موقع أميركي: ناشطة تتولى حملة لإحياء مكتبة الموصل المركزية من جديد الزمان:العراقيون دائماً ما يصفون أنفسهم على أنهم فخر الأدب في العالم العربي . المثل العربي التقليدي الذي يقول : " مصر تكتب ولبنان تنشر والعراق يقرأ " يتردد صداه عبر الجهود التي تقوم بها ، تهاني صالح ، وهي امرأة عراقية شابة دفعها شغفها بالكتب لإعادة بناء مكتبة في الموصل كتاباً كتاباً بعد انتهاء حكم تنظيم داعش الإرهابي على المدينة .
صالح التي تبلغ من العمر الان 28 عاماً ، كانت في المرحلة الأخيرة من دراستها في كلية العلوم الاقتصادية عندما هاجم تنظيم داعش الموصل في 4 حزيران عام 2014 . ومنذ ذلك الحين وطموحها يدفعها لمساعدة مدينتها للتعافي من حكم داعش واستعادة الإرث الثقافي للمدينة .
وتستذكر الناشطة صالح فترة حياتها تحت حكم داعش في لقاء لها مع موقع VOA الإخباري الاميركي حيث تقول " عندما كان داعش يحتل الموصل ، كان الوضع وكأننا مشلولين بشكل كامل ، لم يكن لنا سيطرة على أي شيء ولم يكن بمقدورنا فعل أي شيء ، كان وضعاً شاذا مليء بالترقب والخوف والندم . كل ما كان علينا فعله هو البقاء أقوياء للحفاظ على أنفسنا من أن تتلوث بالظلمة التي جلبها داعش إلينا ."
وكونها امرأة ثورية من نعومة أظفارها، رفضت صالح الانصياع لأحكام داعش التعسفية .
في بادئ الأمر تركت كليتها وتوقفت عن زيارة مكانها المفضل ، المكتبة المركزية لجامعة الموصل . وبالتالي امتنعت عن الخروج من بيتها نهائيا .
وقالت صالح " لم أرتدي النقاب الأسود الذي فرضوه على النساء ولو لمرة واحدة . لم أغادر البيت على مدى 944 يوماً حتى لو كان خروجي للتسوق . أغلب الوقت كنت أسأل نفسي ، ما هو الخطأ الذي ارتكبته ؟ لماذا علي أن اترك دراستي ؟ لماذا لا أستطيع التحرك بحرية ، ما الذي فعلته لاستحق تهجيري من مدينتي ؟ ولكن لا يسعني أن أجد جواباً ."
خلال فترة الانعزال تلك سمعت صالح من خلال أصدقاء عملوا في الكلية بما كان يحصل في المكتبة المركزية لجامعة الموصل . أخبروها بأن مسلحي داعش حبسوهم في الطابق الأول من البناية ذات الطوابق الأربع وأجبروهم على طباعة كتيبات دعائية للتنظيم .
وتستدرك صالح بقولها " أحد الطلاب أخبرني بأن مسلحي داعش كانوا يحرقون الكتب لأغراض الطبخ أو التدفئة . كانوا يجهلون قيمة تلك الكتب ."
تاسست المكتبة المركزية في العام 1921 وكانت تضم ما يقارب من مليون كتاب في مختلف المجالات العلمية والأدبية والفلسفية والقانون والثقافية بالإضافة الى خرائط تاريخية قديمة ومخطوطات يعود عمرها للعهد العثماني وصحف عراقية قديمة .
مدير المكتبة المركزية ، محمد جاسم الحمداني ، قال إن المكتبة بدأت بالازدهار خلال العام 1967 عندما قامت 60 مكتبة محلية خاصة بالتبرع لها من مجموعاتهم التاريخية . وأصبحت بعد ذلك مركزاً للبحوث في الموصل يزورها ما يقارب من 1,500 طالب يومياً .
في شباط عام 2015 أشارت تقارير محلية الى أن مسلحي داعش قاموا بتحميل ست عجلات بيك أب لديهم تحمل لوحات سوريّة بكتب من مكتبة جامعة الموصل المركزية من جميع العناوين الدينية والفلسفية والشعر والأدب ، وذهبوا بها الى ضواحي المدينة وقاموا بإحراقها جميعاً هناك .
