نعـم انتصرت طالبان ولكـن فـي عقـول ومنطق الســذج ليس إلا !!!!
د.احمد الأسدي
ناشط مجتمعي عـراقي
نعـم انتصرت طالبان ولكـن فـي عقـول ومنطق الســذج ليس إلا !!!!
ليس جديدا علينا أن نسمع ونقرأ ونشاهد كل هذا الهرج والمرج عن انتصار طالبان المزعوم وهزيمة أمريكا وهروبها من أفغانستان , و تحديدا على ألسن ( الشعاراتيين ) والحالمين وأصحاب الرؤيا القاصرة الذين لا يتحسسون أبعد من أرنبة أنوفهم , ومعهم (مخرومين ) الذاكرة الذين ما عادوا يتذكروا ما كتبوا بالأمس القريب بعنوان ( هل ستسدد المقاومة الوطنية العراقية كلفة اتفاق_ واشنطن طالبان المُحتمل ؟ ) , عندما اتهموا طالبان في حينه وهذا في بداية مفاوضات ( واشنطن _ طالبان ) في الدوحة نهاية ولاية بوش الابن الثانية بالعمالة إلى الولايات المتحدة وإن اتفاقها المحتمل هو للمقايضة برأس ما كانوا يسمونه ( المقاومة العراقية ).
ليس دفاعا عن أمريكا ولا عن سياساتها ولا عن جرائمها ,فموقفنا واضح من ذلك , ولكـن العقل والمنطق والمصداقية في مناظرة الأحداث تفرض علينا أخلاقيا أن نقرأ الواقع بما هو عليه وليس بما نضمر وما نتمنى وما نحلم وما يطابق توجهاتنا الفكرية والسياسية , حتى لو كان الأمر لا يصب في مصلحتنا .
مشكلة هؤلاء الذين عاشوا طوال حياتهم المجتمعية والسياسية غارقين في مستنقع الشعارات والثوريات الفارغة , تكمن باعتقادهم إن من خلال لي أطراف الحقائق يمكن أن يجدوا من يصفق لهم , بعد أن ركلهم الزمن بماضية وحاضره , لذلك نراهم يتقافزون بين خنادق المواقف ويناقضون أنفسهم , حيث متلازمة التلفيق منهجية لهم تذهب معهم إلى قبورهم , متناسين إننا نعيش في عصر المعلومة الموثقة , وما عاد هناك شيء يمكن إخفاءه والتستر عليه , والطامة الكبرى ليس فيهم في طابع الحال وحسب , لكن بالذين يصدقونهم ويتبعونهم كالإمعات من دون أن يتركوا فسحة من التعقل لأنفسهم قبل أن يطلقوا عنان الغباء والسذاجة للهيمنة على عقولهم .
الذي لا يفرق بين مفهوم الهزيمة وبين مفهوم الانسحاب المسبوق بالتفاوض , والمبني على أساس أولويات المصالح وضرورات الأمن القومي ودائرة الصراعات الدولية وتحدياتها , ويصر على عدم التفريق هذا ويستقتل في البناء على الخلط بين المفاهيم , فهو ليس جاهل وإنما واحدة من اثنتين , أما غارق بالغباء أو مُلفق صاحب غاية يجد ضالته في مجموعة من السذج لترديد ما يريده ببغاوية وبما يصب في مصلحته أو الجهة التي يطبل لها .
الولايات المتحدة فاوضت طالبان منذ نهاية ولاية ( بوش ) الثانية , واستمرت المفاوضات في عهد ولايتي ( أوباما ) وكان ( بايدن ) شخصيا هو المشرف على هذه المفاوضات , ولم تتوقف في عهد ( ترامب ) بالرغم من استعراضاته لعضلات الولايات المتحدة العسكرية في أفغانستان إعلاميا , بل إن إنه ذهب ابعد من الجميع في المفاوضات وهاتف احد قادة طالبان شخصيا ,وكان الاتفاق وبعد أن فرضت واشنطن رؤيتها وشروطها أن يكون الأول من الشهر الخامس 2021 موعدا للانسحاب ,لكن هذا الأمر تم تأجيله أو تجميده لأسباب متعلقة بالانتخابات الأمريكية وتداعياتها , خصوصا وإن ( ترامب ) وجد ضالته في تمرير ملف افغانستان إلى خصمه ( بايدن ) تحديدا والى الديمقراطيين عموما , معتقدا أن في ذلك احراج لهم , متناسيا ولغبائه , إن ( بايدن ) هو المعني بهذا الملف منذ زمن ( أوباما ) ويمتلك رؤية كاملة عنه , حيث كان قرار ( بايدن ) ومنذ حملته الانتخابية هو الانسحاب من أفغانستان وإعادة الجنود الأمريكان الى ديارهم بعد أن حققت هدفها الاستراتيجي الذي ذهبت من أجله في حينه , والمتعلق بتحييد القاعدة والقضاء على ( بن لادن ) واحتواء طالبان , وهذا ما حدث اليوم وفق ما كان مرسوم له ومخطط عسكريا وسياسيا , فأولويات الأمن القومي الأمريكي ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية وترتيبات خرائط صراع واشنطن مع بكين وموسكو وطهران تسبق وجودها في أفغانستان ومنعها لحرب أهلية فيها, أو بناء دوله وفق سياقات ضرورات اليوم التي يراها صاحب القرار الأمريكي .
