نوبل ٢٠١٩ .. مزيد من المركزية
العربي الجديد:كان من المتوقّع أن تكون "نوبل للآداب" 2019 مناسَبة لـ "الأكاديمية السويدية" كي تعيد الاعتبار لنفسها بعد الهزّات التي تعرضّت لها في السنتَين الأخيرتَين، بسبب فضائح التحرّش الجنسي التي طاولت عدداً من أعضائها، ما منع تسليمها للجائزة العام الماضي. بعد إعلانها عن الفائزَين؛ الكاتبة البولندية أولغا توكارتشوك لعام 2018، والكاتب النمساوي بيتر هاندكه للعام الحالي، يمكن أن نتساءل: هل نجحت الجائزة في استرجاع موقعها؟
يُفترَض في هكذا وضعية أن تميل الأكاديمية السويدية إلى جعل الإعلان عن "نوبل للآداب" هذا العالم حدثاً خاصاً، في فضاء الأدب العالمي من جهة، ومن جهة أخرى في تاريخها الممتد لأكثر من قرن. لكن لا يبدو أن شيئاً من ذلك قد حصل، فالتغيير الوحيد الذي يمكن تسجيله هو تسليم الجائزة لفائزين في سنة واحدة، وكأن الأمر يتعلّق بملء فراغ كان سيبقى في الجدول في خانة 2018، ولعلّها أكثر سنة تحاول الأكاديمية نسيانها. لكن هذا الخيار لا يضع في اعتباره أنه يظلم الفائزَين معاً، فعلى عكس بقية من أحرزوا "نوبل" منذ 1974، تقاسم توكارتشوك وهاندكه الأضواء.
من جهة أخرى، فإن الخيارين متقاربان جغرافياً، ما يعيد إلى الأذهان تهمة المركزية الأوروبية التي عملت الأكاديمية على التخلّص منها عبر تنويع جنسيات الحاصلين على الجائزة، ولكنها في هذه اللحظة المفصلية فضّلت الكاتب الأوروبي على غيره من كتّاب العالم، وهو ما يطرح السؤال عن المساواة في معايير هذه الجائزة التي تعتبر نفسها عالمية، فهل يعرف عضو "الأكاديمية السويدية" عن الأدب في شرق آسيا أو غرب أفريقيا مثل معرفته عن الأدب في وسط أوروبا، ناهيك عن الأدب العربي، والذي تعوق قراءته، إضافة إلى التعالي الغربي، المسلّمات الجديدة التي اصطنعتها الحروب والإرهاب وموجات اللاجئين من المنطقة؟
ما يزيد في إحراج "جائزة نوبل" هو أن السنة الماضية شهدت إطلاق جائزة نوبل بديلة منذ أن جرى الإعلان عن حجبها من قبل الأكاديمية. انطلقت الفكرة من مكتبات السويد، وعملت على وضع معايير أكثر ديمقراطية في تحديد الفائز، فجرى الاعتماد على ترشيحات وتقارير أمناء المكتبات، وهو خيار وإن كان لا يصل إلى القارئ العادي، فإنه بالتأكيد أكثر انفتاحاً من أساليب عمل أعضاء "الأكاديمية السويدية".
وللتذكير، فقد أفضت نوبل البديلة إلى تتويج الكاتبة الغوادالوبية ماريز كوندي، ولاقى هذا الخيار ترحيباً لم نلمسه مع خيارات الأكاديمية هذا العام، خصوصاً مع الكاتب النمساوي بيتر هاندكه الذي تُثار مواقفه العنصرية مع كل جائزة أدبية ينالها.
أما خيار أولغا توكارتشوك، فلا يمكن قراءته بمعزل عن فضائح التحرّش التي هزّت الأكاديمية؛ إذ يبدو الأمر وكأنه التفات إلى كاتبة عُرفت بمواقفها النسوية. ولعلّ هذا الطرح نفسه يهدّد قبول الجائزة من الكاتبة البولندية، ولو فعلت ذلك، ربما ستسقط آخر ما تبقّى في سمعة "نوبل للآداب". أليس ذلك في مصلحة الأدب في النهاية؟