استعدادات لجولة الحوار الأميركية-العراقية: سحب القوات القتالية وارد
العربي الجديد -بغداد/عادل النواب:قال مسؤولان عراقيان بارزان في بغداد، أمس الثلاثاء، لـ"العربي الجديد"، إن فريقاً حكومياً بدأ التحضير مع السفارة الأميركية في العاصمة العراقية، لتحديد موعد عقد جولة الحوار الاستراتيجي الرابعة، المقرر أن تُنظم في واشنطن، بعد انتهاء عطلة عيد الأضحى في العراق نهاية الشهر الحالي. وتشمل التحضيرات الاتفاق على الملفات التي سيتم بحثها، ومحاولة إنجاز تفاهمات مبدئية بشأنها، خصوصاً فيما يتعلق ببند سحب أميركا لـ"القوات القتالية" المتبقية في العراق، في إشارة إلى عدم التطرق لمطلب الفصائل المسلحة، الحليفة لإيران، وهو سحب كامل الوجود العسكري الأميركي والأجنبي ضمن قوات التحالف الدولي من العراق.
ومطلع إبريل/نيسان الماضي، عقد الطرفان العراقي والأميركي الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي بين البلدين، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، هي الأولى في عهد الرئيس جو بايدن، وترأسها وزيرا خارجية العراق فؤاد حسين وأميركا أنتوني بلينكن. وتم خلالها الاتفاق على تحول دور القوات الأميركية وقوات التحالف إلى المهمات التدريبية والاستشارية، ودعم القوات العراقية وتمكينها في مواجهة تنظيم "داعش"، وتعزيز كفاءة مؤسسات الدولة، فضلاً عن تقديم مساعدات للعراق فيما يتعلق بأزمتيه، الصحية والمالية. وكانت الجولة الأولى انطلقت في يونيو/حزيران العام الماضي عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، واستمرت عدة ساعات، شارك بها مسؤولون أمنيون وعسكريون، فضلاً عن مسؤولين بوزارتي خارجية البلدين، تلتها جولة ثانية في واشنطن، خلال زيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى العاصمة الأميركية، حيث التقى الرئيس السابق دونالد ترامب في أغسطس/آب العام الماضي.
وقال مسؤول رفيع المستوى في مكتب القائد العام للقوات المسلحة، لـ"العربي الجديد"، إنه "لغاية الآن من غير الواضح ما إذا كان رئيس الوزراء سيشارك بالجولة بصفته رئيساً للوفد الذي سيتوجه إلى واشنطن، أم أن وزير الخارجية فؤاد حسين سينوب عنه". وأشار إلى أن "هذا الأمر يعتمد كثيراً على التطورات السياسية والأمنية الحالية في العراق، والمشاورات مستمرة في الوقت الحالي بين فريق حكومي، مؤلف من وزارات الخارجية ومستشار الأمن الوطني (قاسم الأعرجي) ومكتب رئيس الوزراء وقيادة العمليات، لتهيئة الملفات التي سيتم بحثها. كما تم التواصل مع الجانب الأميركي لبحث ترتيبات الجولة الرابعة التي ستعتمد مخرجاتها على كونها ستكون الأخيرة، أم ستتبعها جولات أخرى".
وأكد مسؤول آخر أنه قد يصار إلى إعلان بشأن سحب القوات القتالية، وعددها يبلغ قرابة الـ500 جندي، مع استمرار عمل العسكريين الموجودين في العراق بصفة مستشارين ومدربين ضمن غطاء قوات التحالف الدولي. وأعلن، لـ"العربي الجديد"، أن "الكاظمي قدم تعهدات لقوى سياسية حليفة لإيران بشأن تحقيق تقدم كبير في ملف انسحاب القوات الأميركية من عموم مدن العراق، وهذا ما يضغط به الإيرانيون أيضاً على الحكومة". لكنه استدرك بالقول إن "كل التصورات الحالية والتفاهمات قد تتبدل في حال نفذت واشنطن رداً على الهجمات الأخيرة للفصائل المسلحة، ولم تحصل الحكومة على أي وعود أو تعهدات أميركية بعدم تكرار القصف".
وشهدت الأيام الماضية سلسلة هجمات عنيفة، استهدفت مطار أربيل ومعسكر "فيكتوريا" قرب مطار بغداد الدولي وقاعدة "عين الأسد" في الأنبار، وأخيراً السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء في بغداد. وتبنت فصائل مسلحة عدة تلك الهجمات، واضعة إياها في إطار الرد على الهجوم الأميركي الذي استهدف وحدات تابعة لها في المنطقة الحدودية العراقية السورية، قبل أكثر من أسبوع. كما سُجّل هجوم مماثل بطائرات مسيّرة على حقل العمر النفطي في ريف دير الزور الشرقي في سورية، حيث تتواجد قوات أميركية، من دون أن يسفر عن خسائر.
