مظاهرات عرب وكرد العراق غير مجدية
منذ 18 ساعة
منذ الثاني من كانون الأول/ ديسمبر والمظاهرات مستمرة وإطلاق النار على المتظاهرين السلميين مستمر، وأعداد الشهداء والجرحى في تزايد بالعراق.
توثق الفيديوهات مطاردة القوات الأمنية للمتظاهرين واستهدافهم بالرصاص الحي. خلال أسبوع واحد استشهد تسعة شباب وجرح 59. كلا، هذه ليست ساحة التحرير، ببغداد، أو ساحة الحبوبي، في مدينة الناصرية، جنوب بغداد. كما أنها ليست مدينة الفلوجة أو الموصل. إنها ليست الساحات والمدن التي باتت المظاهرات والاعتصامات ملمحا من ملامحها العمرانية ومسيرات وداع الشهداء جزءا من شوارعها. كما أن المحتجين ليسوا، هذه المرة، ممن يمكن قولبتهم ضمن التوصيفات الجاهزة: سنة أو شيعة أو دواعش أو قاعدة. المتظاهرون المستهدفون بالاعتداء والاعتقال والقتل هم من مدينة السليمانية، شمال العراق، في إقليم كردستان. الإقليم الموسوم من قبل الإعلام الغربي بنموذج الديمقراطية وحقوق الإنسان.
خرج المتظاهرون، كما في بقية محافظات العراق، احتجاجا على عدم دفع الرواتب والبطالة والفساد. ما يميزهم عن المتظاهرين في بقية أرجاء البلاد، هو أن رواتبهم تدفع من قبل حكومة الإقليم التي تقبض ميزانيتها من الحكومة المركزية ببغداد. بين الحكومتين ضاعت الرواتب على الرغم من ميزانيتيهما الخيالية، وحيازتهما على مليارات الدولارات النفطية، بالقياس إلى ما كانتا عليه قبل الاحتلال عام 2003، غير أن شراهة فساد الحكومتين تزداد يوما بعد يوم.
امتدت المظاهرات، بسرعة، لينضم إليها سكان بلدات وقرى في ضواحي محافظة السليمانية الواقعة تحت سلطة الاتحاد الوطني الكردستاني، وليصب غضب الناس على رئاسة الحكومة المتمثلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني والذي ينتمي إليه رئيس الإقليم ورئيس الوزراء. فإقليم كردستان، خلافا للتسمية التي قد تدل على وحدة الكرد، مقسم عمليا، سياسيا وإداريا ومؤسساتيا بين الحزبين، أو الأصح سلالة العائلتين الحاكمتين وهما عائلة / عشيرة البارزاني (مقرها الرئيسي أربيل) وعائلة الطالباني (مقرها الرئيسي السليمانية). وإذا كانت خلفية المتظاهرين في السليمانية وما حولها، بضمنها مدينة حلبجة، الوجه الإعلامي المعروف عالميا بضحايا السلاح الكيمياوي، مختلفة من الناحية الإثنية عن بقية المدن العراقية المنتفضة، إلا أن الطريقة التي ووجهت بها واحدة. إذ سرعان ما اتهم المتظاهرون بتهديد الأمن القومي وتدخل قوى خارجية مما شرعن شراسة القوات الأمنية والاعتداءات الجسدية والاعتقالات والغاز المسيل للدموع والاستهداف بالرصاص الحي، لتثبت وحشية التعامل مع المتظاهرين أن الحاكم المستبد واحد والنظام القمعي واحد، مهما كان الدين أو المذهب أو العرق. وأن الفساد الذي يغذي وجودهم واحد، والخوف من أبناء الشعب المستهان بكرامته واحد.
تبين الفيديوهات المتداولة على صفحات التواصل الاجتماعي، بوضوح، حجم الخوف الذي تعيشه السلطة الفاسدة من أبناء الشعب المحروم من حقوقه. حيث تم إنزال الدبابات والمدرعات إلى الشوارع، وأغلقت ساحات معروفة للمظاهرات، ليحتلها مسلحون مقنّعون مدججو السلاح إزاء شباب تكاد تبتلعهم الفجوة الهائلة بين الثراء المليارديري السريع، المبتذل، لساكني المجمعات السكنية المحمية بحراسات شركات أمنية خاصة وبين الشباب العاطل الهارب إلى أوروبا في قوارب الموت.
