تقاسم ما تكسبه مع عائلة فقيرة.. أم زمن أول سائقة أجرة في جنوبي العراق
أم زمن تشارك أيضا في مبادرات تطوعية لمساعدة العوائل المحتاجة.
الجزيرة/سعد ناظم- البصرة:كانت أولى خطواتها باتجاه عملها الجديد سائقة أجرة عن طريق إيصال أهلها وأقاربها إلى أماكن أعمالهم، ثم استعان بها جيرانها لإيصال بعض أطفالهم إلى مدارسهم، ليتجه عملها نحو الجدية والالتزام معهم مقابل أجور مالية.
رؤية امرأة تقود سيارة تخلو من الغرابة في بلد ألف قيادة المركبات من قبل النساء، ولكن الغرابة تكمن في رؤية امرأة تقود سيارة أجرة وتجوب شوارع مدينة البصرة جنوبي العراق طلبا للرزق في مهنة احتكرها عالم الرجال.
بدايات عملها
سيارة من نوع نيسان موديل 2019، عرفها أبناء المجتمع البصري بأنها تعود لسائقة أجرة، في حالة لم تألفها مناطق وسط وجنوبي العراق بسبب تركيبتها العشائرية المحافظة، ولم تشهد امرأة تمتهن سائقة أجرة سابقا في إشارة إيجابية إلى النساء الباحثات عن العمل، في ولوج عالم الكدح الذي قد يكون حكرا على مزاولة الرجال.
تقول أم زمن البالغة من العمر 50 عاما، وهي أول سائقة أجرة في محافظات وسط وجنوبي العراق، إن البداية كانت عام 2016 عندما اتصلت بها أختها طالبة منها إيصال إحدى رفيقاتها إلى أماكن التسوق في المدينة، مشيرة إلى أنها احترفت المهنة بعد ذلك خصوصا بعد ما علمت نساء المنطقة بالأمر وبدأت الاتصالات تنهال عليها لا سيما من الجيران لثقتهم بها، فاتفقوا معها لإيصال أبنائهم إلى مدارسهم، والحفاظ عليهم كعائلتها.
ويرى الزبون نعمة المالكي أنه "من الجيد أن نرى امرأة تعمل سائقة أجرة، وهذا يدل على الانفتاح وشعورها بالإيمان بعملها". وعن قبول المجتمع لتلك المهنة وزوال النظرة السلبية عن المرأة، يقول "إذا كانت هذه المهنة تحفظ كرامتها وشرفها في المجتمع ولا تسأل الناس، فلا مانع منها خصوصا ونحن نلاحظ أن مجتمعنا قد أعطى للمرأة حرية واستقلالا أكثر مما كانت عليه في السابق، على الرغم من أن مجتمعنا محافظ ومهتم بالتقاليد العشائرية".
مواجهة التنمر
خبرتها بالحياة وصعوبة الظروف التي مرت بها لم تجعل أم زمن تعير اهتماما بكلمات التنمر من بعض النساء، وهدفها في الحياة العيش بكرامة دون الاتكال على غيرها، تقول "بعض النساء يتنمرن علي ويستهزأن بعملي سائقة أجرة، لكن لم أهتم بكلامهن لأنهن لديهن من يعيلهن، وأنا أعيل نفسي، العمل وكرامتي لا يسمحان لي بأن يعيلني أحد، أعمل بشرف ليس بعملي إساءة لأي شخص"، كما واجهت التنمر من أحد أقاربها حيث "قال لي أحد اقاربي لن أركب مع امرأة تقود سيارة وأنا جالس بجانبها".
تستثمر أم زمن عملها مندوبة توصيل لأحد المطاعم، وتقول إن "الطموح جميل والتغيير أجمل، لا بد لكل فرد أن يسعى للاعتماد على نفسه، وأسعى لشراء سيارة أحدث لكي يكون العمل أفضل ولكي يشعر الركاب بالراحة".
متوسط دخلها اليومي يصل أحيانا إلى نحو 50 ألف دينار عراقي (35 دولارا)، وتتقاسم ما تكسبه من دخل يومي مع عائلة فقيرة ومتعففة تعيلها، كما تعمل على توزيع السلال الغذائية على العوائل المستحقة بمعونة الأيادي الخيرة.
أعداء النجاح
تقول سندس نعمة، وهي إحدى زبونات أم زمن، إن "رقي تعاملها واحترامها لنا بكل إنسانية يجعلنا نتمسك بها، والأهم من ذلك أنها امرأة مكافحة تحصل على لقمة عيشها من عرق جبينها دون مد يدها إلى غيرها".
وبخصوص ما تتعرض له من التنمر، تؤكد نعمة أن "النجاح الذي تحقق بعد صبر وجهود أم زمن، أزعج بعض النساء لأنها اعتمدت على نفسها، وهذه نقطة مهمة لكل النساء العاملات أن يكون لهن هدف مسبق من العمل، من أجل تحقيق مكسب مادي، كون التنمر ينطلق من النساء اللواتي لا يمتلكن الإرادة في تغيير وضعهن الاجتماعي".
وتحاول أم زمن إيصال رسالة لكل النساء من خلال مزجها بين العمل وفعل الخير وذلك لرفد المجتمع بنساء فاعلات ونشر القيم الإنسانية ومساعدة المحتاجين، وتضيف أم زمن "قطف ثمار العمل من عرق الجبين والتعاون مع الزبائن في تكوين صورة مشجعة لدخول الكثير من النساء في حقل المهنة، أو المهن الأخرى التي تعتمد على الخبرة والمهارة وإتقان التعامل مع الزبائن".
لا يقف طموح أم زمن عند حد معين، بل تخطط مستقبلا نحو توسيع عملها المهني، وتقديم الاستشارات الفنية للنساء الراغبات في فتح مشاريع عمل صغيرة، في محاولة منها للإسهام في زرع ثقة المرأة في عملها والاعتماد على نفسها. وتخلص أم زمن إلى أن "تقدم المجتمع يبدأ بالنهوض من واقع المرأة".