بدوره اتهم عضو البرلمان عن تحالف "الفتح" كريم عليوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، حكومة الكاظمي، بأنها "ترفض أي مشاركة برلمانية في الوفد العراقي المفاوض مع واشنطن، وهذا ما يثير الشكوك بأن الوفد الحكومي، لا يتفاوض على سحب القوات الأميركية كما هو المطلوب". واعتبر أن حكومة الكاظمي "غير جادة في كشف تفاصيل ما يجري خلال التفاوض مع الجانب الأميركي، خصوصاً أن تصريحات الإدارة الأميركية بخصوص تفاصيل الحوار، وسحب القوات المحتلة، دائماً ما تكون متناقضة مع التصريحات العراقية في الجولات الثلاث التي عقدت سابقاً". ووصف عليوي، وهو عضو في لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، جولات الحوار بأنها "مضيعة للوقت ومماطلة، ضمن محاولات لإبقاء القوات الأميركية في العراق فترة أطول. فواشنطن ليس لها أي نية للخروج من العراق، بل هي تعمل على تعزيز هذا التواجد، بسبب ما لها من مشاريع مستقبلية في العراق، والمنطقة بصورة عامة".
من جانبه، قال القيادي في مليشيا "عصائب أهل الحق"، سعد السعدي، لـ"العربي الجديد"، إن "الفصائل المسلحة أعطت الوقت الكافي لحكومة الكاظمي لإخراج كافة القوات الأجنبية من العراق، من خلال الطرق الدبلوماسية والسياسية، لكنها أخفقت في هذا الملف، ولم يكن هناك أي تحرك فعلي تجاهه، رغم إجرائها حواراً مع الولايات المتحدة الأميركية عبر ثلاث جولات". وبين أن "الحديث هو عن جولة حوار استراتيجي رابعة بين بغداد وواشنطن، تأتي ضمن تسويف ومماطلة لإخراج القوات الأميركية من العراق. فهناك من يسعى ويحاول أن يجد مبررات وحجج جديدة من أجل بقاء تلك القوات فترة أطول في العراق، عبر حوارات كهذه، يتم من خلالها فرض الإملاءات الأميركية".
وأعلن السعدي أن "الفصائل المسلحة اتخذت قرار التصعيد العسكري من أجل إخراج القوات الأميركية من العراق، ولا خيار لها حالياً غير الخيار العسكري، ولا توجد أي نية للتراجع إلا بعد التأكد من وجود انسحاب فعلي للقوات الأميركية". وقال "هناك حالياً تحركات حكومية وسياسية من قادة وزعماء أحزاب شيعية للتوصل إلى تهدئة جديدة لحين إتمام الجولة الرابعة، لكن هذا الأمر مرفوض ولن نقبل به، خصوصاً بعد التجاوزات الأميركية الأخيرة على الحشد الشعبي وسيادة العراق".
في المقابل، قال الخبير في الشأن السياسي والأمني العراقي أحمد الشريفي، لـ"العربي الجديد"، إن "استمرار التصعيد العسكري من قبل الفصائل المسلحة، بالتزامن مع الجولة الرابعة للحوار يُحرج حكومة الكاظمي. ولهذا نجد أن التحرك واسع الآن للتوصل إلى التهدئة، وإنهاء هذا التصعيد، قبل انطلاق أعمال هذه الجولة. لكن المعطيات تشير حتى الآن إلى عدم نجاح هذا الحراك، مع استمرار الهجمات ضد الأميركيين، من خلال القصف، أو العبوات الناسفة التي تستهدف الأرتال العاملة لصالحه".
واعتبر الشريفي أن "استمرار التصعيد ضد الأميركيين سيدفع بواشنطن من جديد للقيام بضربة عسكرية للرد، وهذا الأمر سيخلق مشاكل جديدة لحكومة الكاظمي مع الفصائل. ولهذا الكاظمي وحكومته في موقف لا يحسدان عليه، فهما بين ناري أميركا والفصائل". وقال إن "لجوء حكومة الكاظمي إلى إيران للتدخل لغرض التوصل إلى هدنة أمر وارد وغير مستبعد، خصوصاً أنها قامت بذلك في فترات سابقة، ونجح العامل الإيراني في خلق نوع من التهدئة وقتها".