الرئيسية مقالات فوضى الاعلام واعلام الفوضى
فوضى الاعلام واعلام الفوضى الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي [size=32]فوضى الاعلام واعلام الفوضى[/size] ادت الاوضاع الكارثية التي ابتكرها المحتلين في العراق منذ التاسع من نيسان 2003الى اختلالات في كل مرافق حياة المواطن العراقي ولعل اخطرها هي الفوضى الاعلامية حيث شجع المحتلين كل من هب ودب على تأسيس وسائل الاتصال (265 صحيفة ورقية وعشرات المحطات الاذاعية واكثر من ستين قناة تلفزيونية) والملاحظ على الغالبية العظمى من هذه الوسائل انها مملوكة للاحزاب والاشخاص الذين جاؤا خلف (بسطال) الاحتلال، واصبحت تعبث بعقول وعواطف الشعب وتوجهه الى مزالق الطائفية والعنصرية والمناطقية والعشائرية في ذات الوقت الذي تحاول تغييب الضمير الوطني وحب العراق وتاريخه وهويته الفكرية والحضارية التي طالما كانت تشكل الاساس المادي والاعتباري لكل العراقيين. لقد ادت وســائل الإعلام المؤدلجة في تأجيج الانطباعــات السلبية ، عبر عملية الاستئثار بأغلب البيئة الاعلامية فهذه الوسائل، تظل أما أدوات للحكومات العميلة أو انها تسبح في فلكها ،وكقاعدة عامة، تعمل وسائل الإعلام في العراق بالتواطؤ مع قوى إقليمية مسيطرة للحفاظ على المظهر المزيف للوفاق الاجتماعي الداخلي والتضامن الوهمي في وجهات نظر العراقيين، وفي الوقت نفسه تدافع بغير وجه حق عن المتسببين والمشاركين في الاوضاع البائسة والذين يخدمون بأفعالهم الكيان الصهيوني والولايات المتحدة والنظام الحاكم في طهران والكل يعلم ان هذه الاحزاب والشخصيات العملاء للاجنبي لم يكونوا ليركبوا على ظهور العراقيين ويذلوهم لولا الاحتلال الصهيوني الامريكي الفارسي للعراق. ظهرت خلال السنوات الاخيرة تصدعات في احتكار هذه القوى المحكم لوسائل الإعلام بســبب عجزها عن الاستمرار بأكاذيبها واستهتارها بالرأي العام العراقي الذي ماعادت تنطلي عليه الخزعبلات والطوباويات لاسيما بعد ان اصبحت نسبه مهمة من العراقيين (لاسيما الشباب) منغمسين في اســتعمال وســائل الإعلام العالمية المتاحة ليلا نهارا، كالانترنت،وما يوفره من فرص استثمار مواقع التواصل الاجتماعي.
ان تقييم عمل وسائل الاعلام في العراق المحتل لابد وان ينطلق من فرضية ،إن مصادر الأخبار المحترمة لا تعتبر أن مهمتها الأولى جمع الأخبار وتقديمها، وإنما تقديم تعليقات وتحليلات سليمة غالبا ما تساعد المواطن على فهم وهضم ما يحيط به من ظواهر تلامس وتؤثر بسير حياته يوميا ، بشــأن الأحداث اليومية. إن وســائل الإعلام في العراق المحتل ورغم مايقارب عقدين من الزمن من الفشل تعيش خلال السنوات الاخيرة في خضم مرحلة انتقالية ، اهم متغيراتها ظهور تيارات وحراك وطني حقيقي، مع بروز تيار اعلامي وطني مناهض للاحتلال في الداخل والخارج وإعلام الشــتات ، ويستهدف العراقيين في كل مكان وبدأ يطرح الخطاب الاعلامي الذي يتناغم مع مطالب الشعب من أجل حقوق افراده وحرياتهم في الحياة الكريمة ، وهذا الواقع الإعلامي الجديد شــكل واقع أخر.
صحيح ان بعض الوسائل الاعلامية تتنافس على الشارع العراقي وتتحدث إليه بخطاب توافقي وتحاول ان تبلور مواقفه بأتجاهات تبدو محايدة، الا إن اجندات اصحاب هذه الوسائل إلاعلامية تحول دون رغبات بعض الاعلاميين والصحفيين الشرفاء في أن يعكسوا المواقف الوطنية السليمة ،في وقت يتعذر على القوى الوطنية الحقيقية لاسيما ثوار تشرين تأسيس منابر تمكنهم من الوصول الى كل فئات الشعب لأن التكلفة المالية لانشاء مثل هذه الوســيلة غير متاح ناهيك عن عدم سماح الاحتلال وذيوله في السلطة من تحقيق الشــرعية السياســية لدى القوى الوطنية المعارضه للاحتلال .
