عودة روسيا إلى ساحة الطاقة العالمية
بقلم: لهب عطا عبد الوهاب/ اقتصادي عراقي متخصص في شؤون الطاقة
عودة روسيا إلى ساحة الطاقة العالمية
تحتل روسيا الاتحادية اليوم المرتبة الأولى عالميا من حيث الاحتياطي المؤكد من الغاز الطبيعي ، كما أن احتياطياتها من الفحم تضعها في المرتبة الثالثة عالميا بعد الولايات المتحدة والصين ، في حين تضعها احتياطياتها المؤكدة من النفط الخام في المرتبة الثامنة عالمية . وتعد روسيا أحد أهم المصدرين للنفط والغاز الطبيعي والذي كان لها دورا كبيرا في نموها الاقتصادي الذي خبرته خلال العقد الماضي في ظل الزيادة الكبيرة في انتاجها النفطي والارتفاع العالمي في الأسعار.
أولا : النفط الخام
وصلت الاحتياطيات النفطية المثبتة إلى أكثر من 87 مليار برميل في نهاية عام 2020 أو ما يعادل 5.2% من الاحتياطيات العالمية البالغة 1669 مليار ( 2020 BP Statistical Review of World Energy , June ) . أما العمر الافتراضي للنفط فيها ، أي نسبة الاحتياطي إلى الانتاج reserve - to - production ratio RP - فيصل إلى 22 عاما وفقا لمعدلات الإنتاج السائدة . وتتركز الغالبية العظمى من الموارد الهيدروكربونية في روسيا في غرب سیبیریا ، بين جبال الاورال وسهول سيبيريا الوسطى.
أما الانتاج النفطي فقد وصل إلى 10.280 ( مليون برميل يوميا ) ، ما يضعها في المرتبة الثانية عالميا بعد السعودية مباشرة .
يذكر أن الانتاج الروسي شهد تراجعا ملموسا في تسعينيات القرن الماضي إثر انهيار ما كان يعرف ب الاتحاد السوفيتي . إذ انخفض الإنتاج إلى 5 مليون برميل يوميا في عام 1995 نتيجة للفوضى الاقتصادية التي عمت روسيا إبان رئاسة بوريس بلتسن Yelstin والتي شهدت خصخصة العديد من الصناعات بما في ذلك الصناعة النفطية.
إلا أن إعادة الهيكلة التي شهدتها الصناعة النفطية بدءا من عام 1999 بعد استلام فلاديمير بوتين زمام الأمور أعطى زخما كبيرا للانتاج النفطي ، والذي عاد إلى مستوياته القياسية التي كانت سائدة في أواخر الثمانينات من القرن الماضي . في المقابل وصل الاستهلاك في ورسيا إلى 2.9 مليون برميل يوميا . أما الصادرات فقد وصلت إلى 7 مليون برميل يوميا منها 4 ملايين برميل يوميا من النفط الخام و 3 ملايين برميل من المنتجات البترولية .
و أن 81 % من إجمالي الصادرات ذات وجهة أوروبية ( وبشكل خاص ألمانيا وبولندا ) حيث يصل إجمالي وارداتهما من روسيا إلى أكثر من 1.2 مليون برميل يوميا . وأن حوالي 12 % من الإجمالي يصدر إلى آسيا ( وتحتل الصين المرتبة الأولى عند 300 ألف برميل يوميا ) وتمثل أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية ما نسبته 6 % من أجمالي الصادرات الروسية جلها تذهب للولايات المتحدة الأمريكية . و تتوزع نسبة 1 % المتبقية بين قارة أفريقيا والاقيانوس
( أستراليا ونيوزلندا ) .
ثانيا : القواعد المتبعة في تنظيم الصناعة النفطية .
شهدت الصناعة النفطية في روسيا إعادة هيكلة واسعة النطاق لاسيما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، اذ بدلا من التنظيم المركزي الناظم الشركات النفط والتي كانت تعمل وفقا لما يعرف بالتكامل الأفقي » أصبحت الشركات النفطية العاملة متكاملة عاموديا » ما منحها مرونة أكبر في العمل وفقا لأفضل ممارسات السوق السائدة ، والتي تحكم عمل الشركات النفطية الغربية العملاقة الناجحة .
إلا أن سياسات الخصخصة التي خبرتها روسيا في الفترة الانتقالية بين رئاستی بوريس يلتسن وفلادمير بوتين ، كانت لها تداعيات وخيمة ، اذ أفضت إلى بيع شركات نفطية بأبخس الأثمان وفقا لما يعرف ب (( القروض مقابل أسهم التملك ))وهي وسيلة اتبعتها الحكومة في حينه لتمويل العجز الكبير في موازنتها ، والتي مكنت رجل الأعمال Mikhail Khodorkovsky من شراء شركة Yukos الحكومية بمبلغ لا يزيد عن 300 مليون دولار والذي يقل عن قيمتها السوقية بأضعاف مضاعفه وقد تمكن Khodorkovsky من خلال امتلاكه للشركه المذكورة ، بالاضافة إلى توسعه في نطاق الأعمال ، إلى أن يتحول إلى أحد أهم الشخصيات الفاعلة والمؤثرة في روسيا . ولعل طموحه السياسي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ، اذ دفع جراءها ثمنا باهظا حيث اتهم بالتهرب من دفع الضرائب ، سجن على إثرها لسنوات طويلة.
