جرائم مروعة ضحاياها أطفال ونساء .. العنف يهدد العائلة العراقية
خلال أقل من 48 ساعة سجلت الشرطة العراقية ثلاثة حوادث عنيفة للغاية ارتكبها أشخاص بحق أفراد أسرهم، ففي محافظة ميسان قتل أولاده الثلاثة "شنقا"، فيما أحرق آخر والده وهو نائم.
في حادثة الابن الذي رش والده بمادة حارقة على ملابسه وأشعل فيه النيران، تمكن الجيران من التدخل بعد سماع أصوات صياح العائلة من إطفاء النيران ونقل الأب إلى المستشفى.
لكن حادثة الأطفال الثلاثة (صبيان في التاسعة والثامنة وفتاة في الخامسة) كانت أكثر مأساوية، حيث قضوا على يد أبيهم، الذي قالت الشرطة في المحافظة في بيان إنه "اعترف بتعاطي المخدرات"، وأنه قتل أولاده بعد "خلافات عائلية مع زوجته".
ونشر مدونون صورا للأطفال الثلاثة المتوفين، لكن موقع "الحرة" يتحفظ على نشرها بسبب بشاعة المنظر.
وفي نفس اليوم، سجلت محافظة بغداد حادث إطلاق نار، حيث استهدف شخص شقيقته، بعد "خلافات عائلية" أيضا.
ويقول الطبيب النفسي العراقي، مؤيد سدير، إن "قيام الأب في ميسان بجريمة معقدة التفاصيل شملت التحضير وعقد الحبال ومشاهدة الأطفال يلفظون أنفاسهم الأخيرة لا يمكن أن تكون فقط جريمة تحت تأثير المخدرات أو جراءها".
ويعتقد سدير لـ "موقع الحرة" أن "الجرائم المشابهة تحدث بعد تراكم للأزمات النفسية يجعل الفاعل أقل تأثرا بالمشاعر الطبيعية، التي تمنع مثل هذه الجرائم، مثل الشفقة والرحمة"،وأضاف أنه "قد تكون المخدرات عاملا مساعدا، لكن النوايا والتخطيط وخاصة الهرب بعد التنفيذ يشير إلى وجود درجة من الوعي والتصميم" على ارتكاب الجريمة.
وبحسب سدير، إن "الجرائم الأخرى قد تكون نتيجة غضب آني، لكن كلما ازدادت التحضيرات للجريمة، فإن هذا يعني عادة وجود تصميم وتخطيط مسبق".
التأثيرات النفسية
ويعزو باحثون اجتماعيون عراقيون تزايد نسب العنف الأسري في البلاد إلى "انعكاسات الحروب نفسيا على أفراد المجتمع".
ويقول الباحث الاجتماعي، محمد شكر الشاكر، لـ "موقع الحرة" إن "مشاركة الفرد في القتال لمدة طويلة تنعكس سلبا على سلوكه"، مضيفا أن "نسبة الأشخاص الذين لم يكملوا التعليم في العراق كبيرة جدا، إذ ينشأ هذا الشخص ويكون أسرة وهو لا يعرف أساسيات حقوق الإنسان وحقوق الطفل، وكيفية التصرف مع العائلة والحفاظ عليها".
ويعزو الشاكر زيادة الجرائم أيضا إلى أن "القوانين والتشريعات تقف بجانب رب الأسرة عند ارتكابه جريمة يقف المجتمع أيضا معه عنده ارتكابه أي جريمة وتبويبها ضمن جرائم الشرف مما سبب هرب الكثيرين من العقاب".
وتقول الأكاديمية والباحثة في الشأن الاجتماعي ندى العابدي إن "انحدار القيم الإنسانية والنظم الأخلاقية نتيجة الفقر والبطالة والحروب تنعكس سلبيا على البيئة الاجتماعية".
وأضافت أنه إذا ما وجدت هذه البيئة انحسارا في الفرص وانعداما في المساواة والعدالة الاجتماعية وعدم وجود تعليم جيد وخدمات متطورة تحترم إنسانية البشر، ستنعكس هذه الظروف على السلوكيات".
وحذرت العابدي في حديث لـ "موقع الحرة" من "خروج الإنسان عن إنسانيته وتحوله إلى وحش كاسر"، نتيجة هذه الظروف التي تسبب حالة من الاكتئاب قد تتفاقم إلى كآبة مزمنة خاصة في ظل انعدام ثقافة العلاج النفسي والمؤسسات العلاجية.
وقالت العابدي إن كل هذه الظروف مع المخدرات والكحول والحالة العصبية، وزيادة الفقر، تسهم في ازدياد حالات العنف.
ويقول خبير السلوكيات، رياض محمد، لـ "موقع الحرة" إن "العنف العائلي يحظى بالاهتمام والتغطية لكونه حالة شاذة، لكن في الحقيقة أن الظروف التي مر بها العراق تسببت بزيادة العنف بصورة عامة".
وفيما لا توجد إحصاءات للعنف الأسري أو الجرائم العنيفة التي تسجلها السلطات العراقية فإن محمد يقول لـ "موقع الحرة" إن "مكتبه في منظمة تعنى بتسجيل ومعالجة العنف يسجل ارتفاعا ملحوظا في الجرائم العنيفة في البلاد".
ويؤكد محمد أن المجتمع العراقي "يعترف بالعنف كوسيلة للردع سواء داخل العائلة أو خارجها أو عنف الدولة أو العنف السياسي ولهذا فإن المشكلة معقدة في البلاد".
وبسبب الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والتركيبة الاجتماعية المعقدة من "الأعراف والأخلاقيات الداعمة للعنف" فإن "الحل لن يكون سهلا، حتى وإن حاولت الحكومة وضع حلول"، بحسب محمد الذي استدرك "فما بالك لو كانت الحكومة لا تحاول"؟.