد الحصار على ايران من العراق أمرا شبه مستحيل و يحتاج الى قوات إضافية هو ليس مستعد لارسالها، وانه حقيقة يريد ابتزاز العراق اقتصاديا ونفطيا و عقودا كبيرة، كما ذكرت مجلة الإيكونومست اللندنية في عدده الصادر في ١٢ كانون الثاني/يناير الماضي. وهو ما يفعله ايضا مع دول الخليج العربي.
رابعا لماذا تدعي كل من ايران والولايات المتحدة ان نتائج الانتخابات العراقية الاخيرة كان لصحالح طرف منهما فقط وليست لصالح الجانب الاخر؟ هل ان ذلك بسبب ان الرؤوس التي تبوأت المناصب الثلاثة الاولى استطاعت ان تطمئن الطرفين، كل على حدة، بأنهم موالون لهما وسيسعون لخدمة مصالحهما. واكثر من فرح بذلك هم الايرانيون. ولكن كل الدلائل تشير الى ان مع كل ما تبديه الرئاسات الثلاثة من ود لإيران، الا ان ولائهم الاكيد هو للولايات المتحدة. وهذه الازدواجية الظاهرة ليست حكرا على الرئاسات الثلاثة، وانما يشترك فيها عدد غير قليل من سياسي عراق اليوم، الذين ينتظر اغلبهم لمن ستكون الغلبة لكي يصطف معه.
خامسا لماذا اكتشفت الولايات المتحدة على حين غرة ان المليشيات الموالية لإيران متسلطة على رقاب العراقيين؟ وهي كانت كذلك منذ بداية الاحتلال، ومع وجود القوات الامريكية ومن تحالف معها. وان الجيش العراقي يجري تهميشه وإضعافه، وهي أساسا من خططت لذلك بعد الاحتلال؟ وإذا كانت الولايات المتحدة صادقة في ذلك فلماذا عملت على تدمير الجيش العراقي السابق، ثم تهميش تشكيله الجديد؟ تقول بعض الإحصائيات ان إدارة الاحتلال والحكومات التي تبعتها انفقت اكثر من ٥٧ مليار دولارا على الجيش الجديد لحد عام ٢٠١٤، وهذا مبلغ هائل لم تنفقه اي من الحكومات العراقية المتعاقبة حتى عام ٢٠٠٣، ومع ذلك نجحت الحكومات الوطنية آنذاك ان تبني جيشا يشار له بالبنان، واستطاع ان يُفشِل كل محاولة لاختراق أرض العراق. ثم ماذا كانت النتيجة بعد كل هذا الإنفاق؟ لقد هُزِمٓ هذا الجيش خلال ساعات قليلة امام عصابات داعش، تاركا وراءه كل المعسكرات والمعدات الثقيلة والخفيفة، لا بل ان قادته تَرَكُوا وراءهم حتى بزتهم العسكرية، ولم يحاسبهم احد.،والسؤال هو لماذا استطاع الجيش بقدراته الذاتية وبالسلاح الروسي ان يحمي حدود و أمن البلاد قبل ٢٠٠٣، وفشل وهو يعتمد على السلاح والتدريب الامريكي؟ هل هي مصادفة؟ ام انه امر مقصود؟ والامر يحتاج الى تدقيق اكبر خاصة عندما يقول باحث مهم في الشؤون العسكرية، كين بولاك، في مجلة فورن بوليسي الامريكية، الصادرة في ٢٠١٩/١/٣١ ان الولايات المتحدة انفقت مليارات الدولارات على مدار عقود طويلة ماضية في تدريب جيوش عربية فاشلة. علما بان عملية تهميش الجيش، خاصة بعد نجاحه في طرد تنظيم داعش الإرهابي من المدن العراقية، بدات مرة ثانية وعلى مراى و مسمع من الادارة الامريكية، وهي لا تفعل شيئا، وخاصة في مجال تزويد هذا الجيش بما يحتاجه من أسلحة ومعدات لكي يكون أقوى من التنظيمات غير الرسمية التي تملا العراق.
سادسا لماذا تصر ايران و حلفائها في الداخل على القول ان وجودها ثابت ودائم في العراق ولن يتزعزع؟ هل لانها حقيقة تمتلك مثل هذا النفوذ، وهل لقاء وزير الخارجية الايراني مع من قيل انهم روؤساء عشائر في الجنوب كان لإعطاء هذا الانطباع؟ ولا ادري كيف يمكن بروتوكوليا ان يتم مثل اللقاء، وكيف سمحت به الخارجية العراقية. وكل العراقيون يعرفون حقيقة موقف العشائر العراقية العربية الرافض للنفوذ الايراني المتزايد.
ختاما فان كل الدلائل تشير الى ان البرلمان العراقي سوف لن ينجح في تمرير قانون يطالب القوات الامريكية بالخروج من العراق، ولأسباب عديدة أهمها ان هناك اطرافا في البرلمان والحكومة لا تحبذ خروج القوات الامريكية، وانها تمتلك القدرة على كسر نصاب اية جلسة يُطرٓح فيها مثل هذا المشروع للتصويت. وفِي هذه الحالة فانه سوف لن يبقى لإيران ومواليها سوى اللجوء لأساليب تقلق وجود القوات الامريكية، وبالتاكيد فان الاخيرة سوف لن تسكت على ذلك، ولهذا فان من يتخوف مما سيحدث في العراق في قابل الأيام يبني موقفه على احتمالية حدوث مثل هذه المواجهة في العراق وبدماء ابناءه.