- اقتباس :
المنافسة بين الحكومتين لتصدر قائمة النهب والفساد والمحسوبية والمنسوبية محمومة، ومثقلة بدماء ضحايا الاحتجاجات من أبناء العراق كله، بلا استثناء
تبرر سلطة الإقليم فشلها في دفع الرواتب وقلة الخدمات بـ« عدم وفاء حكومة بغداد بالتزاماتها المالية». والحقيقة هي أن المنافسة بين الحكومتين لتصدر قائمة النهب والفساد والمحسوبية والمنسوبية محمومة، ومثقلة بدماء ضحايا الاحتجاجات من أبناء العراق كله، بلا استثناء. فهذه ليست المرة الأولى التي يتظاهر فيها الكرد في محافظات الإقليم، كما أنها ليست المرة الأولى التي يٌستهدف فيها المتظاهرون والصحافيون بالعنف وقمع الحريات. بل إن ما يجري، حاليا، هو استمرارية لعقود من الاقتتال على محاصصة الفساد، بأنواعه، بين الحزبين، تتخللها الاحتجاجات والاعتصامات الجماهيرية المطالبة بوضع حد لامتهان كرامة المواطن وحقوقه الأساسية. ففي 19 فبراير/ شباط 2011، مثلا، تظاهر نحو ثلاثة آلاف من طلاب جامعة السليمانية مطالبين رئيس الإقليم مسعود بارزاني بالاعتذار عن قيام حراس مقر حزبه بإطلاق النار على متظاهرين مما أسفر عن مقتل اثنين وإصابة 57 جريحا. وفي 12 أغسطس/آب، من العام الحالي، خرج المحتجون للمطالبة بتحسين التعليم وفرص العمل وتدابير مكافحة الفساد. وحين قامت قناة إن آر تي، بتغطية الاحتجاجات، أغلقت السلطات الكردية مكتبي القناة في أربيل ودهوك بذريعة « تشجيع تكدير الأمن العام والإضرار بالانسجام الوطني».
على مستوى حرية التعبير، مارست السلطات أنواع التضييق والتهديد وحتى الاغتيال. إذ تم اختطاف الصحافي الشاب سردشت عثمان (23 عاما) في 4 أيار/ مايو 2010 من أمام كلية اللغات، بجامعة صلاح الدين، بأربيل. وعثر على جثته بعد يومين وعليها آثار ضرب وهي مصابة بإطلاقات نارية في منطقة الرأس. وكان السبب كتابته أربعة مقالات ساخرة من السلطة والرئيس بارزاني. أشار في أحداها إلى « كلاب أمريكا البوليسية وحراس إسرائيليين» مستخدمين لحراسة الأغنياء.
كما كتب عن بعض نواحي فساد إدارة الإقليم، قائلا: «هنا بلدٌ لا يسمح لك أن تسأل الرئيس لماذا أعطيت كل هذه المناصب الحكومية والعسكرية لأبنائك وأحفادك وأقاربك؟ من أين أتى أحفادك بكل هذه الثروة؟» مشيرا إلى مصيره «إذا استطاع أحد أن يطرح هذه الأسئلة فإنه قد اخترق حدود الأمن القومي وعرّض نفسه لرحمة بنادقهم وأقلامهم». ولا تقل تهديدات وملاحقة الاتحاد الوطني عن الحزب الديمقراطي، حيث هدد هالو إبراهيم أحمد (شقيق زوجة الطالباني الرئيس الراحل) الصحافي ناباز كوران في 28-2-2008 قائلا «سأقتلك ياكوران حتى لو بقي يوم واحد من عمري». وذلك لمجرد كتابة كوران مقالة نشرت في صحيفة «هولاتي» المستقلة، انتقد فيها قلة الكهرباء في الإقليم بينما يبقى قبر إبراهيم أحمد المشيد بشكل مزار، في أطراف السليمانية، لا تنقطع عنه الكهرباء على مدار اليوم.
إن بقاء الإقليم مقسما، من ناحية توزيع النفوذ والمناصب والعقود، بين الحزبين، بالإضافة إلى استشراء الفساد العام، المغلف بالسياسة والشعبوية القومية، بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية، ولجوئهما، سوية، إلى استغلال حملات التخويف والترويع من «الآخر» تتطلب نضالا موحدا من أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية لكل العراقيين على تنوع قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم. لم تعد المطالب الخدماتية المتفرقة لشرائح وطبقات سكانية في مدن ومحافظات، كل على حدة، بلا تنسيق موحد جامع، مجدية بمواجهة أنظمة وسلطات قمعية مستعدة للتضحية بكل المواطنين لتبقى. إن التغيير الحقيقي يتطلب توحيد القوى المؤمنة فعلا بكرامة الإنسان. الإنسان بالمعنى العميق الشامل للإنسانية. وإن العراق بلد يتسع للجميع، ولعل هذا ما عناه سردشت حين كتب قبل اغتياله «وأينما انتهت حياتي فليضع أصدقائي نقطة السطر، وليبدأوا هم بسطر جديد».
كاتبة من العراق