وفي بيان لها قالت مدير عام منظمة اليونسكو للتربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة ، ايرينا بوكوفا " هذا التخريب يؤشر لمرحلة جديدة من طمس للثقافة تنفذ في مناطق تحت سيطرة مجاميع مسلحة متطرّفة في العراق ."
ما تزال صالح تتذكر اليوم عندما رأت من شرفة بيتها أعمدة دخان كثيفة سوداء ترتفع في السماء بعد أن تم إحراق المكتبة من قبل تنظيم داعش في محاولة لتلافي ضربات التحالف الجوية .
ثم قالت " النار كانت تبدو جنونية . كان بيتنا بعيداً جداً عن المكتبة ولكن كنت ما أزال أرى الدخان وهو يرتفع فوق الغيوم . الأوراق والمعدات المحترقة تسببت بطبقة كثيفة من الدخان الأسود خنق الشوارع حول البناية ، داعش حرق المكتبة لسبب غبي وهو باعتقادهم أن الدخان سيحميهم من استهداف الطائرات المقاتلة لهم . لقد حرقوا المكتبة لسبب سخيف ، وكان الثمن بالنسبة لنا باهظاً جداً ."
وقال مدير المكتبة الحمداني إن من بين مليون عنوان والتي اشتملت على 30,000 دورية و 7,000 كتاب مرجعي ونسخة من القرآن الكريم ترجع الى القرن التاسع عشر ، فإن أقل من 50,000 كتاب فقط قد سلم من الحرق . مشيراً الى بعض من الكتب لا يمكن تعويضها مثل نسخة القران الكريم التي يعود تاريخها للعهد العثماني وكذلك 70,000 وثيقة حكومية مؤرشفة يعود تاريخها لأربعينيات القرن الماضي فقدت جميعها خلال ساعات .
حالما دخلت صالح الى المكتبة بعد تحرير الموصل استذكرت رائحة الدخان المنبعث من النيران ، كانت الجدران سود ورفوف المكتبة محطمة ، وكانت الأرضية مغطاة برماد أوراق محروقة .
ولكن خلف تلك الفوضى كان بإمكانها رؤية آلاف الكتب وهي بحالة سليمة تقريباً مبعثرة في زاوية قليلة الاضاءة .
وقالت صالح " كان شعوراً لا يصدق . كيف يمكن أن تكون هناك كتب سليمة بشكل كامل لم يمسها شيء ، لقد شعرت بالنشوة . المكان الأول الذي وصلنا له كان قسم الصحف القديمة ، تاريخ العراق كله كان مسجلاً هنا وأول جريدة عراقية يمكن العثور عليها في هذه المجموعة . كنت سعيدة جداً بالعثور عليها ، كان هذا أجمل مشهد يمكن أن أراه بعد الحرب ."
اتصلت صالح بمدون أحداث الموصل تحت حكم داعش ، عمر محمد ، الذي دون الوقائع تحت عنوان عين على الموصل ، وأخبرته باكتشافها . ثم قام كلاهما بالاتصال بآخرين للمساعدة بنقل الكتب المتبقية الى موقع مؤقت داخل جامعة الموصل . جلبت محاولاتهم أول مرة 20 متطوعاً من الشباب ثم استمر العدد بالازدياد . متطوع آخر يدعى ، علي البارودي ، وهو مصور ومحاضر لمادة الترجمة في جامعة الموصل ساعد بأخبار العالم الخارجي عن محاولة المجموعة أحياء مكتبة الموصل من خلال بث شريط فيديو على مواقع التواصل يصور العمل الجاري لأنقاذ كتب المكتبة في مسعى لجذب الاهتمام الدولي من حكومات ومنظمات ومتبرعين للاسهام باحياء المكتبة.
قالت صالح " مبادرتنا بإنقاذ الكتب كانت مهمة بالنسبة لنا لإعادة إحياء المدينة من جديد بعد دمارها ، إحياء هذه الكتب أعطتنا قوة و أمل بأننا نستطيع التعافي وإرجاع المدينة تقف على قدميها من جديد ."