قبل ٣٠ عاما.. العراق يقصف إسرائيل ردا على عاصفة الصحراء
إسرائيل اعترفت مؤخرا بأن القصف العراقي عام 1991 أوقع 14 قتيلا ( غيتي-أرشيف)
طه العاني- الجزيرة نت:بعد يوم واحد من انطلاق حرب الخليج الثانية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ضد العراق عام 1991، نفّذت بغداد تهديدها بقصف المدن الإسرائيلية.
الرد العسكري العراقي المفاجئ بدأ في 18 يناير/كانون الثاني وحتى 25 فبراير/شباط 1991، وتضمن 19 هجوما صاروخيا انطلاقا من غرب العراق.
التوقيت والهدف
الحكومة العراقية -حينها- بقيادة صدام حسين هددت بأنها ستهاجم إسرائيل بالصواريخ في حالة شن الحرب ضدها، وهذا ما حدث الفعل بعد يوم واحد من هجوم التحالف، بحسب أستاذ تاريخ الوطن العربي المعاصر سعد محسن العبيدي.
ويرجّح العبيدي، في حديثه للجزيرة نت، أن الهدف من قصف إسرائيل هو تحريك الشارع العربي ضد حكوماتهم والضغط عليها، وبالفعل خرجت مظاهرات في مصر والأردن وفلسطين لدعم العراق في حربه ضد القوى الغربية.
ويضيف أن ما جرى كان مناورة عسكرية وخطوة إعلامية لإظهارها معركة بين العرب وإسرائيل، ولكن واشنطن أفشلت المخطط عندما طلبت من إسرائيل ضبط النفس وعدم الرد على الهجوم.
تأثيرات الضربة
ويرى أستاذ العلوم السياسية المساعد علي محمد علوان أن الضربات العراقية كانت عميقة ومؤثرة لاسيما على الطرف الإسرائيلي الذي تجاوز حالة الحرب منذ عام 1973.
ويبيّن علوان، للجزيرة نت، أن ما عمّق هذا الأثر هو الحرب النفسية التي استطاع الإعلام العراقي والدولي زرعها في الشخصية الإسرائيلية التي بدت في أعلى درجات الرعب والخوف.
من جانبه ينوّه أستاذ العلوم السياسية المساعد صدام عبد الستار رشيد إلى أن هذه الضربات مثلت هزة كبيرة للشعوب العربية التي اعتبرت ما يحدث بأنه نصر كبير للقضية العربية التي أنهكتها الحروب الخاسرة وترتيبات التسوية والتطبيع، والجسد العربي الذي بدا معتادا لسياسة الخضوع بدلا من المواجهة.
ويضيف رشيد للجزيرة نت: كانت الضربات بمثابة ابتداء مرحلة جديدة في التعاطي مع القضية الفلسطينية بعد محاولات انهائها، ولذلك كانت جرعة أمل جديدة للجسد العربي، لتعيده من جديد إلى مرحلة المواجهة.
وعاد العبيدي ليوضح أن المعلومات التي أعلن عنها جيش الإحتلال الصهيوني مؤخرا تشير إلى أن العراق أطلق 43 صاروخا، وكشفت الوثائق الإسرائيلية مؤخرا مدى دقة هذه الصواريخ في اختيار المناطق التي تم قصفها.
ويتابع أستاذ التاريخ أن تل أبيب نالت النصيب الأكبر من الصواريخ العراقية، إذ سقط عليها 26 صاروخا، ونالت مدينة حيفا 8 صواريخ، وسقطت 4 صواريخ على مجلس شمرون الاستيطاني بالضفة الغربية المحتلة، و5 صواريخ في منطقة النقب بالجنوب.
اعتراف متأخر
وبعد 3 عقود من التكتم أزاحت إسرائيل الستار عن خسائرها في تلك الهجمات، معترفة بسقوط نحو 14 قتيلا وإصابة العشرات.
وحول ذلك يقول الباحث في الشأن العراقي رعد هاشم إن الإعلام العراقي آنذاك والإعلام المؤيد للقضية الفلسطينية كان يؤكد وقوع الخسائر رغم النفي الإسرائيلي.
ويضيف، للجزيرة نت، أن إسرائيل حاولت تقزيم الضربة، ولم تكشف عن الخسائر حينها حتى لا تعطي قيمة للشعوب العربية ولا يشعر العراق بالنشوة.
ويعزو هاشم سبب توقيت الكشف عن هذه الوثائق إلى كونها باتت قديمة بعد 30 عاما، وفق سياقات الكشف عن الوثائق المتّبعة عالميا.
كما يرجح وجود تنسيق أميركي إسرائيلي للكشف عن وثائق معيّنة، بهدف توجيه رسالة إلى إيران مفادها أن "العراق الذي كان قويا ويمثل خطرا على إسرائيل، أصبح هذا مصيره فاعتبروا" بحسب هاشم.
عاصفة الصحراء
الحملة الجوية التي بدأت ليلة 17 من يناير/كانون الثاني استهدفت بغداد لاعتبارات عدة، منها شل قدرة النظام العراقي في التحكم بأطرافه العسكرية في الكويت، كما يرى أستاذ العلوم السياسية المساعد عباس هاشم عزيز.
ويضيف عزيز، للجزيرة نت: بعد ذلك تطورت الحملة إلى ضرب القوات العراقية في الكويت بغية إنهاكها قبل بدء العمليات العسكرية البرية، والتي شنت بعد 40 يوما من القصف العنيف.
ويشير سليم شاكر الأمامي العقيد الركن في الجيش سابقا إلى أن القوات الأميركية وصلت مشارف مدينة الناصرية جنوب العراق ثم تلقت أوامر بالخروج من العراق.
طريق الموت
ويعتقد الأمامي أن انسحاب الحرس الجمهوري لحماية نظام الحكم في بغداد كان له دور في انكسار الجيش العراقي. وينقل عن ضباط من الجيش قولهم إن الجنود تعرضوا للجوع والعطش بسبب عدم وصول إمدادات الماء والطعام.
ويروي الأمامي قصة طريق رقم 8 (الكويت-البصرة)، والذي يعرف بـ "طريق الموت"، حيث تكدست القوات العراقية شمال الكويت بعد تدميرها من قبل الطيران الأميركي، ووقتها قال رئيس هيئة الأركان الأميركية كولن باول للرئيس جورج بوش "ما أراه الآن منظر مخجل معيب على الشهامة الأميركية أن تقتل هؤلاء في الصحراء".
تداعيات مستمرة
وتعدّ حرب الخليج الثانية من الملفات المهمة في المنطقة، مشكّلة نقطة حاسمة غيرت الكثير من الموازين، ولم تكن تأثيراتها محلية فحسب، بل كان لها تأثيرات إقليمية ودولية، كما يقول الأكاديمي والباحث في الفكر السياسي طارق عبد الحافظ.
ويضيف الحافظ، للجزيرة نت، أن القصف كان هائلا ودمّر مواقع مهمة في العراق، وأغلب الأسلحة استخدمت لأول مرة، وبعض منها كان محرما دوليا، بحسب تقارير الأمم المتحدة وحقوق الإنسان واللجان الدولية.
ويعزو سبب الدمار الكبير إلى كثافة القصف حيث بلغت نحو 100 ألف طلعة جوية، قذفت بحدود 88 ألفا و500 طن من القنابل على العراق.
ويستبعد الحافظ إمكانية تخلص العراق من التداعيات الكبيرة لهذه الحرب، في ظل الوضع الحالين لأن دول الجوار تعلمت درسا قاسيا من تلك الأزمة، وأصبحت تخشى من وجود عراق قوي.