أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)هود.
قال الله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 2- 3]
قد روي عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لو أخذ الناس كلهم بهذه الآية لكفتهم"، وقوله: {مَخْرَجًا} عن بعض السلف: أي من كل ما ضاق علي الناس، وهذه الآية مطابقة لقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5].
وإذا كان هذا هو حالُ “أمرِ الله”، تعالياً وتسلُّطاً على قوانينِ الوجودِ وأسبابِه، فإنَّ “تأخُّرَ أمرِ الله” لا يعني على الإطلاق أنَّ هناك ما بمقدورِه أن “يؤخِّرَ” مجيءَ هذا الأمر! فاللهُ تعالى جعلَ أمرَه لا يجيءُ إلا بقدَرٍ مأجولٍ بأجَلٍ مسمى، و”تأخُّرُ” مجيءِ أمرِ الله لا يُعبِّر عن الحقيقة قدرَ ما يعبِّرُ عن هذا الذي هو عليه الإنسانُ من عجزٍ عن صياغةِ التصوُّرِ الأمثل لعلاقةِ اللهِ تعالى بالوجود؛ هذه العلاقة التي وحدَه اللهُ تعالى هو مَن بوسعِهِ أن يُحيطَ بتفاصيلِها كافة.
وهذا هو ما جاءتنا به سورةُ الطلاق في الآية الكريمة 3 منها: (إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا). فتسلُّطُ اللهِ تعالى على الوجودِ يُحتِّمُ ألا يكونَ بمقدورِ أي مخلوق على الإطلاق أن يحولَ دون بلوغِ اللهِ تعالى أمره، كما ويوجِبُ أيضاً ألا يكونَ بمقدورِ أي مخلوق على الإطلاق أن يُحدِّدَ “متى” يجيءُ أمرُ الله! فالأمرُ لله الذي هو بالغُ أمرِه، وأمرُ اللهِ لن يجيءَ إلا وفقاً لما سبقَ وأن قدَّرَه اللهُ فجعله الأجلَ الذي “إن حان” جاءَ أمرُه.
ولهذا وذاك كان اللهُ غالباً على أمره فلا أحدَ بمقدورِهِ أن يحولَ بالتالي دون نفاذِ أمرِه وتحقُّقِ مشيئتِه ومضاءِ إرادتِه: (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) (من 47 النساء)، (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورً) (من 38 الأحزاب)، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) (من 21 يوسف).
سبحان الله الواحد الأحد القادر الرحمن الرحيم.
لا يأس مع الإيمان بالله