كيف كان هجوم "المتطهرين" على احتفال عيد الربيع بمثابة تمهيد للتخلص من الأميركيين الأصليين؟
ت
عام 1637 قاتل المستوطنون الإنجليز المتشددون في أول حرب كبرى بين الأميركيين الأصليين والمستوطنين .
الجزيرة:مثّل تكريم الرومان القدماء لإلهة الزراعة سيريز بعروض ترفيهية في حلبة السيرك العظيم (Circus Maximus) بداية الاحتفال بقدوم شهر مايو/أيار الذي يتوج قدوم فصل الربيع بعد شتاء طويل، وفي أوروبا يُعرف العيد -الذي يحتفل به عادة في مطلع مايو/أيار- باسم عيد الربيع.
وفي تقرير نشره موقع "ذا كونفرزيشن" (The Conversation) الأسترالي قال الكاتب بيتر مانكال أستاذ العلوم الإنسانية بكلية الآداب والفنون والعلوم في جامعة جنوب كاليفورنيا إنه رغم اختلاف التقاليد حسب البلد والثقافة فإن مظاهر الاحتفال بعيد الربيع متشابهة، حيث غالبا ما ينصب المحتفلون "سارية مايو" ويزينونها بشرائط ملونة طويلة، ويكون الطعام والشراب جزءا من الأجواء الاحتفالية ليستمر المرح لساعات، وهذه الطقوس حاضرة اليوم في المتنزهات وفي حرم الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا.
وعلى مر التاريخ احتفل ملايين الناس بهذا العيد باستثناء المتطهرين "البيوريتانيين" (Puritan) في إنجلترا الحديثة، وكان من بينهم "الحجاج" المتدينون الذين قرروا في النهاية الهجرة إلى أميركا الشمالية لإنشاء مجتمعات جديدة وفقا لرؤيتهم الدينية، وأسهموا في نشأة أولى المستعمرات الأميركية.
من المغري أن ينسب عداء الحجاج لهذا العيد إلى الصورة النمطية المتشائمة والكئيبة المرتبطة بمذهبهم، وهي الصورة الشائعة عنهم في المصادر التاريخية والفنية، حيث يُعرفون بافتقارهم إلى روح الدعابة و"التقوى المفرطة"، وهي نفس الأسباب التي دفعتهم إلى حظر احتفالات عيد الميلاد.
لكن هجومهم على أحد الاحتفالات في مستعمرة بليموث (جنوب شرقي ماساشوستس) في عام 1628 يكشف الكثير عن موقفهم تجاه كل من لا يتوافق مع رؤيتهم للعالم.
مناسبة احتفالية أم "تجديف"؟
كان المحتفلون بهذا العيد يغنون ويرقصون في الكنيسة، مما يثير فزع القساوسة المتدينين، وكان المشاركون في هذه الطقوس دائما يجرون شجرة كبيرة يقتلعونها من غابة قريبة ليتم نصبها في وسط المدينة، وقد كانت رمزا لسلوكهم غير المتدين.
https://www.youtube.com/watch?v=7bn00rk_0oA
لكن بالنسبة للكثيرين كانت سارية مايو تمثل ببساطة مناسبة للاحتفال بصخب دون أن يكون وراء ذلك أي بعد ديني، وكان ملك إنجلترا وأيرلندا الملك جيمس (1603-1625) يعتقد أن إقامة مثل هذه السواري "لا تسبب أي ضرر"، وانتقد جهود البيوريتانيين لإلغاء العيد.
وبمجرد وصولهم إلى نيو إنغلاند كان البيوريتانيون يؤمنون بأنهم يجب أن يكونوا مثالا على السلوك المسيحي السوي، وتوجب على الجميع في مدنهم الالتزام بقواعدهم، وعاقبوا المستعمرين الذين كانت أفعالهم تقوض الممارسة الدينية المتدينة.
وبصفته الحاكم المستقبلي لمستعمرة خليج ماساشوستس يُزعم أن جون وينثروب (1588-1649) أعلن أن البيوريتانيين سيبنون "مدينة على جبل"، وادعى أن جميع أفعالهم ستكون مرئية للعالم بأسره بما في ذلك الرب، وأي خروج عن الطاعة الصارمة لما ورد في الكتاب المقدس يمكن أن يهدد مهمتهم بأكملها.
