الدولار لا يزال صامداً رغم ارتدادات كورونا
رغم تعرض الاقتصاد الاميركي لانكماش بسبب تداعيات انتشار الفيروس لكن الدولار يظل سيد العملات وذلك بفعل تزايد الطلب على الملاذات المالية اضافة للحاجة الملحّة لدى الشركات إلى الأموال النقدية في ظل تراجع إيراداتهم.
الاثنين 2020/04/06
رغم الازمة الدولار أكثر العملات تداولا في العمليات اليومية في سوق القطع النقدية في العالم
واشنطن - يترنح الاقتصاد الأميركي بقوة على وقع التفشي المتسارع لفيروس كورونا المستجد الذي دفع بملايين الأميركيين إلى البطالة، غير أن هذه الإحصاءات المقلقة لم ترتد سلبا حتى اليوم على الدولار الذي لا يزال في وضع قوي.
وقد شهد مؤشر "دولار إندكس" الذي يقيس قيمة العملة الخضراء في مقابل سلة عملات أخرى، ازديادا بأكثر من 6 % مقارنة مع المستوى الأدنى لهذا العام في مطلع آذار/مارس. وقد حقق سعر صرف الدولار ارتفاعا في مقابل اليورو بنسبة 3,5 % منذ الأول من كانون الثاني/يناير.
طلب مرتفع ويعود الارتفاع في قيمة العملة الأميركية قبل أي شيء إلى كونها الأكثر طلبا في العالم. ففي أوقات الأزمات التي يبحث خلالها المستثمرون عن ملاذات استثمارية آمنة، يبدو أن هذا الموقع يتعزز.
ويتحدث كيت جوكس المسؤول العالمي عن استراتيجية سوق العملات في مصرف "سوسيته جنرال" الفرنسي عما يسميه "امتيازا مفرطا للدولار".
ويلفت إلى وجود "أناس كثر يريدون باستمرار الحصول على الكثير من الدولارات. طالما أن الوضع كذلك سيكون ممكنا الاستمرار في إصدار الأوراق النقدية من دون إضعاف العملة".
أناس كثر يريدون باستمرار الحصول على الكثير من الدولارات
ولهذا لم تؤد التدخلات المتكررة للاحتياطي الفدرالي الأميركي (البنك المركزي) في الأسابيع الماضية للتأكد من وجود سيولة كافية في السوق، إلى ارتفاع فعلي في قيمة الدولار.
ويقول جو مانيمبو من مجموعة "ويسترن يونيون" لتحويل الأموال "التدابير التي اتخذها الاحتياطي الفدرالي لتسهيل توفر الدولار والنفاذ إليه في العالم أدت في أحسن الأحوال إلى إبطاء وتيرة ارتفاع قيمة العملة"، لكن "الطلب على الملاذات المالية في الجو السائد راهنا أقوى من خطوات الاحتياطي الفدرالي".
والسبب الآخر في جاذبية العملة الأميركية يكمن في الحاجة الملحّة لدى الشركات إلى الأموال النقدية في ظل تراجع إيراداتهم في جو الأزمة الحالي.
ويبقى الدولار في موقع قوي أيضا لكونه أكثر العملات تداولا في العمليات اليومية في سوق القطع النقدية في العالم.
ولذلك أعلن الاحتياطي الفدرالي منتصف الشهر الفائت تسهيل مبادلات العملات مع مصارف مركزية أخرى عدة لتمكينها من زيادة احتياطها من العملة الخضراء.
ويشير جوكس إلى أن هذا الطلب على الدولار يسجل خصوصا في البلدان النامية التي تستحوذ الديون بالدولار على القسم الأكبر من مديونيتها. ويقول "لن تتمكن كل هذه الدول من الخروج بسهولة" من هذا الوضع.
معادلة جديدة؟ عدم وجود رد ضريبي منسق في منطقة اليورو ادى لارتفاع الدولار امام العملة الارووبية
يعزو دانيال كاتزيف من مصرف "بي أن بي باريبا" ارتفاع سعر الدولار في مقابل اليورو إلى "عدم وجود رد ضريبي منسق في منطقة اليورو" ما انعكس سلبا على العملة الأوروبية الموحدة.
وهو يشير إلى أن العملة الأميركية أفادت أيضا من التراجع الكبير منذ مطلع العام في اسعار النفط المحددة بالدولار، ما عزز موقع العملة الخضراء في مقابل عملات أخرى مرتبطة بشدة بالذهب الأسود مثل الروبل الروسي والكرونة النروجية والدولار الكندي.
وقبل وباء كوفيد 19، كان سعر صرف الدولار مرتفعا إذ استفادت العملة من الأداء الممتاز لأكبر اقتصاد عالمي الذي كانت تقديرات المحللين الاقتصاديين كلها إيجابية في شأنه.
ولم يكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرتاحا لهذا الوضع إذ إنه يعتبر أن الارتفاع الكبير في قيمة الدولار قد يزيد سعر الصادرات الأميركية بدرجة كبيرة ما يحد من قوتها التنافسية في أوج الحرب التجارية مع الصين.
ويرى بعض المراقبين أن التبدلات المتأتية من تفشي فيروس كورونا المستجد قد تعيد خلط الأوراق، رغم أن هذا الأمر لم يُترجم بعد على الأرض.
وتقول كاثي ليين من شركة "بي كاي أسيت مانجمنت" إن "مسألة (استمرار) هيمنة العملة الخضراء ستُطرح في الأسابيع المقبلة".
وتضيف "المستثمرون اشتروا الدولار مع الرهان على أن باقي أنحاء العالم ستسجل انكماشا اقتصاديا لفترة أطول من الولايات المتحدة، إذ إن تعافي الاقتصاد العالمي مستحيل من دون حصول ذلك في الولايات المتحدة".
المستثمرون اشتروا الدولار مع الرهان على أن باقي أنحاء العالم ستسجل انكماشا اقتصاديا لفترة أطول من الولايات المتحدة
وتتابع ليين قائلة "فيما هذا الأمر حقيقي جزئيا، تشهد البيانات المسجلة في بلدان عدة تدهورا منذ أسابيع عدة. في الولايات المتحدة، بدأنا للتو نرى أثر كوفيد 19 في الإحصاءات الوطنية، وفي بعض الحالات لا تزال هذه الأرقام بحاجة إلى تحديث".
وتظهر البيانات الصادرة الجمعة ازديادا قويا في معدل البطالة إلى 4,4 % في آذار/مارس (في مقابل 3,5 % في شباط/فبراير)، وهي لا تأخذ في الاعتبار سوى الجزء الأول من الشهر قبل البدء بتدابير الحجر المنزلي وإغلاق المتاجر وموجات الصرف في أنحاء البلاد كافة.
ومن شأن استمرار الانكماش الاقتصادي لفترة طويلة في الولايات المتحدة أن يضعف قيمة الدولار على المدى الطويل.