يتعرض قطاع غزة الى عملية تحريض مكثفة هذه الايام تقف خلفها خبرات استخباراتية متمرسة في عمليات تعبئة الرأي العام بشكل مدروس لتكريه المصريين، وزيادة مخاوفهم من ابناء القطاع، وتأكيد مقولة خطرهم على الامن القومي المصري.
هذه الحملة التحريضية انعكست بشكل اساسي في تقريرين مدسوسين، جرى تسريبهما الى صحف مصرية 'مستقلة' تتمتع بمصداقية في اوساط القراء:
الاول: تمثل في الترويج لتقرير اسرائيلي يقول بان اسرائيل تريد توطين ابناء القطاع في سيناء، او جزء منها، يتم اقتطاعه في اطار قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، واتفاقات تبادل الاراضي. ويذهب التقرير المذكور الى درجة القول بان الامور جاهزة في انتظار خليفة الرئيس حسني مبارك الذي سيصادق على المخطط الجديد، دون ان يحدد من هو هذا الخليفة، فهل هو السيد جمال مبارك نجل الرئيس او شخص آخر.
الثاني: صدر عن مؤتمر انعقد في القاهرة، وضم شخصيات فلسطينية ومصرية غير معروفة، اكد ان اقامة الحكومة المصرية سورا فولاذيا على حدودها مع قطاع غزة تعكس قلقها من تسلل ناشطين يستلهمون فكر 'القاعدة' بعد قيام حركة 'حماس' بطردهم من القطاع الذي تسيطر عليه.
وربما لم يكن من قبيل الصدفة ان تصدر مثل هذه التقارير بعد الخطاب الناري الذي القاه الرئيس حسني مبارك الاسبوع الماضي بمناسبة عيد الشرطة، وهاجم فيه حركة 'حماس' بطريقة غير معهودة، وحرص على اللعب فيه، اي الخطاب، على وتر العصبية المصرية عندما قال ان 'مصر اولا' وامنها فوق كل الاعتبارات الاخرى.
الشعب الفلسطيني لا يريد ارضا غير ارضه، ووطنا غير وطنه، وكل مفاوضات السلام اكدت دائما على هذه الحقيقة، وحتى مسألة تبادل الاراضي التي كان القبول بها خطأ كبيرا في اعتقادنا، ركزت دائما على ان يتم هذا التبادل داخل الاراضي الفلسطينية وليس خارجها، واي اقتراح 'لتسمين' قطاع غزة، اي اضافة اراض اليه بسبب ضيق مساحته الجغرافية، واكتظاظه السكاني الاعلى في العالم، في اطار اي اتفاق نهائي، حصر هذه الاضافات من الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
تسريب هذه التقارير امر معيب، علاوة على كون كل ما ورد فيها امورا غير منطقية وغير عملية، لسبب بسيط، وهو ان عراب عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين هو الحكومة المصرية، فكيف يمكن ان تقبل هذه الحكومة اقتطاع اي اراض مصرية لاضافتها الى الدولة الفلسطينية اذا كانت تعارض هذه الفكرة وتقاومها.
اذا كانت هناك قيادة مصرية تريد التفريط في أرض مصر، وبضغوط امريكية، وفي اطار سياسة تبادل الاراضي، فإن معارضها واحباط مخططاتها هذه مسؤولية الشعبين المصري والفلسطيني.
اما بالنسبة الى تسلل عناصر من القاعدة من قطاع غزة الى مصر، فان هذه 'اكذوبة كبرى' لان التنظيمات الاسلامية المتطرفة التي اجتاحت الوطن العربي بأسره انطلقت من مصر، وانتقلت منها الى قطاع غزة وليس العكس، واذا حدث ان انتقلت بعض عناصر هذه التنظيمات الى الاراضي المصرية فانه بذلك ينطبق عليها المثل الذي يقول 'بضاعتكم ردت اليكم'.
الحكومة المصرية تريد تبرير عجزها الامني الداخلي، وفشلها الاقتصادي والاجتماعي، وتدهور اوضاع المصريين البسطاء بسبب سياساتها، بالقاء التبعية على قطاع غزة المحاصر الجوع بفضل اسوارها الارضية والفوقية، وتحويل انظار ابناء مصر الوطنيين عن عدوهم الحقيقي اي اسرائيل، الى اشقائهم في القطاع، وهي محاولة ساذجة رخيصة محكوم عليها بالفشل، لانها لا يمكن ان تنطلي على ابناء مصر الشرفاء الاذكياء.
نقلا عن صحيفة القدس العربي