إقالة ومقاضاة رئيس الوزراء العراقي
منذ ساعة واحدة
الى قائمة ضحايا التفجيرات، بالعراق، أضيف يوم الخميس 21 يونيو/ كانون الثاني، 32 قتيلا، وأكثر من 110 جرحى. السبب: انتحاريان بحزامين ناسفين في سوق للملابس المستعملة، في ساحة الطيران، وسط بغداد.
ما الذي نعرفه عن الضحايا؟ إنهم باعة ملابس مستعملة ومشتروها. بينهم عمال يعرضون خدماتهم بأرخص الأسعار، وبسطات فقراء يبيعون ما لا يحتاجه المرء بأسعار لا تقيهم الجوع، إلا أنهم يثابرون على الجلوس في الساحة كبائعين حفاظا على كرامتهم، لئلا يتهمون بالاستجداء، باستثناء شابين هما علي وعمر، الضحايا أرقام بلا أسماء. اختزلت حياتهم إلى أرقام ستضاف، ان وجد من يوثق، الى قوائم ضحايا آخرين في ساحة الطيران، التي شهدت تفجيرات سابقة في عام 2018 و تشرين الثاني / نوفمبر 2019 والى بقية الضحايا في ارجاء العاصمة ومدن العراق الأخرى، والذين يزيد عددهم على المليون منذ عام 2003 ثمنا للتغيير او التحرير او سقوط بغداد. ليست هناك صحافة استقصائية مستقلة تتابع حياة الضحايا وتنشر تفاصيلها لتترسخ بالذاكرة. الصحافيون أنفسهم ضحايا جرائم من نوع آخر.
ما الذي نعرفه عن الانتحاريين؟ باستثناء التفجير المرعب واستخدامهما جسديهما المفخخين لنشر الموت، لا شيء تقريبا. وان كان هناك عدو جاهز واشاعات ونظريات مؤامرة يساعد على انتشارها عدم الثقة بالتصرحات الأمنية والحكومية. فبعد ساعة من المجزرة، وقف مسؤول امني، في الساحة، امام عدسات التصوير، قائلا : « نفذ التفجير انتحاريان. ربما… بالتأكيد داعش». بلا تحقيق أو جمع للأدلة أو إحاطة المكان بما يمنع تلويث الأدلة أو دوس بقايا الضحايا المتناثرة في ارجاء المكان. وبسرعة مذهلة، وصل الساحة فريق من عمال تنظيف الشوارع، نظفوا الأرضية بشكل لم تعرفه الساحة من قبل، وبدلا من انتظار وصول فريق التحقيق، غسلت الساحة من دماء وأشلاء الضحايا المختلطة ببقايا الانتحاريين، بلا دليل مادي وعلمي يماثل عمليات التمشيط التي تقوم بها اجهزة الشرطة والأمن في ارجاء الكون للتعرف على هوية المجرمين، بدأ المسؤولون « الأمنيون» ببث تصريحات صار الشعب العراقي يحفظها عن ظهر قلب. تصريحات جاهزة تتماشى مع أجندة الجهات المصدرة لها سياسيا وإعلاميا. ففي تصريح خاص لقناة «الحرة» المؤسسة من قبل السي آي أي، ومقرها واشنطن، قال المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة اللواء تحسين الخفاجي، وهو إن «تنظيم داعش هو المسؤول عن التفجيرين الانتحاريين اللذين وقعا في بغداد اليوم» مضيفا أن «الأجهزة الأمنية مستمرة في ملاحقة الجناة ومن قدم العون لهم وساعدهم» وهو ما تريد الادارة الأمريكية، أو مقررو سياستها الراهنون، سماعه تبريرا لاستمرارية عملياتها الخاصة تحت شعار «محاربة الإرهاب».
ما صرح به اللواء الخفاجي هو انعكاس لتصريحات مصطفى الكاظمي والاجراءات التي أعلن عن نيته اتخاذها، باعتباره رئيسا للوزراء والقائد العام لقوات المسلحة. وهي تصريحات بحاجة الى التمحيص لتبيان مدى صدقها وفاعليتها. حيث ترأس الكاظمي اجتماعا لقادة الأجهزة الأمنية والاستخبارية « لمناقشة الهجوم وعواقبه» وأمر بتشكيل لجنة تحقيق، أضيفت، كالعادة، الى مئات لجان التحقيق التي شكلت، سابقا، ودفنت في مخازن الفساد. كما أمر بإجراء تغييرات في «مفاصل الأجهزة الأمنية المسؤولة عن حادث ساحة الطيران». وهو اجراء، يبدو مشجعا ظاهريا، الى أن يتبين بأنه، في حقيقته، لعبة كراس موسيقية.
