ديمقراطية الشعب ام ديمقراطية الاحتلال
الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
ديمقراطية الشعب ام ديمقراطية الاحتلال
مثل غياب أكذوبة وجود أسلحة الدمار الشامل، ملازمة جنبا إلى جنب مع انعدام الاستقرار وتزايد العنف بعد احتلال العراق، قد تسبب بإقناع الاغلبية العظمى من الرأي العام العالمي المهتمين بالوضع العراقي بأن احتلال العراق كان جريمة عظمى، وأن إعادة إعمار العراق مجرد فرية، لذا غيرت الدعاية الامريكية المتصهينه افواه مدافعها صوب اكذوبة اخرى وهي الوعد بإحلال الديمقراطية في العراق ، على الرغم من أن الديمقراطية لم تكن من اسباب احتلال العراق بل كان السبب المعلن هو امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل.وعندما ايقن العالم بما فيهم دعاة العدوان على العراق عدم وجود أسلحة الدمار تحولت بوصلة دعاياتهم الى اكذوبة اخرى وهي جعل العراق واحة خضراء للديمقراطية في الشرق الاوسط ونموذجا لزرعها في دول المنطقة ضمن مشروعهم (الشرق الاوسط الجديد) سئ الصيت ورغم نجاح الادارات الامريكية المتعاقبة في تدمير دولة العراق وأسر واذلال شعبه وسرقة ثرواته الا ان ماخلفه الاحتلال من نتائج كارثية وانعكاسها على كل دول المنطقة باستثناء الكيان الصهيوني والنظام في طهران اصبحت تداعيات الاوضاع المتهالكة في العراق المحتل سببا لأرق صناع القرار في امريكا واصبح واضحا ان الاحتلال لم يكن مجرد خطأً فقط بل كانت جريمة اخلاقية بكل المواصفات .
ومع كل اخفاقات السياسات الامريكية في العراق المحتل ولانها اصبحت وصمة عار في تاريخ الولايات المتحدة الاسود لاحظنا ان المسؤلين الامريكان كانوا يتجاهلون عن عمد مايحصل في العراق ناهيك عن تراجع متعمد لاهتمام وسائل الاعلام بقضيته وللتخلص من هذا الاخفاق والاحراج ولطي صفحته تشبثت الخارجية الامريكية بمسرحية تطبيق الديمقراطية المزعومة في العراق دون وجود تصورات فكرية وقناعات حقيقية في تنفيذها،ونتيجة لذلك كان السعي الى الديمقراطية سعيا فاشلا بأمتياز .
إن ابرزمؤشرات العراق بعد احتلاله هما العنف والفساد، وفشل الديمقراطية، وانخفاض المستوى المعاشي للغالبية المطلقة من العراقيين، وهذه الاخفاقات كافية لرسم صور الفشل الواضحة لعملية إحلال الديمقراطية في العراق،
وبروز ظاهرتي الفساد والعنف كمدخلين لم يكونا مألوفين في العراق قبل عام 2003 بل ارتبطا بالظروف التي فرضتها تداعيات الاحتلال الامريكي الغربي الفارسي للعراق.
لا احد يدعي ان العراق كان يعيش في بحبوحة اقتصادية أو علم وردي لاسيما فترة الحصار الاقتصادي غير المسبوق على العراقيين ولكن على أقل تقدير كانت هناك بعض المرتكزات القيمية والاخلاقية التي رافقت التكوين الانساني لاغلب الشعب العراقي وكانت هناك دولة تحمي المواطن وينام فيها ملأ جفونه وهو مطمئن على حياته وحياة عائلته وكان الفساد ان وجد فأنه لا يعدو ان يكون ممارسة ضآلة لنفر محدود منبوذين وان ثبتت عليهم هذه الجريمة فأن عقابهم من قبل القضاء كان قاسيا جدا وكذا الحال كانت اجهزة الدولة فعالة ضد من يؤرق راحة المواطنيين فلا تمر 72 ساعة الا ويتم القاء القبض على من يرتكب اية جريمة بحق المواطنين.
إن التفسيرات المبسطة للفشل السياسي والاقتصادي والقانوني والمؤسسي في العراق المحتل أدت إلى تكوين نتائج خاطئة لما وصل إليه العراق اليوم، رغم ان الذي حصل في العراق وما سيحصل هو أمر طبيعي يستند إلى التوقعات المبنية على ان المقدمات الخاطئة ستقود حتما الى نتائج خاطئة.
ان الامريكين وحلفائهم يدركون تماما ان بناء أي نظام ديمقراطي يستلزم وجود دولة فيها نظام سياسي مستقر، لنأخذ ودستور حقيقي وبيئة من حريات التعبير البعيدة عن قمع السلطة والسلطة بيد الشعب وهو مصدر الشرعية الوحيد لوجودها والبرلمان يجب ان يجسد ارادة ورغبات ومصالح الشعب لا فئة ضاله بعيدة عنه، والتنافس بين الاحزاب يجب ان ينحصر في خدمة المواطنين، فالعلاقة بين الديمقراطية والشعب علاقة وثيقة من خلال استقرار النظام السياسي، في حين عاش العراقيين منذ نيسان 2003 تجربة سوداء حافلة بالمآسي وهو محكمون وليس حاكمون عبر نظام قاصر حكمهم واذاقهم العذاب نظام يحارب العلم وينشر الامية والجهل والهرطة ويستعبدهم، والعراق الحالي تحكمه قوى ترتبط بالاجندات الخارجية، ولاتوجد هناك ارضية أونظام حكم مؤهل للقيام بأبسط مقومات العدالة والمساواة.
