السلطات العراقية صادقت خلال السنوات الأخيرة على أكثر من 340 حكم إعدام بصفة قطعية، فيما تستمر في المصادقة على أحكام مماثلة وسط قلق من قبل المنظمات الحقوقية بسبب عدم توفر ضمانات لمحاكمات عادلة.
بغداد - أعربت منظمات حقوقية عن خشيتها أن تعطي الرئاسة العراقية الضوء الأخضر لتنفيذ سلسلة إعدامات كرد فعل انتقامي بعد التفجيرين الانتحاريين الداميين في بغداد.
وتم الإثنين تنفيذ حكم الإعدام شنقا بحق ثلاثة عراقيين أدينوا بـ"الارهاب"، وفق ما أفاد مصدر أمني لوكالة فرانس برس.
ويؤكد تنفيذ هذه الأحكام في سجن الناصرية المركزي (جنوب) الذي يضم جميع المحكومين بالإعدام في العراق، مخاوف المدافعين عن حقوق الانسان الذين يخشون تصاعد وتيرة الإعدامات بعدما أعلن مسؤول المصادقة على أكثر من 340 حكما.
وقُتل 32 شخصا وأصيب 110 آخرون في تفجيرين انتحاريين وقعا في وسط بغداد الخميس تبناهما تنظيم الدولة الإسلامية وأوقعا أكبر عدد من الضحايا في العاصمة العراقية منذ ثلاث سنوات.
وأعلن مسؤول في رئاسة الجمهورية أن الأخيرة "صادقت على أكثر من 340 حكم إعدام صادرا من المحاكم العراقية المختصة مكتسبة الدرجة القطعية وفي قضايا مختلفة إرهابية وجنائية وأصدرت المراسيم الجمهورية وفقا للدستور والقانون".
وأضاف "لا تزال الرئاسة مستمرة في المصادقة على الأحكام الواردة إليها تباعا وفقا للسياقات المتبعة وتتعامل مع هذا الملف بتوخي الدقة والحذر بعيدا عن أي اعتبارات أخرى".
وبحسب المسؤول فإن غالبية الأحكام صدرت في فترة الرئيس السابق فؤاد معصوم وبينها عدد قليل خلال فترة الرئيس برهم صالح الذي يعارض عقوبة الإعدام.
ولم يشأ المسؤول ومثله مصادر قضائية إعطاء مزيد من التفاصيل بخصوص موعد التنفيذ أو إذا كان بين المحكومين مدانون أجانب في قضايا تتعلق بانتمائهم الى تنظيم الدولة الإسلامية.
النظام العراقي محاصر بين دعوات الانتقام ومنظومة غير قادرة على كبح الإرهاب
أداة سياسيةوقالت بلقيس والي الباحثة المتخصصة في العراق لدى منظمة 'هيومن رايتس ووتش' لوكالة فرانس برس، إن إعلان هذه الأوامر دليل على أن "عقوبة الإعدام أداة سياسية".
وأوضحت أن "القادة يستخدمون هذا النوع من الإعلانات ليقولوا للناس، إنهم يعملون من أجلهم، من دون الالتفات إلى حقيقة العيوب التي تشوب المحاكمات".
وتعد المصادقة على أحكام الإعدام أمرا معتادا في العراق بعد وقوع مثل تلك الهجمات. وكان قد نفذ مئة حكم إعدام شنقا خلال العام 2019 وحده.
والعام 2018 وجه رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي ضربة قوية تمثلت بإعدام 13 جهادياً. وتعمد نشر صور شنقهم للمرة الأولى من أجل احتواء الانتقادات التي تعرض لها إثر اغتيال ثمانية مدنيين على يد تنظيم الدولة الإسلامية.
ورأى عضو مفوضية حقوق الإنسان الحكومية في العراق علي البياتي أن حكومة بلاده محاصرة بين الرأي العام الذي يطالب بالانتقام والمنظومة السياسية والأمنية والقضائية غير القادرة على وقف هجمات الجهاديين، وفي النتيجة "أصبح العراق أمام خيارات محدودة" فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
وأوضح البياتي الذي يعد أحد أبرز المنادين بحقوق الإنسان في العراق، أن "حكم الإعدام جزء من المنظومة القانونية العراقية إذ ليست لدينا مراكز تأهيل حقيقية مثل الدول الديمقراطية التي تهتم بحقوق الإنسان والسجناء، وخصوصا الإرهابيين الذين يحولون السجون مراكز تجنيد للآخرين".
وأكد البياتي وجود "خلل لجهة عدم توافر ضمانات واضحة وشفافية حقيقية في التحقيق وجلسات الحكم وعدم السماح لمنظمات حقوق الانسان بأداء دورها".
إجراء تعسفيوتعتبر المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليه أن العراق يشهد "انتهاكات متكررة للحق في محاكمة عادلة وتمثيل قانوني فعال، مع اتهامات بالتعذيب وسوء المعاملة"، الأمر الذي يجعل عقوبة الإعدام "إجراء حكوميا تعسفيا بالحرمان من الحياة".
وأبدت الأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 قلقها بعد إعدام السلطات العراقية 21 محكوما دين معظمهم بتهمة "الإرهاب"، ومذاك، لم يتم الإعلان رسميا عن تنفيذ أي أحكام إعدام.
وعلمت بتنفيذ حوالى ثلاثين حكم إعدام خلال العام 2020، ما جعل العراق يحتل المرتبة الرابعة بين الدول الأكثر تنفيذا لعقوبة الإعدام في العالم، بعد الصين وإيران والسعودية، وفقا لمنظمة العفو الدولية.
وأصدرت المحاكم العراقية خلال السنوات الماضية مئات أحكام الإعدام والسجن مدى الحياة طبقا لقانون البلاد الذي يعاقب حتى بالإعدام كل من يلتحق بـ"جماعة إرهابية"، سواء قاتل في صفوفها أو لم يقاتل.
ولم تنفذ بغداد حكم الإعدام في حق أي أجنبي دين بالانتماء إلى تنظيم الدولة الاسلامية، لكن 11 فرنسياً وبلجيكيا واحدا ينتظرون راهنا إعدامهم في العراق.