عن أفلام رئيس الوزراء العراقي وفيديو الطفل العاري
منذ يوم واحد
هيفاء زنكنة
5
حجم الخط
وزع المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، يوم 30 تموز/ يوليو، فيلما قصيرا تداولته أجهزة الاعلام العراقية والعربية، عن زيارته الى سجن مطار المثنى، وسط بغداد. وُصفت الزيارة بأنها «ليلية تفقدية مفاجئة». تأكد الكاظمي، خلالها «بنفسه من عدم وجود سجناء من المتظاهرين، وأصحاب الرأي». وسجن المثنى واحد من سجون نظام «العراق الجديد» ينافس في سمعته السيئة سجني «أبو غريب» و«التاجي». اذ لا يكاد أي تقرير حقوقي عالمي أو محلي يُنشر حول انتهاكات حقوق الإنسان بالعراق الا ويذكر فيه سجن المثنى، مرة كمركز للتحقيقات وأخرى كسجن «سري» تسيطر عليه الميليشيات وتُخضع المعتقلين «لكافة أنواع التعذيب، تبدأ بالضرب والخنق والصعق بالتيار الكهربائي في كافة أنحاء الجسم والحرق ونزع الأظافر والأسنان ومحاكاة الغرق، بهدف انتزاع اعترافات بتنفيذهم عمليات إرهابية لم يرتكبونها». ولا تخلو التقارير من توثيق حالات تهديد أو انتهاك واعتداء جنسي ضد المعتقلين من الذكور.
يأتي توقيت الزيارة مع عودة المظاهرات الغاضبة في عديد المحافظات، في ارجاء البلد، احتجاجا على انقطاع الكهرباء مع ارتفاع حرارة الصيف الى ما يزيد على الخمسين درجة مئوية، وأزمة المياه الصالحة للشرب بالإضافة الى المطالبة بالقبض على قتلة المتظاهرين في انتفاضة تشرين/ أكتوبر 2019، الذين بلغ عددهم 560، اعترف بهم في 30 تموز، رسميا، كشهداء، بالإضافة الى 30 ألف جريح ومعوق بشكل دائم جراء الاستهداف بواسطة القناصة واستخدام الرصاص الحي وبندقيات الصيد والغازات المسيلة للدموع. عاد المتظاهرون الى الشوارع على الرغم من قساوة الجو، ومخاطر انتشار وباء الكورونا، احتجاجا، أيضا، على حملة الخطف والاغتيالات المنهجية المترصدة بالمتظاهرين وكل ذي فكر حر، وكان آخرهم المحلل السياسي هشام الهاشمي. تلاه اغتيال خمسة متظاهرين وسقوط عشرات الجرحى، والبلد تحت قيادة الكاظمي الذي لاتزال وعوده ترن في آذان المواطنين. حين تعهد بأن الحكومة ستحقق في مقتل المتظاهرين. وذّكره المتظاهرون بأن وعود تشكيل اللجان بات مزحة سمجة، وكما اكدت منظمة هيومان رايتس ووتش «يجب على الحكومة، أن تحدد وتعلن عن الجماعات وقوات الأمن التي شاركت في عمليات القتل هذه أو نسقتها ومحاسبة المسؤولين. وبذل الجهود لتحديد مكان المتظاهرين الذين اختطفوا وما زالوا مفقودين، مع المساءلة الكاملة».
بالنسبة الى المفقودين، تقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر « أن في العراق أكبر عدد من المفقودين في العالم. البعض منهم يتعرضون للاختفاء القسري، بما في ذلك، مؤخرا، بعض المشاركين في حركة الاحتجاج التي بدأت في تشرين/ أكتوبر 2019».
إزاء هذا كله، ما هي الاجراءات التي اتخذها الكاظمي؟ رأينا فيلمين وصورة. لابد وأن تكون حصيلة نصيحة أسداها له أحد مستشاريه حول أهمية الصورة / اللقطة المستخدمة إعلاميا وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، لتُصبح هي الواقع والحقيقة، مهما كانت «اللقطة ـ الصورة» مفبركة لتبين بأنه يقوم فعلا بإنجازات مغايرة لمن سبقه.
