مصير المترجمين الأفغان والعراقيين بين التعاون والخيانة
منذ 20 دقيقة
هيفاء زنكنة
0
حجم الخط
ليس بالإمكان، ونحن نتابع جلاء قوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية، من أفغانستان في أيلول/ سبتمبر، ومعها آلاف «المتعاونين» الأفغان، ألا نستعيد انسحابها (غير الكلي) من العراق، عام 2011، وما ترتب على ذلك من إجراءات لسحب «المتعاونين» معها.
حاليا، ستسحب القوات الأمريكية معها نحو 18 ألف أفغاني من « المتعاونين» ضمنهم 9000 مترجم تقدموا بطلبات للحصول على تأشيرات الهجرة الخاصة وأسرهم، مما يجعل العدد الكلي حوالي 50 ألف شخص. وقد منحت بريطانيا، بعد صراع طويل، ألف مترجم أفغاني تأشيرات دخول، لم تنفذ عمليا الا في حالة 30 مترجمًا شفويًا. أثارت قضايا « المتعاونين» ضجة إعلامية ونقاشا واسعا، في أمريكا وبريطانيا، حول المسؤولية القانونية والأخلاقية والإنسانية تجاه « المتعاونين» مقابل بيروقراطية تمحيص أهليتهم والتأكد من سلامة الاجراءات حرصا على الأمن القومي.
لطمأنة « المتعاونين» الذين يعيشون حالة رعب من تخلي أمريكا عنهم، لتتركهم لخطر الموت، على أيدي من يعتبرونهم خونة للوطن، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، ردًا على سؤال حول وضع الذين تعاونوا مع القوات الأمريكية بعد غزو البلد في 2001 : «أولئك الذين ساعدونا لن نتخلى عنهم… إنهم مرحب بهم هنا تمامًا مثل أي شخص آخر خاطر بحياته لمساعدتنا». وأكد رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلي « أن هناك عددا كبيرا من الأفغان الذين دعموا الولايات المتحدة والتحالف، وأن هذا قد يعرضهم للخطر. أن لدينا مهمة في غاية الأهمية هي ضمان أن نبقى أوفياء لهم، وأن نقوم بما هو ضروري لضمان حمايتهم».
غير أن هذه التصريحات الرسمية الأمريكية لا توفر للمتعاونين الأمان المتوخى، فقصص العديد منهم تبين أن وصولهم إلى أمريكا وبريطانيا يتطلب عدة سنوات، إذا بقوا أحياء. وتعكس قصة المتعاون محمد كمران، المترجم الفوري للقوات الأمريكية في «الحرب على الإرهاب» صورة الواقع البائس الذي يعيشه المتعاون. يقول محمد في مقابلة معه: «قضيت عشر سنوات مع الجيش الأمريكي. ذهبت معهم في الكثير من الدوريات، وفي الكثير من المهمات، والكثير من المعارك، وقضيت معهم الليل وأيامًا في الجبال، معهم في كل مكان. كنت أعمل معهم كأخ وكانوا ينادونني بأخي. كنت… جزءًا مهمًا من مهمتهم». قضى محمد ست سنوات مختبئا في باكستان بعد أن فر هو وعائلته من أفغانستان حفاظًا على حياتهم.
أما المتعاونون العراقيون مع الاحتلال الانكلو أمريكي، كمترجمين أو الذين عملوا في وسائل إعلام مقرها الولايات المتحدة ومجموعات أو منظمات تلقت منحًا أو عقودًا من الحكومة الأمريكية، فقد استفادوا من برنامج يهدف إلى تسريع توطينهم في أمريكا. 47 ألف شخص تم توطينه وفق البرنامج، وبلغ مجموع المستفيدين أكثر من 142 ألف منذ عام 2007. وقد تم تعليق البرنامج، منذ أشهر، بسبب الاشتباه في 4000 حالة احتيال في وثائق اللاجئين. مما أدى إلى تجميد معالجة أكثر من 40 ألف طلب تغطي أكثر من 104 ألف شخص – 95 بالمئة منهم في العراق – وفقًا لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية.
