كوبا في "اللحظة الفاصلة".. أسباب ومستقبل الاحتجاجات غير المسبوقة
تقارير تحدثت عن اعتقال عشرات المحتجين في كوبا
الحرة / ترجمات - دبي:على مدى يومين، شهدت كوبا احتجاجات شعبية نادرة، هي الأولى من نوعها منذ عقود، ترافقت مع أسوأ أزمة غذائية واقتصادية عرفتها البلاد وسط تفشي جائحة فيروس كورونا.
وبينما شكك محللون في أن تؤدي تلك التظاهرات إلى تغيير جذري في نظام الحكم، يؤكد البعض أنها كسرت حاجز الخوف الذي فرضه نظام قمعي فرض سطوته على البلاد منذ أكثر من 62 عاما.
ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن نشطاء حقوقيين أن السلطات الكوبية قد كثفت حملتها القمعية، أمس الاثنين، ضد النشطاء والمتظاهرين، حيث نشرت قوات الأمن في جميع أنحاء البلاد، واعتقلت أكثر من 100 شخص، بالتزامن مع قطع وسائل الاتصال مع العالم الخارجي.
وللمرة الأولى على الإطلاق، نشرت السلطات قوات مكافحة الشغب مع معداتها الكاملة، وفي هذا الصدد قال أنجيل رودريغيز، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان، ويقطن في هافانا: "في الليلة الماضية، استخدمت الشرطة الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع".
وأشار، رودريغيز، البالغ من العمر 31 عاما، إلى انتشار دوريات أمنية كانت متوقفة بالقرب من ميدان الثورة الأسطوري في العاصمة، حيث نظمت الحكومة الشيوعية مسيرات حاشدة تأييدا لنظام الحكم.
ثلاثة عوامل وراء الاحتجاجات
ووفقا لمجلة "تايم" فإن 3 عوامل أساسية تقف وراء تلك الاحتجاجات النادرة التي تشهدها البلاد، ويأتي على رأسها، ظهور أسوأ أزمة نقص في المواد الغذائية منذ ربع قرن، والفشل في التعامل مع جائحة فيروس كورونا المستجد، بالإضافة إلى منصات التواصل الاجتماعي التي ساهمت في حشد الرأي العام الغاضب للخروج في مسيرات احتجاجية.
وجراء ذلك شارك الآلاف، يوم الأحد، في أضخم موجة احتجاجات مناهضة للحكومة تشهدها كوبا منذ سيطرة الشيوعيين على الحكم العام 1959، وما ميز تلك التظاهرات أنها خرجت في مدن عدة من البلاد ولم تقتصر على العاصمة هافانا، وردد المتظاهرون شعارات من قبيل "نريد الحرية" و"تسقط الديكتاتورية"، فيما أظهر أحد مقاطع الفيديو التي انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي محتج وهو يصرخ: "لم نعد خائفين، لا نريد مزيدا من القمع والديكتاتورية".
وأوضح المحلل السياسي، أرتورو لوبيز ليفي، للمجلة الأميركية أن ما يحدث في بلاده "لحظة فاصلة"، مؤكدا أنها: "المرة الأولى منذ 62 عامًا التي نرى فيها احتجاجات غير محلية (تقتصر على حي أو بلدة) ... إذا لم تتمكن الحكومة من السيطرة على الأوضاع الاقتصادية والصحية فلا نعلم كيف ستتطور الأزمة في غضون ثلاثة أو أربعة أشهر".
ومن جانبه أعرب المدون الكوبي المعارض يواني سانشيز، عن سعادته بتلك الاحتجاجات التي انطلقت شرارتها بحسب قوله من ميدان سان أنطونيو دي لوس بانيوس لـ"تشعل النار في عشب الغضب الاجتماعي الجاف"، فيما شارك الكوبيون في جميع أنحاء العالم صورا على تطبيق إنستغرام كتب عليها "طلب العون ليس جريمة".
أما رئيس المرصد الكوبي لحقوق الإنسان، أليخاندرو غونزاليز، هي منظمة مقرها مدريد وأسسها سجناء سياسيون كوبيون سابقون، فيقول: "لقد أدهشتني هذه الاحتجاجات العفوية التي لم يجرِ التنسيق أو التحضير لها".
وأضاف في تصريحات لصحيفة "وول ستريت جورنال": "عفويتها تظهر الغضب ومدى عدم احتمال الوضع" مشيرا إلى أن منظمته تقدر عدد المتظاهرين والمعارضين الذين تم اعتقالهم بأكثر من 100 شخص، بينما وثقت جماعات حقوق مدنية أخرى اعتقال 80 شخصًا على الأقل، لكنها تعتقد أن العدد الحقيقي للمعتقلين من المرجح أن يكون أكبر بكثير من ذلك.
