العراق يستردّ 17 ألف لوح طيني مسماري أثري مهرب من الولايات المتحدة، وهي "أكبر مجموعة" أثرية تستعيدها البلاد من بين العديد من القطع التاريخية التي سرقت وهربت خلال سنوات الحروب.
بغداد - يعود رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، ظهر الخميس، إلى بغداد محمّلا بـ17 ألف قطعة أثرية استردّها العراق من الولايات المتحدة، وهي "أكبر مجموعة" أثرية تستردها البلاد وفق وزارة الثقافة.
وأعلن وزير الثقافة العراقي حسن ناظم أن تلك القطع هي عبارة عن ألواح طينية مسمارية أثرية تم تهريبها من العراق من بين العديد من القطع ثمينة الأخرى العائدة لحضارات ما بين النهرين.
وأوضح الوزير أن غالبية القطع المستردة من الولايات المتحدة تأتي من جامعة كورنيل الأميركية التي تملك أرشيفا واسعا لألواح مسمارية قديمة. وسيتم عرض القطع الأثرية العائدة في المتحف العراقي، الذي بدأ يستعيد عافيته ويلملم آثاره التي سلبت خلال سنوات الحروب والأزمات.
وعلى موقع الأرشيف الالكتروني للرُّقم المسمارية التابع للجامعة، تظهر ألواح مسمارية تعود لحقب متعددة من حضارات بلاد ما بين النهرين أسهمت في مساعدة الباحثين في الجامعة على التوصل إلى فهم أفضل للحياة اليومية لسكان تلك الحضارات القديمة.
وتوثق غالبية الألواح المستردّة "تبادلات تجارية جرت خلال فترة الحضارة السومرية"، إحدى أقدم حضارات بلاد ما بين النهرين، عمرها نحو 4500 عام، وفق بيان وزارة الثقافة.
وقال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في مقابلة مع التلفزيون الرسمي، إن منظمات أميركية ساعدت العراق على استعادة آثاره.
وكانت وزارة العدل الأميركية أعلنت الثلاثاء أنها ستعيد للعراق لوحا مسماريا أثريا عمره 3500 عام يوثّق جزءا من "ملحمة غلغامش"، بعدما تبيّن لها أنّه "مُلكية ثقافية مسروقة" أُدخلت إلى سوق الفن الأميركية بطريقة احتيالية.
وكان تاجر أعمال فنية أميركي اشترى هذه القطعة الأثرية، في 2003 من أسرة أردنية تقيم في لندن، وشحنه إلى الولايات المتحدة من دون أن يصرح للجمارك الأميركية عن طبيعة هذه الشحنة. وبعد وصول اللوح إلى الولايات المتّحدة باعه التاجر في 2007 لتجار آخرين مقابل 50 ألف دولار وبشهادة منشأ مزورة.
وفي 2014 اشترت هذا اللوح بسعر 1.67 مليون دولار أسرة غرين التي تمتلك سلسلة متاجر «هوبي لوبي» والمعروفة بنشاطها المسيحي، وذلك بقصد عرضه في متحف الكتاب المقدس في واشنطن.
لكن في 2017، أعرب أحد أمناء المتحف عن قلقه بشأن مصدر اللوح بعدما تبين له أن المستندات التي أبرزت خلال عملية شرائه لم تكن مكتملة. وفي سبتمبر 2019 صادرت الشرطة هذه القطعة الأثرية.
العراق يستعيد تاريخه المفقود
وتتعرض الآثار العراقية للتهريب منذ عقود طويلة، وفق ما أوضح مدير آثار وتراث البصرة قحطان العبيد. ويشرح الخبير أنه "ليس ممكنا إحصاء عدد القطع الأثرية التي سرقت من المواقع الأثرية مباشرة، لأنها غير مرقمة"، وأيضا غير معروفة أو غير مكتشفة بعد، بالأخص في المناطق التي شهدت نزاعات مسلحة.
ويوضح أن "عمليات السرقة تلك بعضها مقصود ويأتي في إطار الجريمة المنظمة"، فيما أخرى "تكون غير مقصودة، لا سيما في المناطق النائية حيث يلجأ السكان المحليين إلى البحث عن الأحجار الكريمة وبيع قطع أثرية بهدف تأمين المعيشة اليومية ولا يعرفون مدى قيمتها وأهميتها".
وتعرضت المواقع الأثرية في عموم العراق إلى تدمير وسرقة وإهمال كبير، خلال الحروب التي مرت بالبلاد خلال السنوات الماضية، خصوصا في المرحلة التي أعقبت غزو التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لإسقاط نظام صدام حسين العام 2003.
وسرقت من متحف بغداد وحده نحو 15 ألف قطعة أثرية، و32 ألف قطعة من 12 ألف موقع أثري بعد الغزو الأميركي.
وبلغ عدد القطع الأثرية التي تمت استعادتها من الخارج 4600 قطعة أثرية، وفق مدير عام دار المخطوطات العراقية، المتحدث باسم وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية أحمد العلياوي.
وبالنسبة للقطع التي سرقت من المتاحف، "فهي موثقة، وتمت استعادة البعض منها التي كانت تعرض في الأسواق العالمية"، وفق العبيد، من خلال هيئة الآثار والتراث العراقية.
ودمّر تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على ثلث مساحة البلاد في يونيو 2014، الكثير من المواقع الأثرية غالبيتها في شمال العراق. ويقول خبراء الآثار أن الجهاديين دمروا قطع الآثار الكبيرة وسرقوا القطع الصغيرة للاتجار بها.
ويعمل العراق جاهدا لاستعادة الآلاف من القطع الأثرية بالتنسيق بين وزارة الثقافة ووزارة الخارجية. ولازال العراق يستعيد قطعا أثرية نقلت إلى دول في آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية.
وقال وزير الثقافة إن استعادة القطع من الولايات المتحدة "حدث كبير، وآمل في المستقبل القريب العمل الجاد أيضا مع سفاراتنا في العالم، وفي أوروبا تحديدا لنستعيد بقية آثارنا".