- اقتباس :
يأتي هذا الفيديو بوحشيته، ليكشف الحقيقة عن زيف ادعاء حماية الشعب من قبل القوات الأمنية والشرطة، في بلد بلا قوانين، تحكمه مؤسسات تُسيّرها الميليشيات وعصابات الفساد
تناول الفيلم الأول زيارته « التفقدية المفاجئة» الى سجن المثنى. حيث نراه واقفا يتصفح بضع ورقات في مكتب أنيق مرتب ثم ينتقل للوقوف امام قضبان لردهة واسعة تتألق نظافة. نرى فيها عددا من المعتقلين الذين لايقلون نظافة وترتيبا عن المكان والكاظمي نفسه باستثناء انه يرتدي بدلة وكمامة. في رحلته للعثور على المتظاهرين المفقودين والمختطفين، نسمعه قائلا: « منو منكم صار له أسبوع؟ شهر؟ أكو (ثمة) واحد صار له أسبوع؟ أسبوعين؟ شهر؟ «. حين يهز المعتقلون رؤوسهم نفيا، يعيد صياغة أسئلته « منو أجدد واحد؟ أكو واحد من المتظاهرين؟». هكذا تأكد الكاظمي من عدم وجود متظاهرين معتقلين، وخرج فرحا بتفنيده التقارير الحقوقية الموثقة لاعتقال آلاف المحتجين. فهل من المعقول ان الكاظمي، الذي كان حتى 9 حزيران/ يونيو، رئيسا للمخابرات، ومن قبله صحافيا، لا يعرف أين يُحتجز المعتقلون من المتظاهرين؟
وإذا كانت الميليشيات هي المسؤولة وهو لا يعرف، فكيف استطاع تحرير المُختطفة الألمانية، قبل أيام، بسرعة قياسية، بينما تدور أمهات الشباب العراقي المُختطف باحثات عن ابنائهن وبناتهن في أكثر المعتقلات والسجون لا إنسانية، على مدى شهور وسنوات، ويواجهن الاهانات والاساءات ودفع الرشوات بلا جدوى.
الفيلم الثاني عن القاء القبض على جندي متهم مع اثنين آخرين، لا نراهما في الفيلم، برتبتي رائد وملازم. يعترف الجندي بانه والآخرين استهدفوا المتظاهرين الثلاثة، قبل أيام، ببنادق صيد. ويأخذنا الجندي المرعوب الى سيارة ليرينا وجود الرصاص فيها. المتهمون الثلاثة، كانوا ضمن القوة الأمنية المنتشرة في خطوط مواجهة المتظاهرين والممنوع عليهم، كما صرح وزير الداخلية، حمل السلاح. فكيف أخفى الثلاثة بنادق الصيد، وكيف اغتالوا المتظاهرين ولم تثر العملية التي تمت امام القوات الأمنية، اعتراضا؟ وإذا كان الثلاثة مسؤولين فعلا عن اغتيال اثنين من المتظاهرين، من المسؤول عن قتل الخمسمائة وثمانية وخمسين الآخرين؟ أجمعت التعليقات الغاضبة والساخرة على «الفيلم» أنه « حتى أفلام الدرجة العاشرة أحسن منه».
ولمعالجة أزمة الكهرباء القاتلة، وزع الكاظمي صورته بكامل قيافته بالبدلة والرباط جالسا خلف مكتب في غرفة شبه مظلمة وهو محاط بالشموع وهو يواصل الكتابة بكل همة وبلا قطرة عرق واحدة تدل على صحة الرسالة التي أراد ايصالها الى أبناء الشعب وهي أنه مثلهم، يعاني من انقطاع الكهرباء، الا انه ليس مثلهم لأنه يواصل العمل غير مبال بالحر!
هذه الحملة الإعلامية المبرمجة سقطت إزاء فيديو لم يتم تصويره من قبل محترفين ولم يشارك فيه الكاظمي بشكل شخصي. الفيديو الذي اشير اليه لم أستطع اكمال رؤيته. فمن منا يريد مشاهدة ضعف طفل عار أمام سادية جلادين يلتذون بما يقومون به الى حد تصويره ونشره، ليكون نسخة مما نفذه جلادو الاحتلال الأمريكي في أبو غريب؟ فيديو بلقطات مقززة يبين الاعتداء الوحشي على طفل يتوسل الرحمة من مجموعة من منتسبي قيادة قوات حفظ القانون، يتباهون بما هو اوطأ ما يمكن ان تصل اليه خسة « قوات الامن»، التي طالما وُثقت جرائمها وممارساتها في عديد السجون والمعتقلات، وقامت الحكومات بالتستر عليها.
خلافا لفيديوهات الكاظمي ذات السيناريو المُعد مسبقا، لتغطية الحقائق، يأتي هذا الفيديو بوحشيته وبذاءته، ليكشف الحقيقة عن زيف ادعاء حماية الشعب من قبل القوات الأمنية والشرطة، في بلد بلا قوانين، تحكمه مؤسسات تُسيّرها الميليشيات وعصابات الفساد. ولن يأتي الحل من قبل المنظومة الموجودة، فالعراق، يعيش « أزمة وطن، لا يحلها من يقف ضد الوطن»، كما يقول الكاتب أحمد الناصري.
كاتبة من العراق