مورتون "سيد الرذيلة"
أسس الحجاج مجتمعهم في بليموث بمدينة وامبانواغ الواقعة في باتوكسيت في عام 1620، وفي السنوات التي تلت ذلك وصل مهاجرون إنجليز آخرون إلى المنطقة، ولم يتقيدوا بالعديد من التعاليم الصارمة للحجاج، وقد كان الدافع وراء قدومهم هو كسب المال من التجارة، وليس الهروب من الاضطهاد بسبب معتقداتهم (مثل الحجاج).
تحركت مجموعة صغيرة من هؤلاء المستعمرين على بعد كيلومترات شمال غرب بليموث، وأصبح المحامي توماس مورتون -الذي وصل إلى نيو إنغلاند ما بين 1624 و1625- في نهاية المطاف القائد غير الرسمي لهذا المعسكر الذي كان يعرف باسم "ماريماونت".
وفي عام 1628 -وبمباركة من مورتون- أقام المستعمرون "سارية مايو" بارتفاع 80 قدما، وتوجوها بقرون الغزلان استعدادا للاحتفال بعيد الربيع.
وأشار الكاتب إلى أن السارية لفتت على الفور انتباه سلطات بليموث مثلما فعلت تصرفات مورتون، وغنى المجتمعون في ماريماونت أغاني مبتذلة، ودعوا نساء سكان أميركا الأصليين للانضمام إليهم.
وفي هذا الصدد، كتب وليام برادفورد حاكم المستعمرة آنذاك أن المستعمرين في المجتمع الصغير "أعادوا إحياء أعياد الإلهة الرومانية سيريز واحتفلوا بها".
وعلى حد تعبير برادفورد كان مورتون يدير "مدرسة الإلحاد"، كما عاش برفقة أتباعه في "فجور كبير" وضمن حياة "فاسدة"، وبدلا من السماح لهم بالمرح أرسل الحجاج مجموعة من المسلحين لاعتقال زعيمهم، حيث سرعان ما قاموا بنفي مورتون إلى إنجلترا، وفي العام التالي قام جون إنديكوت -وهو مهاجر حديث يشارك الحجاج في العديد من معتقداتهم- بتقطيع السارية، مما أرضى برادفورد كثيرا.
نذير بالمزيد من الدمار
قد يتساءل المرء حول أسباب رغبة البيوريتانيين المتشددين في القضاء على عطلة لطيفة.
في المقابل، يرى الكاتب بصفته مؤرخا للفترة الأولى لنيو إنغلاند أن إدانة برادفورد لمورتون وتدمير سارية مايو نذير بحدوث العنف في المستقبل، ونظرا لأن البيوريتانيين يؤمنون بالقدر ومقتنعون بأن كل ما يحدث هو جزء من خطة إلهية فلا بد أنهم توصلوا إلى خلاصة أن الله أرسل مورتون لاختبارهم، وأن الحل هو نفيه وتدمير سواري مايو.
بعد مرور عقد من الزمن وفي ظل تنامي حدة التوتر بين المستعمرين والسكان الأصليين وجد حجاج بليموث جنبا إلى جنب مع البيوريتانيين من ماساشوستس أنفسهم في مواجهة اختبار جديد، وفي عام 1637 كانت العواقب أسوأ بكثير مما كانت عليه في ماريماونت، حيث أشعل المستعمرون النار في بلدة بيكوت، وأطلقوا النار على من حاولوا الفرار.
ويقدر المؤرخون أن ما لا يقل عن 400 شخص من الأميركيين الأصليين لقوا حتفهم في ليلة واحدة، ومثل المستعمرين الإنجليز الآخرين اعتقد الحجاج أنهم بحاجة إلى تهجير السكان الأميركيين الأصليين لإنشاء مجتمعاتهم الخاصة، مما جعلهم يهاجمون كل من يعتبرونه بمثابة تهديد، وكان القادة الاستعماريون مثل وينثروب وبرادفورد يعتقدون أنه ينبغي معاقبة أي شخص يبدي علامة على العصيان، يختم الكاتب
وبحسب تقرير سابق للجزيرة نت، ظل الأميركيون الأصليون (الهنود الحمر) يقاومون طوال 4 قرون زحف الأميركيين الأوروبيين، ثم خارت المقاومة وانتهت تماما بعد مذبحة الركبة الجريحة عام 1890 التي وضعت حدا لحروب الهنود الحمر وأنهت عصر المواطنين الأصليين الذين كانوا يعيشون في البراري.