- اقتباس :
أثارت قضايا « المتعاونين» ضجة إعلامية ونقاشا واسعا، في أمريكا وبريطانيا، حول المسؤولية القانونية والأخلاقية والإنسانية تجاه «المتعاونين» مقابل بيروقراطية تمحيص أهليتهم
إن مراجعة قضايا «المتعاونين» وقصصهم المنشورة، إعلاميا، في الغرب، بشكل يثير التعاطف، مع التأكيد على استخدام مفردة «التعاون» في تصريحات المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين، وكافة أجهزة الإعلام، تقريبا، يمنح « التعاون» مع المحتل صورة ايجابية، مشجعة، بل وإنسانية في «الحرب على الإرهاب». هكذا يُستبعد معنى الخيانة، في ذات الوقت الذي تُقدم فيه مقاومة الاحتلال كفعل إرهابي. كما يتم تجاهل الاسباب الحقيقية لحروب الاحتلال.
تعكس انتقائية استخدام المصطلحات معايير الازدواجية في التعامل، على كل المستويات، بين الشعوب المُستعمِرة والمُستعمَرة. فما تسميه الادارة الأمريكية وبريطانيا تعاونا إذا ما خدم ودعم الأفغاني والعراقي احتلالهما لبلده، يسمى خيانة إذا ما دعم بريطاني أو أمريكي أعداء بلده. فتعريف الخائن، وفق الدستور والقانون الأمريكي، واضح، وهو : «الشخص المدان بالخيانة.
يعاقب على خيانته بالإعدام إذا شن الخائن حربا على دولته أو بلاده أو دعم أعدائها، وأعطاهم العون والراحة. يصدر الحكم على الخائن اذا شهد شاهدان على فعله، أو اذا اعترف أمام محكمة علنية». أما القانون البريطاني فانه يعتبر الخيانة « أعلى الجرائم» – وتُعرَّف بأنها خيانة الولاء ( للملكية) عمدًا بشن حرب ضد الحكومة أو تقديم المساعدة أو الراحة لأعدائها. و يُعاقب من يُدان بالخيانة بالسجن المؤبد. وتحاول الحكومة، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، تحديث قانون الخيانة « ليشمل المواطنين البريطانيين الذين يعملون نيابة عن دولة معادية» أي المواطنين البريطانيين الذين دعموا قوات طالبان في أفغانستان ضد القوات الأنكلو أمريكية.
اذن هناك اتفاق مبدئي بين أمريكا وبريطانيا، على أن من يساعد في شن حرب على دولته أو بلاده أو دعم أعدائها، ويوفر لهم العون والراحة هو خائن، وعقوبته أما الموت أو السجن المؤبد. والمفارقة ان يكون هذا من نقاط الاتفاق النادرة بين المقاومة العراقية والافغانية من جهة والبلدين المحتلين من جهة أخرى. فكانت النتيجة، قتل 360 مترجمًا فوريًا عراقيًا، تم توظيفهم من قبل شركة مقاولات خاصة، بين عامي 2003 و 2008 وجرح أكثر من 1200. كما قُتل أكثر من 300 مترجم فوري في أفغانستان، لأنهم عملوا مع القوات الأمريكية.
كيف التعامل مع هذه المأساة إنسانيا وأخلاقيا، خاصة، وان عوائل وذرية «المتعاونين» مع الاحتلال سيستورثون الوصمة، كما يحدث حاليا لعوائل « داعش» ؟ هل نبرر التعاون مع الاحتلال أم نؤيد التخلص منهم لأن إدانتهم منصوص عليها في كل القوانين المكتوبة والمتوارثة، في كل دول العالم؟ هذه أسئلة مهمة، تصلح لمخاطبة الرأي العام لشعوب دول الاحتلال، أكثر من أرض الواقع والحياة اليومية للشعوب المحتلة. وهو نجاح حقيقي للاستعمار الجديد المسلح بالإعلام والقوة الناعمة، إذ يشغل الناس بالاعراض الجانبية وتعاطي المسكنات بدلا من تشخيص المرض وإيجاد العلاج الحقيقي. مما يضعنا أمام صياغة مغايرة للأسئلة، فمن هي الدولة المسؤولة عن غزو أفغانستان والعراق، واحتلالها وتخريبها بشكل شبه كلي، على مدى عشرين عاما، مسببة موت مايقارب المليون من سكانها؟
وكيف رعى الاحتلال عالما يستخدم فيه من هو على استعداد لمساندته الى حد ممارسة التعذيب، كما تبرع مترجمون عراقيون لئلا تتوسخ أيادي المحققين الانكليز والأمريكيين؟ الاجابة على أسئلة كهذه، قد تقودنا الى تفكيك التمييز بين ما يقدم الينا باعتباره « الإنساني» و«الإرهابي».
كاتبة من العراق