الأربعاء 13 جمادي الثاني 1442 هـ - 27 يناير 2021
هكذا مات هؤلاء العلماء جوعاً لضمان مستقبل البشرية
جنود سوفييت قرب مدينة لينينغراد [size=60]هكذا مات هؤلاء العلماء جوعاً لضمان مستقبل البشرية[/size]
تابع
[size=31]تونس – طه عبد الناصر رمضان [/size]
نشر في: 11 يناير ,2019: 10:55 ص GSTآخر تحديث: 20 مايو ,2020: 11:49 ص GST
قبل اندلاع الثورة البلشفية وقيام الاتحاد السوفيتي، لعبت مدينة لينينغراد (Leningrad) التي حملت حينها اسم سانت بطرسبرغ (St. Petersburg) وبيتروغراد (Petrograd) دورا هاما في اتخاذ القرار السياسي الروسي، فإضافة لاحتوائها على أحد أهم الموانئ وتركز الصناعة بها اعتبرت هذه المدينة حينها عاصمة للإمبراطورية الروسية. ومع نهاية القيصر نيقولا الثاني (Nicholas II) وانهيار الإمبراطورية وقيام الاتحاد السوفيتي، نقل المسؤولون الجدد العاصمة نحو موسكو وأقدموا على تغيير اسم العاصمة السابقة لتصبح لينينغراد نسبة للقائد السوفيتي فلاديمير لينين (Vladimir lenin).
وخلال فترة الحرب العالمية الثانية، كانت مدينة لينينغراد مسرحا لواحد من أطول أنواع الحصار على مر التاريخ البشري، فمنذ شهر أيلول/سبتمبر سنة 1941 فرضت الجيوش الألمانية حصارا خانقا على المدينة استمر لأكثر من سنتين وأربعة أشهر وأسفر عن سقوط ما لا يقل عن 3 ملايين ضحية كان من ضمنهم ما لا يقل عن مليون قتيل. فأثناء الحملة على الاتحاد السوفيتي، سعى أدولف هتلر (Adolf Hitler) لتدمير مدينة لينينغراد ودكّها بالأرض لرمزيتها، حيث تحمل الأخيرة اسم مؤسس الاتحاد السوفيتي.
6 صور صورة للقيصر الروسي نيقولا الثاني ولم يبالِ القائد النازي بالمدنيين مفضلا التخلص منهم بدل أسرهم وتوفير الطعام لهم.
كما احتوت مدينة لينينغراد على واحد من أهم المخابر الغذائية في العالم والذي لم يكن سوى معهد الصناعات النباتية (Institute of Plant Industry) والمعروف بمعهد فافيلوف (Vavilov Institute).
ومنذ تأسيس هذا المعهد خلال عشرينيات القرن الماضي، اتجه عالم النباتات والوراثة السوفيتي نيقولاي فافيلوف (Nikolai Vavilov) إلى جمع نحو 200 ألف من أجود وأفضل أنواع بذور النباتات في العالم، ليتحول هذا المعهد بحلول عام 1941 إلى أكبر وأهم بنك بذور على وجه الأرض.
ووجد داخل بنك البذور هذا ما يزيد عن 40 ألفا من بذور المحاصيل الغذائية التي سعى العالم السوفيتي فافيلوف من خلالها لإنهاء الأزمات الغذائية التي عانى منها الاتحاد السوفيتي سابقا عن طريق الحصول على محاصيل وفيرة.
خلال شهر تموز/يوليو سنة 1941، أي قبل شهرين فقط من بداية حصار لينينغراد، حصل عالم النباتات السوفيتي نيقولاي فافيلوف على حكم بالإعدام، وسرعان ما تم تخفيفه إلى 20 سنة سجنا بمراكز العمل القسري المعروفة بالغولاغ (Gulag) بسبب إيمانه بنظرية الوراثة المندلية (Mendelian inheritance) ورفضه للمفاهيم الليسنكووية (Lysenkoism) الخاطئة التي جاء بها نظيره السوفيتي تروفيم ليسينكو (Trofim Lysenko) المدعوم من النظام الستاليني والتي رفضت الاعتراف بعلم الوراثة والجينات وقواعد المندلية.
6 صور صورة لمضادات الطائرات السوفيتية أثناء تصديها للقصف الألماني وبسبب ذلك، لم يتردد القائد السوفيتي جوزيف ستالين (Joseph Stalin) في تسليط أقسى أنواع العقوبات على العالم نيقولاي فافيلوف الذي مات جوعا سنة 1943 بمراكز العمل القسري.
ومع بداية الحصار الألماني خلال شهر أيلول/سبتمبر سنة 1941، عاشت مدينة لينينغراد على وقع تفشي المجاعة، فخلال الأشهر الأولى سجّل عدد الوفيات بسبب الجوع ارتفاعا سريعا.
وعمد الأهالي لأكل لحم جثث الموتى. واتجه بعض الأفراد للقتل للتغذي على جثث ضحاياهم، الأمر الذي أثار قلق الشرطة السرية السوفيتية بالمدينة والتي لم تتردد في القبض على القتلة لإعدامهم وتوزيع لحمهم على بقية الأهالي.
خلال تلك الفترة، اتجه تلاميذ عالم النباتات السوفيتي نيقولاي فافيلوف بمعهد الصناعات النباتية إلى إخفاء البذور، والتي تعد من أجود أنواع البذور في العالم بمراكز التبريد داخل المعهد، حيث فضّل هؤلاء الحفاظ على هذه البذور لاعتمادها في تحسين الإنتاج الزراعي والمحاصيل السوفيتية بعد الحرب بدل تقديمها لأهالي المدينة الجائعين وإهدار أبحاث استمرت لعقود.
وواجه العلماء السوفييت بمعهد فافيلوف مشكلة بسبب الطقس البارد، الذي كان قادرا على إفساد البطاطس، فما كان منهم إلا أن أقدموا على جمع كمية من الخشب من أرجاء لينينغراد المدمرة بسبب القصف الألماني، لإشعاله داخل المعهد وخلق مكان دافئ حفاظا على البطاطس.
وعلى الرغم من توفّر كمية كبيرة من البذور تكفيهم لأعوام، فضّل العلماء السوفييت بمعهد فافيلوف الحفاظ على هذه النوعية المميزة من البذور وعدم أكلها ليقدموا بدلا من ذلك على السهر فترات طويلة لحمايتها من الفئران.
بعد نحو 872 يوما من الحصار، تمكن الجيش السوفيتي من طرد الألمان واستعاد السيطرة على المنطقة.
وخلال فترة الحصار على لينينغراد، توفي ما لا يقل عن 9 أفراد من هؤلاء العلماء بسبب الجوع، حيث آمن هؤلاء أن المستقبل الغذائي للاتحاد السوفيتي والعالم أهم من حياتهم.
وخلال العقود التالية، استخدمت هذه البذور التي تم إنقاذها لتحسين المحاصيل الزراعية بالاتحاد السوفيتي والعديد من الدول الأخرى وضمان استمرار تواجد العديد من النباتات.