صحافيو العراق... لا أرض هنا لقلم حرّ
بغداد - زيد سالم:لم يشهد العراق، في الذكرى الـ 152 لـ "العيد الوطني للصحافة العراقية"، أيّ احتفالات أو أجواء فرح على مستوى العاملين في المؤسسات الإعلامية، بل استذكر الصحافيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي زملاءهم الذين اغتيلوا أخيراً بنيران الجماعات المسلحة، بينهم الصحافي من البصرة أحمد عبد الصمد الذي اغتيل خلال تغطيته للتظاهرات، والمصور الصحافي صفاء غالي. ولم يُعتقل إلى الآن الجناة.
كما عبّر صحافيون عن استيائهم من محاصرة حرية التعبير في العراق التي تسببت في هجرة عشرات الصحافيين خلال السنوات الثلاث الماضية، إذ يستقر معظمهم في إقليم كردستان شمالي البلاد، وكذلك في تركيا والأردن ولبنان، وبعضهم اضطر للهرب إلى دول الاتحاد الأوروبي طلباً للجوء، أما من يبقون داخل العراق فيخشون رصاصات الفصائل المسلحة التي تغتال كلّ مخالف ومعارض.
هنأ رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، يوم الثلاثاء الماضي، الأسرة الصحافية العراقية بالذكرى الـ 152 لـ "العيد الوطني للصحافة العراقية"، مشيراً إلى أنّ الصحافة العراقية كانت وما زالت، ركناً أساسياً من وسائل الدفاع عن مصالح الشعب. وقال الكاظمي في بيان إنّ "الصحافة العراقية تدعم التوجهات الوطنية في محاربة الظلم والاستبداد، عبر حقب طويلة من الديكتاتورية التي حاولت خنق الأنفاس وكتم الأفواه"، معتبراً أنه "بعد ولادة العراق الجديد صارت مهمتها أكثر دقة وأهمية، فهي عين الناس وبوصلتهم للحقيقة ومنبرهم للرأي الحر الذي لن تعيش الديمقراطية من دونه".
ورغم أنّ في العراق نقابتين للصحافيين، الأولى هي نقابة الصحافيين العراقيين التي تُتهم بأنّها توالي الحكومة وتجامل القوى السياسية الحاكمة، والثانية يديرها إعلاميون وصحافيون، ويرى كثيرون أنّها ليست ممثلة حقيقية للصحافيين في البلاد ولا يتجاوز عملها إصدار البيانات والاستنكارات، وهي "النقابة الوطنية للصحافيين العراقيين"، ما يدفع جمعيات حقوقية ومراصد عراقية إلى تأكيد استمرار التضييق على الصحافيين، وزيادة الاعتداءات الأمنية التي وصلت إلى حدّ القتل، بالتزامن مع التصنيفات العالمية التي وضعت العراق في ذيل الدول الكافلة لحرية التعبير.
وفي السياق، قال عضو "المرصد العراقي للحريات الصحافية" في نقابة الصحافيين العراقيين، حيدر الشريفي، إنّ "ما ينشده الصحافيون في العراق هو تحقق أمرين مهمين: الأول يتلخص في ضمان عدم التجاوز على مستحقاتهم المالية من قبل المؤسسات الصحافية والإعلامية المحلية، والثاني توفير الأمن والحماية الشخصية لأصحاب الأقلام الحرة"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن "استمرار حوادث الاعتداء على الصحافيين والناشطين سيجعل العراق أمام تحديات دولية وتصنيفات سيئة بشأن حرية التعبير، كما أنه من المفترض أن تكون الحكومة على قدر المسؤولية في الكشف عن قتلة الصحافيين، وتحديداً أحمد عبد الصمد وصفاء غالي".
من جهته، أشار الصحافي فارس الجنابي إلى أنّ "السلاح المنفلت هو أكثر ما يهدد الصحافيين في البلاد، إضافة إلى الجماعات المسلحة المتعاونة مع الحكومة"، موضحاً لـ "العربي الجديد" أنّ "بعض الصحافيين قُتلوا بسبب تغطياتهم للتظاهرات، فيما اضطر آخرون للتوجه نحو إقليم كردستان والدول المجاورة، وهو الأمر الذي من المفترض أن ترفضه الحكومة العراقية التي تدّعي أنّ نظام الحكم فيها ديمقراطي". وشدد على أنّ على الحكومة الجديدة أن "تتعامل مع قضايا الاعتداء على أي صحافي اعتداء على موظف أثناء تأدية الخدمة". وأكد أنّ "هناك ملاحقات مستمرة للصحافيين واعتداءات وتجاوزات على حقوقهم".