- اقتباس :
حكومة فاشلة، بلا مصداقية، مكونة من ميليشيات وعصابات بواجهات حزبية تتغذى على الفساد والعنف والجريمة والفقر والأمية والبنية التحتية المتداعية
اذ تم تدوير نفس الأشخاص في مناصب مغايرة بلا مساءلة أو محاسبة على إهمال وظيفي قاتل. ثم ما الذي يعنيه بوصفه المجزرة بأنها « حادث في ساحة الطيران»؟ كيف يمكن وصف قتل 32 شخصا وجرح 110 بأنه « حادث»؟ اليست هذه لغة المحتل التي طالما وصف بها جرائمه وانتهاكاته ومنهجية قتله للعراقيين بأنها « حادث»؟
ولا يتوقف الكاظمي في تصريحاته عند ذلك بل يسترسل بلغة اراد منها طمأنة أمريكا في « الحرب على الإرهاب» وخلق حالة من عدم الاستقرار التي تستدعي التدخل الخارجي، قائلا: «أن معركتنا ضد الإرهاب مستمرة وطويلة الأمد، وأنه لا تراجع ولا تهاون في محاربته». أما وعوده للاستهلاك المحلي فقد جاءت مضخمة بادعاءات السيطرة وامتلاك القوة والقدرة على الانجاز، بقوله « لقد وضعنا كل إمكانات الدولة وجهود قطاعاتنا الأمنية والاستخبارية، في حالة استنفار قصوى، للاقتصاص من المخططين لهذا الهجوم الجبان وكل داعم لهم وسنقوم بواجبنا لتصحيح أي حالة تهاون أو تراخٍ أو ضعف في صفوف القوات الأمنية» ملمحا بأنه يقف الى جانب الشعب في سعيه إلى « انتخابات نزيهة وعادلة». وهو فخ سقط فيه عديد المحللين السياسيين، حين اعتبروا ان مجزرة ساحة الطيران، محاولة أرهابية لاعاقة سيرورة الانتخابات التي ستجري في اكتوبر القادم، وليست، كما هو معروف، من سردية التفجيرات السابقة والحالية المتتالية، واحدة من أوجه الصراع الأمريكي الإيراني الإرهابي وامتدادتها في عصابات الجريمة المنظمة، في تسقيط بعضها البعض، وهو الحال الذي يعيشه العراق منذ غزوه عام 2003، ولن تكون المجزرة الحالية آخرها.
ولنعد الى شهر تموز/ يوليو الماضي، لتمحيص صدق تصريحات وانجازات الكاظمي ووعوده المبذولة، حين تسارعت حملة اغتيال الناشطين، خاصة اغتيال المحلل السياسي المعروف هشام الهاشمي الذي صورت كاميرات المراقبة تفاصيل اغتياله ونشرتها اجهزة الإعلام محليا ودوليا. أيامها، صرح الكاظمي، في 7 تموز/ يوليو، بأنه « لن ينام قبل أن يخضع قتلة الهاشمي للقضاء بما ارتكبوا من جرائم» متوعدا « من تورّط بالدم العراقي سيواجه العدالة ولن نسمح بالفوضى وسياسة المافيا أبدا… ولن نسمح لأحد أن يحول العراق إلى دولة للعصابات» معلنا تحمله المسؤولية «إننا مسؤولون والإجابة الوحيدة التي يتقبلها منا الشعب هي الإنجاز والإنجاز فقط» وأن الدولة هي المرشد والمعيار وقانون الدولة السقف ولا أحد فوق القانون. وكما فعل منذ أيام أمر بتشكيل هيئة تحقيقية قضائية وإعفاء القائد الأمني المسؤول عن منطقة اغتيال الهاشمي، من منصبه وأحاله للتحقيق. وكانت النتيجة؟ لاشيء. لم يتم الإعلان عن نتيجة اية تحقيق كما لم يتم اعتقال المجرمين. وسجلت الجريمة، كما الآلاف من قبلها، ضد « جهات مسلحة».
إن توثيق تصريحات الكاظمي وادعاءاته، خاصة التي يعلن فيها مسؤوليته أمام الشعب، كرئيس للوزراء وقائد للقوات المسلحة، وفشله المستمر، في تحقيق وعوده وواجباته، وأهمها مسؤوليته في حماية أمن المواطنين وتنفيذ القانون وتحقيق العدالة والاستقرار الاقتصادي والسياسي، ضروري ومن واجب اجهزة الإعلام المستقلة والعاملين في المجالات الحقوقية والأحزاب الوطنية تقديم الحكومة كما هي: حكومة فاشلة، بلا مصداقية، مكونة من ميليشيات وعصابات بواجهات حزبية تتغذى على الفساد والعنف والجريمة والفقر والأمية والبنية التحتية المتداعية، مما يستدعي وجوب إقالة الكاظمي وتقديمه الى القضاء. ولدينا في اقالة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب، بتهمة تكاد تكون مضحكة بالمقارنة مع فشل الكاظمي، في القيام بمسؤوليته، ودوره في استمرارية حصانة المجرمين من العقاب، درس يستحق التقليد.
كاتبة من العراق