المعرض العام في دورته الـ 42: محاولات التخلص من أوهام ما بعد الحداثة
منذ 5 ساعات
للفنان جلال الحسيني
محمد عبد الرحيم
0
حجم الخط
القاهرة ـ «القدس العربي»: يُقام حالياً في (قصر الفنون) في دار الأوبرا المصرية في القاهرة الدورة الـ 42 للمعرض العام، الذي يُعد الظاهرة الأكبر في المعارض التشكيلية المصرية التابعة للدولة، التي من خلالها يمكن الكشف ـ إلى حدٍ ما ـ عن مسيرة الفن التشكيلي المصري، سواء سمات تطوراته أو تراجعه. وبغض النظر عن عنوان هذا العام «الفن ذاكرة الأمة» وهو يبدو كالكليشيه أكثر منه عنواناً مُعبّراً، إضافة إلى التجهيل المتعمّد من قِبل لجنة اختيار الأعمال، بالنسبة لمعايير اختياراتها، وهذا ما يكشف عنه تباين الأعمال المعروضة، ما بين الحرفية، والتي لا ترقى حتى لأعمال الهواة. من ناحية أخرى لم تسلم الأعمال من تكرار بعض الأسماء التي أصبح أصحابها وجوهاً مألوفة، حتى لو كان العمل قديماً وأعيد تقديمه أكثر من مرّة، ناهيك من مستواها الفني والجمالي، وهو إما متكرر، أو فاقد أهلية العرض من الأساس، فما بين الأسماء المعروفة والأسماء الشابة، أو الجديدة فارق شاسع، ومن الجيد ـ حتى لو دون قصد ـ وضع هذه الأعمال معاً في معرض واحد، ربما يستحي المشاهير أو المفروضين على المشهد التشكيلي مما يقدمون، لكنهم في الغالب لا يأبهون وقد استكانوا إلى ما يتوهمون أنهم أنجزوه. وسنحاول استعراض الملامح العامة للمعرض من خلال أعمال تحمل فكراً ورؤية مختلفة، بعيداً عن زبائن وزارة الثقافة ومعارضها المعهودين. ملحوظة.. أشار القائمون على المعرض أن المشاركين بلغ عددهم 270 فناناً ـ في رواية أخرى 287 ـ قدّموا 353 عملاً فنياً.
للفنان محمد عبد المقصود
وهم ما بعد الحداثة
أخيراً انتبهت الأجيال الجديدة من الفنانين المصريين، أن ما بعد الحداثة أصبحت موضة قديمة، بعدما انجرفت أجيال عديدة من الفنانين وراء أوهام صخب هذه الرؤية، فقدمت فناً أكثر تقليداً ومجاراة لفن غربي اندثر أو أصبح ينال من السخرية أكثر ما يناله من التقدير، لكن بما أننا من مستهلكي الفن، فقد أعجبنا بصخب ما بعد الحداثة الذي انتهى في الغرب، وتلقفه الفنان المصري وكأنه فتح جديد في الفن، ورأينا سخافات وشخوصا لا تؤمن لا بنفسها ولا بما تنتجه من فن، وبالطبع فالمشكلة في المتلقي ــ الجاهل ـ أما هم فلا يعتصمون إلا بالاستسهال أو الاستهبال والتهريج حد التبجح، إلا أن بعض من فناني هذا العام حاولوا تحديد هويتهم الفنية ــ بعضهم ــ دون السعي وراء موضة انتهت، وأعمال تثير الضجر أكثر ما تثير من حس جمالي، هو الهدف الأخير والأسمى لكل عمل فني طموح، أو على الأقل يُعبّر عن صاحبه، حتى ولو أغضب متعهدي النقد الفني وعصابات اليد العليا، الذين يقولون هذا فنان وهذا لن يكون شيئاً. المهم أن بعض الأعمال جاءت لتبطل زعم هؤلاء، والذين سيهللون لها بالطبع، فهم ـ عجائز الموهبة ـ لا يستطيعون لحظة التغيّب عن المشهد.
للفنان أحمد الحداد
تجارب لافتة
على الرغم من وجود العديد من الأعمال اللافتة، إلا أنه من الصعب التعرض إليها في مقال واحد، لكن سنحاول اختصار الأمر قدر الإمكان، لنلحظ عدة سمات تكاد تسيطر، وكأنها نغمة عامة تعلو على جميع الأعمال، ويبدو ما يخالفها وكأنه النغمة النشاز. ومن هذه السمات.. الحرص على التشخيص، تصويراً أو نحتاً أو فوتوغرافيا، كما في أعمال الفنانين جورج صبحي، أحمد مدني، محمد الفيومي، وسهير العدوي. المنظر الطبيعي بمكوناته الكلاسيكية، كما في العمل التصويري للفنان زكريا حافظ والفنان خالد زكي، كذلك الفنانة سلمى حسين من خلال الفوتوغرافيا، حيث الشخصية وارتباطها بالمكان ككل لا يتجزأ. وأيضاً استحضار الحِس الشعبي المصري، سواء من خلال الألوان الزيتية، كعمل الفنان حسني أبو بكر، أو الألوان المائية، كما في لوحة الفنان جلال الحسيني، إضافة إلى عمل الفنان مصطفى بط، والذي يقترب كثيراً من أجواء سيريالية حامد ندا وعبد الهادي الجزار. وفي هذه الأعمال الأخيرة تبدو السمة الاحتفالية بتراث ومعتقدات الشعب المصري، دون نظرة تعال واهية، أو استخفاف، بل بحث وتمجيد لهذه الروح التي ربما غابت كثيراً الآن. فكرة التشخيص كذلك لم تغب عن الأشياء وعلاقتها، كما في العمل الفوتوغرافي للفنانة أسماء العماوي، فبين السلاسل الحديدية والجدران حكايات تطول.
الفنان حسني أبو بكر
العودة إلى الحداثة
فطن أغلب أصحاب معرض هذا العام إلى التوقف وعدم اللهاث وراء تهويمات وتجارب ما بعد الحداثة ـ بوعي أو دون ـ ولم يعد اللعب للعب هو الأساس، بل هناك أفكار تتم معالجتها وفق قواعد كلاسيكية، دون نسيان التطور الفني والفلسفي. مع ملاحظة أن نظرة العودة إلى الحداثة هذه بدأت في الغرب مع بداية تسعينيات القرن الفائت، وكان علينا الانتظار لأكثر من ربع قرن حتى نلتفت لما حدث، لذلك نجد غياب التقنيات والعمل من خلالها على اللوحات، التي كانت هي السائدة والمسيطرة في الدورات الأخيرة للمعرض، حتى أن لوحة طبيعية أو عادية تعتمد الفرشاة والألوان كانت بمثابة العمل الغريب وسط هوس التقليد، وتجاوز انعدام الموهبة، من خلال ألعاب تقنية بلغت قدراً كبيراً من التهافت والسخف.
الفنان حسني أبو بكر