سجّلت "جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق" 268 انتهاكاً ضد الصحافيين العراقيين بين مايو/أيار 2020 ومايو/أيار الماضي، موضحة في تقرير حمل عنوان "بغداد أخطر بيئة للعمل الصحافي" أنّ الانتهاكات طاولت العمل الصحافي بأشكاله كافة، وبالمستوى المعهود خلال السنوات السابقة، من دون أيّ حلول أو معالجات. وتابعت: "بحلول اليوم العالمي لحرية الصحافة، يتواصل نهج قمع حرية التعبير، وتضييق مساحات العمل الصحافي، بالسلاح والعنف والتهديد والوعيد، من قبل العديد من الجهات الرسمية وغير الرسمية".
ولفت التقرير إلى أنّ العاصمة بغداد تصدرت قائمة الانتهاكات بـ 77 حالة، تلتها محافظة كركوك، شمالي البلاد، بـ36 حالة، مشيرة إلى أنّ شهري يونيو/حزيران وأغسطس/آب 2020، كانا أكثر الأشهر تسجيلاً للانتهاكات، وأنّ الانتهاكات خلال العام الحالي تراوحت بين التهديد والسجن والقضايا الكيدية والاعتداء بالضرب ومنع التغطية، فضلاً عن إغلاق وسائل إعلام وتسريح عاملين، مؤكدة تسجيل 11 حالة ضرب لصحافيين على الرغم من انحسار نطاق الاحتجاجات، إضافة إلى 63 عملية اعتقال من دون أوامر قضائية، و10 هجمات مسلحة، و141 حالة اعتداء بالضرب ومنع من التغطية، وكذلك حالتي تهديد لصحافيين اثنين.
وأشار تقرير "جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق" إلى تسجيل شكاوى قضائية ضد 13 صحافياً، وفقا للقوانين المسلطة على مجال حرية التعبير التي لا ينوي المشرع العراقي تعديلها أو إلغاءها، مؤكداً "تورط الجهات الرسمية في خرق الدستور وعدم اكتراث الجهات المختصة بحماية الدستور وثوابته"، معتبراً أنّ رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لم يلتزم بتعهداته بحماية حرية التعبير والعمل الصحافي، فضلاً عن السكوت عن ملف الإفلات من العقاب "إذ ما زال قتلة الصحافيين ومنفذو الهجمات المسلحة على وسائل الإعلام أحراراً طلقاء".
شهد العام الماضي تسجيل مئات الانتهاكات ضد صحافيين ومؤسسات إعلامية عاملة في العراق، ومن بين الانتهاكات اغتيال 4 صحافيين، وإصابة 10 آخرين، واعتقال 74 إعلامياً، والاعتداء على 167 آخرين.
بدوره، أكد عضو نقابة الصحافيين العراقيين في بغداد، علي الحمداني، أنّ "النقابة تسعى جاهدة عبر التنسيق مع الحكومة العراقية والقوات الأمنية لمنع الاعتداء على الصحافيين والناشطين والمدونين، كما تواصل جهودها رغم جميع العقبات وعدم التعاون من قبل جهات حكومية خاضعة لتحكم الأحزاب والفصائل المسلحة". أضاف، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ "أكثر ما ينشده الصحافيون في العراق هو حرية التعبير والحماية لأنفسهم وعوائلهم، وهذا الأمر تكفلت به حكومة الكاظمي خلال الأسابيع الأولى من وصولها للحكم، لكنّها لم تلتزم بوعدها".
يحتل العراق المرتبة 163 من أصل 180 بلداً في نسخة 2021 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي تعده منظمة "مراسلون بلا حدود" التي أفادت بأنّ "حدة الضغط ازدادت منذ اندلاع حراك شعبي غير مسبوق في أكتوبر/تشرين الأول 2019، إذ يواجه الصحافيون الذين ينقلون احتجاجات المتظاهرين خطر التعرض للمضايقات أو الاختطاف أو الاعتداء على أيدي مسلحين مجهولين أو منتسبين إلى إحدى المليشيات، بل يصل الأمر إلى الاغتيال في بعض الحالات، ذلك أنّ التهديدات باتت تنهال على الناشطين الإعلاميين من كلّ حدب وصوب، في محاولة لثنيهم عن القيام بعملهم. وتمرّ اغتيالات الصحافيين من دون أيّ عقاب، علماً أنّ التحقيقات التي تُفتح بشأنها لا تؤدي إلى أيّ نتائج مجدية، بحسب أقارب الضحايا".