منذ عام 2003 تدعي ادارات الاحتلال وذيولها ان العراق اصبح بقدرة قادر نظام ديمقراطي بشكل مفاجئ وهذا النظام الديمقراطي الامريكي المزعوم لم يلزم ذيوله من دعاة السياسة البعيدين عن ابسط قواعدها ، بأن لا يحكموا بعقلية المعارض المجرم القاتل السارق الذي يغتصب السلطة لشلها ومسخ العملية السياسية، وان يبتعدوا عن ثقافة العبودية التي جعلت غالبية الناس تصمت عن المطالبة في حقهم الطبيعي في وطنهم العراق الذي لم ولن يستقر الا في التخلص من هذا النظام الفاسد وان يناضل لايجاد نظام سياسي حر وطني للعراق الحالي، ولايمكن بناء ديمقراطية مع هكذا نظام ظلامي طائفي فاسد.
ان فهم طبيعة الفشل الكبير في النموذج السياسي والاقتصادي في العراق، والعجز في تطبيق النموذج الديمقراطي المزعوم ، الذي استنزف امكانيات الدولة العراقية وقتل ٢ مليون عراقي وحرم المواطن العراقي من الخدمات واشاع الفقر هم العصابات ومليشياتهم دون غيرهم، فالاحزاب التي احتكرت السلطة لا تزال تفتقر للسياسات وللبرامج العلمية، والاقتصادية، والسياسية، ولاتملك أي مشروع سياسي ناهيك عن الرفض الشعبي لهذا النظام السياسي الذي يقوده متطفلي الاحزاب الذين يقاومون بالسلاح رغبة الشعب العراقي لايجاد بديل افضل الامر الذي دفع السلطات الفاسدة لقتل كل من يرفع لواء التغيير السلمي، ومنذ نيسان 2003 وميزانيات العراق مستباحة (وصلت الميزانيات اكثر من 1500 مليار دولار امريكي) والتي حجبت عن الشعب باكمله فغاب مبدأ التوزيع العادل للثروات، وانتشرت ظاهرة التمييز الاجتماعي، والطبقي، والعرقي، وتم الابتعاد عن تطبيق معايير الكفاءة والمنافسة النزيهة في توزيع السلطة في شغل الوظائف العامة والخاصة، مما حرم الفئات المختلفة في المجتمع العراقي من المشاركة في العملية السياسية والاقتصادية.
لذلك اتسمت الحياة السياسية التي تقودها القوى الفاسدة بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، باستنزاف الموارد المادية وبروز ظاهرة العمليات الارهابية المنظمة وتدمير وتحطيم قدرات البلد وترسيخ المحاصصة وشرعنة الارهاب ، لذلك لايمكن لهؤلاء الساسة ان يلتزموا بأسس بناء نظام ديمقراطي في العراق يضمن التداول السلمي للسلطة، ويحمي الحقوق، ويرسخ دولة المواطن، حيث شكل استبداد قادة الأحزاب الدينية كواحده من أخطر ظواهر الاستبداد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في تاريخ العراق المعاصر، فهم يحكمون البلد بعقلية المعارضة المريضة بهوس الانتقام والثأر وهذا ما طبع ردود افعالهم باستخدام كل انواع البطش والقوه المفرطة ضد ثورة الجماهير المليونية التي خرجت عن بكرة ابيها من شمال العراق حتى جنوبه ومن شرقه الى غربه في مشهد ابهر شعوب العالم شعب يثور رغم كل همجية وشراسه النظام السياسي .
تعبر الديمقراطية عن وجودها عبر دولة النظام والدستورالسليم، دولة التنوع بين المؤسسات والوظائف التي تؤديها في المجتمع، وهي أيضا تعكس ثقافة وحضارة شعب العراق، وإن أحد محددات ازدهار المؤسسات الديمقراطية هو المضمون الفكري والثقافي للمجتمع الديمقراطي، فبدون وجود ثقافة التعددية السياسية واحترام الخصوصية والتنافس وضمان تطبيق العدالة لايمكن ان يتحقق شئ.
ان تحقيق الأمن المجتمعي يرتبط بالتحديث الشامل للبنى الاقتصادية، والنهوض بالصناعات الوطنية، وتشجيع الإنتاج الزراعي، ودعم المشاريع العمرانية الكبرى، جنباً إلى جنب مع تشجيع المشاريع المتوسطة والصغيرة .
لايمكن للعراق ان ينهض ولا ان تتحسن سمعته الا بتغيير النظام فيه العراق وان كذب الساسة وتقاعسهم وكثرة الاغبياء والسذج ممن يدعون الثقافة والمعرفة بينما ان مهمة بعضهم التهريج ودعم القتلة واصبحوا استئصاليين ضد ابناء الشعب الذين يدعون كذبا انهم جاؤا لخدمته وهناك حقيقة لابد من الاقرار بها وهي ان نجاح الديمقراطية بالعراق يعني نهاية السلطة القائمة في العراق المحتل وهذه الحقيقة يبدو ان الامريكيين لم يقتنعوا بها لحد الان او ان مصلحتهم تقتضي استمرار هذا النزيف الدموي الاقتصادي في العراق .