وعن تجربته في التظاهرات، قال المهندس المدني والناشط الحقوقي، ألفريدو مارتينيز راميريز، لصحيفة "واشنطن بوست" إنه سبق له وأن شارك في تجمع احتجاجي صغير في العاصمة هافانا مع بعض الفنانين والمثقفين، "ولكن التجمع لم يكسب زخما شعبيا، ولذلك فإن هذه الاحتجاجات مختلفة".
ولفت، مارتينيز، البالغ من العمر 29 عامًا، إلى ما حدث "كانت اللحظة التي انتظرها الكثير منا ... كان هناك أناس ليسوا سياسيين أو مثقفين بل أشخاص مهمشين من مختلف الطبقات الاجتماعية"، متابعا: "الجميع سئموا من هذا الواقع وهم يقفون الآن معًا ويصرخون من أجل الحرية.. الشعب جائع ومشاعر الخوف غادرته".
ولا يخرج عن هذا الإطار، الكاتب الكوبي المنشق إرنستو هيرنانديز بوستو والذي اعتبر ما يحدث "نهاية حقبة ساد فيها خوف عميق.. ما جرى يمثل تحولًا هائلاً".
"الهروب إلى الأمام"
ويبدو أن الحراك الشعبي الذي فاجأ الرئيس الكوبي،ميغيل دياز كانيل، جعله يلقي، بحسب مراقبين، سوء الأوضاع في البلاد على العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، لعدم تعاونها في مكافحة الإرهاب.
وكان كانيل قد ألقى باللائمة على واشنطن، واصفا عقوباتها بـ"سياسة الخنق الاقتصادي"، وزاعما في الوقت نفسه أن المحتجين هم مرتزقة تستأجرهم أميركا من أجل زعزعة استقرار البلاد، داعيا أنصاره إلى الخروج إلى الشوارع والدفاع عن "مكتسبات الثورة" التي أوصلت الزعيم الشيوعي الراحل، فيدل كاسترو، إلى سدة حكم البلاد في العام 1959.
ومع ذلك، اعترف كانيل باستياء الكوبيين من المتاجر، التي تبيع السلع فقط للأشخاص الذين لديهم دولارات أميركية، مستدركا: "لكنه أمر ضروري للحصول على العملة الصعبة".
وكانت العديد من المتاجر التي ترفض بيعها سلعها بالعملة المحلية قد تعرضت للنهب والتخريب خلال الاحتجاجات، حيث أقدم الناس على سرقة الأجهزة المنزلية أكثر من تركيزهم على أخذ المواد الغذائية، وهنا يوضح أليخاندرو دي لا فوينتي، أستاذ التاريخ في جامعة هارفارد، أن نهب تلك المتاجر "يظهر حنق الناس الذين لا يملكون شيئًا في دلالة بالغة على الفروق الاجتماعية بين طبقة غنية تعيش في رغد ورفاهية وفقراء لا يملكون شيئا".
وكان الاقتصاد الكوبي قد تراجع بنسبة 11 بالمئة مقارنة مع العام الماضي، وذلك مع تراجع غير مسبوق لإنتاج السكر الذي يعتبر السلعة الرئيسية للتصدير.
وإذا كانت الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة تشكل متنفسا للعديد من فقراء تلك الجزيرة، غير أن هذه الاحتجاجات كما يرى معارضون كوبيون، تحمل وجها مختلفا فالناس "لا تريد مغادرة البلاد بل إسقاط النظام القمعي واستقالة رئيس البلاد" كما يقول خوان خوان ألميدا، نجل أحد كبار مساعدي فيدل كاسترو، والذي يعيش الآن في مدينة ميامي الأميركية.
وكان، دياز كانيل، قد جمع في وقت سابق من هذا العام بين منصب رئيس البلاد ورئيس الحزب الشيوعي الحاكم، ولكن العديد من الكوبيين يقولون إن ذلك "الشيوعي المخضرم" يفتقد إلى الكاريزما والجاذبية اللذين يتمتع بهما جيل القادة الثوريين الذين وصلوا إلى السلطة مع الأخوين فيدل وراؤول كاسترو.
وفي هذا المنحى يقول بريان لاتيل، المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية الذي يغطي شؤون كوبا: "لا أحد يتمتع بالشرعية والسلطة التي يتمتع بها الأخوان كاسترو"، مردفا: "سيكونون (الحكام الحاليون) قساة للغاية، بيد أن الشيء الملحوظ الآخر هو تضاءل مشاعر الخوف لدى الناس".
وفي سياق متصل، يؤكد المحلل السياسي لكوبي في كلية باروخ في نيويورك، تيد هينكن، إن حكومة هافانا لديها القليل من الموارد لتلبية الاحتياجات الماسة للبلاد، منوها إلى أن "اليأس هو الذي ولد الانفجار والغليان لدى الشعب، والعوامل التي أشعلتها لا تزال موجودة"، لافتا إلى أنه "ليس من الواضح ما إذا كان بإمكان الحكومة التوصل إلى حل للأزمات المتعددة في البلاد حتى لو لكن لديها رغبة في ذلك".