إلا أن نقطة التحول الرئيسية في صناعة الطاقة ، جاءت مع استلام الرئيس بوتين لدفة القيادة في مطلع القرن الماضي ، إذ تم إعادة « تأميم « الصناعات النفطية . وتهيمن اليوم ثلاث شركات نفطية حكومية على الصناعات النفطية بدء من الاستكشاف والتنقيب إنتهاء بالإنتاج والتكرير . وهذه الشركات يمكن بيانها على النحو التالي :
* شركة Lukoil والتي تعد من أكبر الشركات النفطية الحكومية العاملة في روسيا اليوم .
* شركة Transneft وهي شركة مملوكة للدولة كذلك والتي تاخذ على عاتقها العمليات المتعلقة بتسويق النفط الروسي للخارج .
* شركة Rosneft وهي الشركة التي قامت بشراء غالبية موجودات شركة Yukos . إلى ذلك تجيز القوانين الروسية اليوم للشركات النفطية الاجنبية العمل في البلاد بالاشتراك مع شركات روسية ويتم ذلك من خلال التعاون مع شركة Rosneft الحكومية .
و من أبرز الشركات الأجنبية العاملة في روسيا حاليا هي شركة بي بي البريطانية بالاضافة إلى كل من شركتي آكسون موبيل وكونكو فيلبس الأمريكيتين اللتين لهما مشاريع مشتركة لتطوير حقول النفط في جزيرة ساخلين ( الواقعة شرق روسيا والمتنازع حول ملكيتها مع اليابان منذ الحرب العالمية الثانية ) .
ثالثا : الغاز الطبيعي تتمتع روسيا بالاحتياطي الأول عالميا من حيث الغاز الطبيعي المثبت ، تليها في الأهمية جمهورية إيران الإسلامية وقطر . ويصدر غالبية إنتاجها إلى دول أوروبا الغربية لاسيما ألمانيا وبولندا وكان للخلاف الروسي الأوكراني حول التسعير والذي تفجرت شرارته الأولى في يناير كانون الثاني 2007 دورا بليغا في العلاقات الجيوسياسية التي تربطها مع القارة العجوز ، إذ أدى هذا الخلاف إلى توقف الامدادات المارة إلى أوروبا ما أدى بالسلطات الروسية إلى التفكير جليا في انشاء خطوط أنابيب بديلة دون المرور بأوكرانيا . وتفصح الأزمة بين روسيا وأوكرانيا عن طبيعة المعضلات الجيوسياسية المستجدة ، في عصر ما بعد الحرب الباردة ، بين الشرق والغرب ، وهي توضح أن المشكلات القائمة يصعب حلها دون مقاربة متكاملة تأخذ في الحسبان الخلفيات السياسية والاقتصادية والاثنية.
خامسا : آفاق التعاون بين روسيا والدول الخليج العربية الأخرى
تلعب شركات الطاقة الروسية اليوم دورا لا يستهان به على صعيد خارطة الطاقة العالمية ، يعزز منها الارتفاع المضطرد في إنتاجها من النفط الخام والغاز الطبيعي . وقد أكتسبت شركات الطاقة الروسية لاسيما شرکتي لوك أويل وغاز بروم درجة عالية من التقانة والتقنية الفنية know how تضعها على مسافة واحدة من الشركات النفطية الكبرى
* العراق : بعد إعلان العراق عن جولتي التراخيص لزيادة الطاقة الإنتاجية ، كان لشركات النفط الروسية حضورا لافتا ، إذ فازت شركة لوك أويل بعطاء لتطوير الحقول النفطية العملاقة في البصرة ( حقول الرميلة والقرنة والزبير ) بالإضافة إلى تطوير حقلى الأحدب وبدرة في محافظة واسط ( الكوت ) . وهناك مفاوضات قطعت شوط كبيرة بين شركة غاز بروم والحكومة العراقية لتطوير الغاز الطبيعي ضمن جولات التراخيص التي أعلن عنها
* الكويت : باشرت دولة الكويت إستيراد الغاز البترولي المسال من روسيا بدء من صيف عام 2010 ، وذلك بعد فشل مفاوضاتها مع دولة قطر لاستيراد الغاز الطبيعي مؤخرا لوضع حد لحرق الغاز ( flared gas ) المصاحب لإنتاج النفط.
سادسا: روسيا و دول اوبك
تنسق روسيا مع دول اوبك في ما يعرف ب اوبك + والتي تضم دول اوبك ال 13 بالاضافة الى 10 دول نفطيه خارج اوبك على رأسها روسيا الاتحادية. وكان للتنسيق بين روسيا و السعودية دورا كبيرا في تعزيز الاسعار حيث يتداول مزيج خام برنت المرجعي اليوم عند اكثر من 70 دولار بالبرميل الواحد لاسيما مع خفض الانتاج في ظل جائحة كورونا و إنكماش الطلب العالمي على النفط.