في ذكرى يوم عاشوراء
د. سعد ناجي جواد
[size=32]في ذكرى يوم عاشوراء[/size]
لم يختلف الكتاب والمؤرخون في وصف المذبحة التي وقعت عام 61 للهجرة (680م)، في العاشر من شهر محرم الحرام، التي استهدفت احفاد رسول الله محمد ﷺ رجالا ونساءا، بانها كانت فاجعة انسانية كبرى كان الغرض منها ابادة النسل النبوي الشريف، لاسباب سياسية تتعلق برغبة الامويين للاستئثار بالحكم، ولان خلفاء بني امية علموا جيدا ان استحواذهم على الملك لن يكون مشروعا طالما بقي من النسل النبوي الكريم من يعتقد الناس انهم احق بالملك منهم. وهذه العملية استمرت بعد ذلك واتبعها خلفاء بني العباس، الذين اعتمدوا في دعوتهم على حقيقة انهم من بيت النبوة ثم قاموا بعد ان وصلوا للحكم بتصفية كل من شعروا بانه يمثل خطرا على حكمهم من هذا البيت، او كل من ثبت انه اقرب الى قلوب وعقول الناس منهم. لا بل واستمرت هذه العملية بعد ذلك ايضا لقرون في كل ارجاء الوطن العربي والاسلامي
ليس الغرض من كتابة هذه الكلمات هو لاضافة بكائية جديدة عن هذ الحدث الماساوي، ولكن للتذكير بان هذه الحادثة إستُغِلَت ابشع استغلال من اطراف كثيرة لتجهيل الناس واثارة عواطفهم لاسباب طائفية، لتمزيق المجتمع الاسلامي. ولان هذه الحادثة جرى تشويهها وتحريفها، وفي بعض الاحيان بصورة لا عقلانية وخيالية ولا اساس لها في التاريخ، من اجل مصالح سياسية بحتة ثم طائفية مقيتة. وبالنتيجة فان الاهداف السامية التي خرج من اجلها الامام الحسين عليه السلام، والاخرين من بعده من بيت النبوة، وسيرتهم العادلة والنزيهة والمتواضعة ونكرانهم للذات وزهدهم بالدنيا ومغانمها، وغير ذلك من السمات المشرفة، كلها ذهبت طي النسيان وبقي التركيز على ما ابتدعته بعض الاقلام والعقول الظلامية المتخلفة من روايات غير موثقة تستهدف اثارة العواطف بدلا من ان تُنشِط العقول من اجل السير على نفس المباديء السامية. وتسابقت الاحزاب الدينية في اظهار نفسها بانها مدافعة عن حقوق آل البيت، وهم يعلمون جيدا انه لو كان هناك حاكما واحدا اصيلا من آل البيت، او ممن يسير على نهجهم الصحيح، لكان قد عمد اولا وقبل كل شيء الى قطع ايادي غالبية قادة هذه الاحزاب لفسادهم ولسرقتهم للمال العام، ولأودع جلهم السجون بسبب الجرائم بحق البشرية التي ارتكبوها منذ ان فكروا بتاسيس احزابهم، وزادوا عليها عندما تسلموا الحكم. وثانيا لكان قد منع كل هذه الشعائر البالية والمتخلفة التي لا تمت الى نضال وجهاد وثورات ابناء واحفاد ال البيت الكرام. فهل يعقل مثلا ان يقبل احفاد الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام الذي قال عندما نُصِبَ (جئتكم بثوبي هذا فان خرجت بغيره فانا خائن) ان يقبل باشخاص اتوا معدمين ثم اصبحوا من اصحاب المليارات عن طريق نهب المال العام والمشاريع الفاسدة؟ وهل يقبل الامام الحسين الذي قدم ابناءه واخوته ونساء عائلته الشريفة قربانا لاصلاح امور الدولة التي تفشى فيها الفساد، ان يقبل بمشهد سياسين فاسدين ينهبون الاموال لكي تعيش عوائلهم حياة الرفاهية والبذخ في الخارج، وفي وقت يعيش فيه اكثر من 30% من ابناء البلد تحت خط الفقر. وهل سيقبل بان يبذخ الفاسدين على شعائر بالية بدلا من صرفها على عوائل اضطرت لاخراج اطفالها وابنائها من المدارس للعمل اليدوي لكي يعيلوا عوائلهم؟ وهلا فكر هولاء الذين يكنزون في بطونهم السحت الحرام ويحاولون ان يصرفوا النزر اليسير منه للتغطية على سرقاتهم بان ما يصرفونه يمكن ان يبني مدرسة بدلا من المدارس الطينية؟ او اخرى في المناطق التي لا توجد فيها حتى غرفة صغيرة واحدة يدرس فيها الاطفال؟
لكن هولاء الفاسدون والذين اتوا بعد الاحتلال ومن كل المكونات والمذاهب والقوميات بدون استثناء، ومن كان ولا يزال يرشدهم ويدربهم، يعلمون جيدا ان خير طريقة للاستمرار في الحكم ونهب المال العام هي تجهيل الناس ونشر الامية واهمال التثقيف والثقافة التي تنور عقول الاجيال وتجعلهم يرفضون كل ما هو بال، وكل خرافة لا يقبلها العقل والمنطق. وعن هذا الطريق فقط سيجدون من ينتخبهم ويعيد انتخابهم في كل مرة.
لا يمكن لقاتل او فاسد او مفسد ان يدعي حبه لال البيت ولا تمسكه بمبادئهم، ولا يجب ان نُصدِق دموع التماسيح التي يذرفونها في ذكرى فاجعتهم، لسبب بسيط ان كل ما فعلوه ويفعلونه هو مغاير لنهج ال البيت الكرام، بل هو خيانة لمبادئهم ولِما ضحوا من اجله. والعتب ليس على هولاء الفاسدون ولا على القوى الخارجية التي تدعمهم من اجل مصالحها وليس لمصلحة الشعب العراقي، وانما العتب على بعض المتنورين من العراقيين الذين مازالوا يدعمون هذه الوجوه الفاسدة، واكرر من كل المكونات، لاسباب طائفية وعنصرية وسياسية ملوثة، والعتب اكبر على كل المرجعيات الدينية التي تدعي دفاعها عن الدين والمبادىء السامية التي يمثلها، التي سكتت وتسكت عن كل هذا الفساد والانحدار القيمي والاخلاقي، والاخطر انها تسكت على بعض من هم من داخلها، ثبت انهم اطراف مشاركة في الفساد ونهب المال العام باساليب ملتوية، مغلفين ما يقومون به باغلفة دينية كاذبة وطائفية مقيتة وعنصرية شوفينية. وفي بلد ومجتمع يتم فيه تدريب الاطفال في المدارس على ممارسة المظاهر البالية والمتخلفة، والتي لا يوجد لها اي جذور في تاريخنا الاسلامي والعربي، لا يمكن ان تكون هناك نهضة حقيقية تنهي هذه الحالة المزرية. ولهذا فان ابناء العراق الغيارى مطالبون بان يعملوا على ازالة هذه الطغم الفاسدة والتي تسرق اموالهم باسم الدين، وان لا يعيدوا انتخابهم مرة اخرى، لكي تبدا الخطوة الاولى في مجال الاصلاح واعادة بناء النظام التعليمي على اسس صحيحة وعلمية، ويعاد الاهتمام ببناء المدارس واعادة تاهيل الجامعات وتشذيبها من كل ما علق بها من ادران التخلف والمنتفعين منه. واذا لم يحدث ذلك فان التظاهر بالحزن الكاذب على ماساة ال البيت في عاشوراء، والادعاء بالالتزام بمباديء ال البيت الشرفاء السامية يبقى الوسيلة الاسهل للضحك على الذقون وعلى الجهلة الذين يزداد عددهم يوما بعد يوم. وعسى ان يتذكر الناس قول الرسول الكريم ﷺ الخالد (من غشنا فليس منا) لكي يكون مرشدا لهم في الانتخابات القادمة.