ان المواطن العراقي اصبح مدركا حقيقة كون ان اغلب وسائل الإعلام في العراق هي أدوات ذيلية للحكومات العميلة ،ولا يهمها ما يعانيه الشعب، الذي يزداد فقرا في وقت تزداد فيه فرص القوى المهيمنة على العراق المحتل بتعظيم مواردها المالية للسيطرة على كل الأدوات السياسية القوية. أما ما يتعلق بوســائل التواصل الاجتماعي ، فهناك تباين في وجهات النظر في جدواها وحجم تأثيرها لاسيما مع انتشار الامية بكل انواعها ومنها الامية التكنلوجية،حيث مايزال الإســتخدام الفردي للانترنت في العراق لا يقارن باســتخدام الافراد في المجتمعات المستقرة، وتبقى لذلك ظاهرة متنامية وكمنفذ لعكس جزء من حقيقة مايحدث من مآسي في العراق ،علما ان استخدامات المواطن العراقي للانترنيت تخضع للرقابة خصوصا المواقــع ذات الشــعبية أو التي تكون محط أنظارالعراقيين، كل هذا يضاف له انتشار كم كبير من الجحوش الالكترونية للاحزاب العميلة التي تسمم الحقائق وتشوهها وبالتالي تلون المعلومات لتصل معلولة للمواطن فاقدة لمصداقيتها.
إن هذه المواقع تستهدف المتابعين الحاليين والمحتملين والجمهور ولغرض جذب المتابعين المحليين، تلجأ المواقع المغرضة الى اطلاق الشعارات وقد تعرض سلعا مثل القمصان والشــارات والأعلام وشــرائط الفيديو والشرائط الســمعية وذلك باللهجة المحلية، وتقدم معلومات مفصلة عن نشاطات الجهه الداعمة وسياستها الداخلية وحلفائها ومنافسيها،(لاسيما الان كدعاية انتخابية) وكثيرا ما يجد الزوار الذين قد يكون لهم بعض الاهتمام بالقضايا ولكنهم غير معنيين بصورة مباشــرة الموقع باللكنه المناطقية.
ان توجهات هذه المواقع العميلة يتعدى في كثير من الاحيان استهداف المواطن العراقي ليتوجه الى الأجانــب الذين قــد يكونوا الهدف لهذه المواقع، حيث اصبحت البيانات الصحفيــة والملخصات التاريخية متاحة على هذه المواقع، وبالنســبة لاســتهداف الوطنيين من الجمهور، تنصب جهود القائمين على هذه المواقع إلى إحباط معنويات المواطن بالتهديد بشن هجمات وبالإشعار بالذنب إزاء سلوك ودوافــع الحراك الوطني، اضافة الى عمليات الحث على الجدل العام مــن أجل تغيير توجهات الرأي العام الوطني وإضعاف مساندة الشعب لثورته المستمرة ضد الاحتلال وتبعاته. تشير التقارير واستطلاعات الرأي زيادة اعداد الشباب بسرعة في العراق، الذين يستخدمون الانترنت والذين ينجذبون أكثر إلى القيم الثورية في المجتمع وإن الوصول إلى الانترنت سيشكل حجر الزاوية في اتساع نطاق الثورة الاجتماعية ، لذا يجب الإستثمار الامثل للفرص التي يتيحها الإنترنت بقوة، حيث يعتبر الشباب اكثر المستهلكين وثمــة مجــال للنمو بظهور مســتخدمي جدد لمواقع الانترنت بكثرة في المدن المختلفة من العراق لنشــر افكارهم. الحقيقة الاكثر اهمية تكمن في دور الشباب العراقي الثائر الملتزم والطموح والمتعلم ، ذوي الفكر الحر، وان أعدادهم تزداد ويتواصلون ببعضهم بعضا وتحديدا مع بروز ظاهرة تطور استخدامات الانترنت في العراق وما يرفقها من حداثة وإثارة للاهتمام ناهيك عن انتشار برامج توزيع رسائل الانترنت التي تسمح باتصال مباشر بمصادر كان الوصول إليها صعبا ، وبرامج توزيع الرسائل قد تقدم معلومات قيّمة للمراسلين وغيرهم؛ ومهما تكن قوة هذه الأشكال الجديدة من الإعلام، الا اننا يجب ان لا نهمل القنوات الفضائية التي ماتزال تبرهن على إمكانية كبيرة لإحداث التغيير السياســي، ويتوقف تحقق وطبيعة هذه التغييرات على عوامل كثيرة بصفة عامة،اضافة الى ضرورة طرح عدد من الاسئلة المنطقية مثل أي دور ســيؤديه اصحاب وســائل الإعلام الحاليون في القبول بهذه التغييرات ؟ هل سيتشــبث بعضهم بســيطرتهم على تشويه الحقيقة في وســائل الإعلام والتي تمليها عليهم سيطرة الاطراف المؤيدة للهيمنة الاجنبية على العراق بصورة متزايدة على خيال الجمهور؟ هل أن الثورة الشعبية السلمية ستنتزع منهم زمام المبادرة بالقوة؟ |