القوات الأمريكية لم تجلي جنودها ومعداتهم العسكرية وحسب بل حتى الكلاب التي كانت بمعيتها , ولم نشاهد جنديا أمريكيا أو أحد أفراد بعثتها الدبلوماسية قد تركته خلفها , بل الأكثر من هذا أنها عززت تواجدها في مطار كابل ومحيطه بقوات إضافية تقدر بآلاف الجنود من أجل ضمان انسحاب منظم ومسيطر عليه للبعثات الدبلوماسية الأجنبية والمواطنين الأفغان حاملي الجنسيات المزدوجة الراغبين بمغادرة أفغانستان , لكنها في نفس الوقت ليست معنية بأمر المواطنين الأفغان الذين تدافعوا إلى أرضية المطار رغبة منهم بالخروج من بلدهم حلما باللجوء والعيش في اوربا او امريكا , مستغلين حالة الفوضى التي عمت الشارع الأفغاني بعد هروب رئيس الدولة وتسرب الجنود الأفغان الذين خانوا عقيدتهم العسكرية وذهبوا إلى بيوتهم .
إشكالية الخلط بين الحالتين الأفغانية والعراقية التي تهيمن على عقلية البعض تُعبر عن حالة قصور في قراءة الأحداث , حيث أمريكا جاءت للعراق من أجل إسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين تحت مظلة عدم التزاماته بما أسمته وذيولها من الأعراب والغربيين بقرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل المزعومة ,و في غاية تغيير طبيعة النظام الحاكم وإقامة نظام بديل يرتبط بمشروعها وينفذ أجندتها , أما ذهابها إلى أفغانستان فكان الأمر مختلفا كليا , حيث طالبت واشنطن حركة طالبان التي كانت تحكم كابل في حينه تسليم ( بن لادن ) ومن معه من قادة القاعدة وعنصرها إلى الأمريكان , وعندما رفضت طالبان الأمر كان قرار الذهاب إلى الغزو من أجل تحقيق هذا الهدف تحديدا بقوة السلاح , وهذا ما تحقق لهم بعد قتل ( بن لادن ) وتصفية عناصر القاعدة لاحقا , أي إن الإستراتيجية الأمريكية في أفغانستان لم تكن مرسومة على محاربة طالبان والقضاء عليها وإقامة نظام بديل عنها , وبالرغم من انسياق الأمور باتجاه مساعدة الأفغان على إقامة نظام سياسي بعيدا عن راديكالية طالبان الإسلامية , لكن هذا الأمر كان ثانويا وليس جوهريا في حسابات وأولويات السياسية الأمريكية , والدليل على ذلك هي المفاوضات المبكرة ومثلما قلنا مع طالبان لغرض الانسحاب العسكري .
المضحك وليس المستغرب , إن أصحاب الذاكرة المخرومة الذين اتهموا طالبان بأنها أداة بيد القطريين وتنفذ أجندة أمريكية لطعن ما سمي في حينه (المقاومة العراقية ) تنكروا اليوم لكل ما اجتروه بالأمس وجاءوا هذه المرة بعباءة جديدة لينظروا على السذج عن هزيمة أمريكا أمام طالبان وسلاحها البسيط , وعلى نفس المنوال معهم تراقص المطبلين للوجود الأمريكي في العراق ,الذين يعارضون أي دعوات لطرد القوات الأمريكية من قواعدها في (عين الأسد ) في الانبار و(حرير ) في اربيل ممن كانوا يمنون أنفسهم بإقليم أو دولة ( سنية ) و ( كردية ) , نقول تراقصوا محتفين بهزيمة أمريكا وانتصار طالبان المزعوم ولكنهم يتعلقون بأذيالها في العراق من أجل البقاء .
ومرة أخرى نقولها لكل هؤلاء أرحموا عقـولكم إن كنتم فعلا تمتلكون شيء من نعمتها , فلعبة التقلبات بالمواقف أصبحت سمجة , وما تعتقدون إنه قد لفه النسيان فهو حاضرا في الذاكرة , وكل كلمة كتبت بالأمس كأنها قد خطت اليوم ولم يجف حبر حروفها .
drahmadalasadi@gmail.com