العراق يطلق حملة لمواجهة فوضى أسعار الغذاء في الأسواق
الفقراء يبحثون عن حد الكفاف في الأسواق الشعبية
مخاوف انعدام الأمن الغذائي والحوكمة الهشة معضلتان تتربصان بالحكومة.
تتفق تحليلات الخبراء وتقارير المؤسسات المالية الدولية على أن الجهود التي يبذلها العراق لمواجهة فوضى الأسعار في الأسواق التي خلفتها الصدمات الاقتصادية الناجمة عن الجائحة وانهيار أسواق النفط تكشف بوضوح أن الحوكمة الهشة وانعدام الأمن الغذائي يشكلان معضلة كبيرة للحكومة لن يكون بمقدورها حلها بالطرق التقليدية.
العرب/بغداد – أطلقت الحكومة العراقية حملة لتنظيم الأسواق المحلية والسيطرة على فوضى الأسعار وخاصة أسعار المواد الغذائية، في محاولة منها لملاحقة المحتكرين والمضاربين في ظل تدهور قدرة المواطنين الشرائية بعد بروز آثار خفض قيمة العملة المحلية أمام الدولار.
وتلوم شريحة واسعة من العراقيين السلطات على قيامها فجأة قبل أشهر بخفض قيمة العملة بدلا من خفض النفقات العسكرية والنفقات غير الضرورية لمساعدة الناس على مواجهة أزماتهم المعيشية وخاصة ما تعلق منها بالأمن الغذائي، رغم أن الحكومة تقول إن كل السلع متوفرة وإنها تعمل على إعادة النظر في أسعار المحاصيل الزراعية والمنتجات الغذائية.
وعلى الرغم من توفر محاصيل الحبوب في السوق واصلت أسعار الخضروات ارتفاعها في الأسواق المحلية خلال الفترة الماضية، في الوقت الذي أكدت فيه وزارة الزراعة أنها تعمل على فتح باب توريد الطماطم والخيار لمدة محدودة من أجل سد حاجات الشعب اليومية.
ويكابد العراقيون من أجل الحصول على قوتهم اليومي بسبب ظروف البلد المالية والمعالجات الاقتصادية التي أتت بنتائج عكسية، خاصة بعد أن صعد التضخم من واحد في المئة بنهاية العام الماضي إلى قرابة خمسة في المئة حاليا، الأمر الذي فاقم متاعب الطبقة الفقيرة وقد يقصي الطبقة الوسطى من إمكانية تأمين غذائها في المستقبل.
ونسبت وكالة الأنباء العراقية الرسمية إلى المتحدث باسم الوزارة حميد النايف قوله إن “وزارة الزراعة مهمتها تأمين وتحقيق الأمن الغذائي للمواطنين عبر المحاصيل الاستراتيجية التي تصرف في البطاقة التموينية ومنها الحنطة، بالإضافة الى محاصيل الخضروات وغيرها”.
والبطاقة التموينية التي تم إقرار العمل بها في مارس الماضي لم تعد تشمل الأسر التي يبلغ دخلها الشهري 1.5 مليون دينار منذ يونيو الماضي.
وبموجب نظام البطاقة التموينية تتكفل الدولة بتوزيع الموادّ الغذائية الأساسية على المواطنين شهرياً، لكنها تناقصت من 10 مواد قبل 2003 إلى ثلاث مواد رغم ازدياد حدّة المشكلات المعيشية التي تزامنت مع ظهور الأزمة الاقتصادية.
ووجه مجلس الوزراء العراقي في 18 مارس 2021 وزارة التجارة بحجب مفردات البطاقة التموينية عن مجموعة من الفئات “غير المحتاجة”، بدءاً من شهر يونيو، ومن بينها الأسر التي يزيد دخلها الشهري عن مليون و500 ألف دينار عراقي.
وبدأ تطبيق نظام البطاقة التموينية في العراق منذ عام 1991، وقد أصبحت بمرور الزمن السلّة الغذائية للمواطنين، من أجل معالجة جانب من تأثيرات الحصار الاقتصادي الذي فُرض على البلاد بموجب قرار مجلس الأمن الدولي (661) لعام 1990.
وأضاف النايف أن “محاصيل الخضروات مؤمنة وتحت السيطرة بالإضافة إلى قطاع الدواجن فهو مؤمن على الرغم من ارتفاع الأسعار الذي نتج عن الكثير من التدخلات والحلقات التي من الممكن معالجتها في تخفيف واستقرار الأسعار”.
وأكد أن “هناك معالجات حكومية من شأنها تخفيف الأسعار ومنها على نطاق وزارة الزراعة التي تستطيع المعالجة من خلال احتواء المنتج المحلي”، لكنه أشار إلى أن الوزارة لديها فائض بحدود 600 ألف طن من القمح.
واستطاع العراق في 2019 تحقيق إنتاج بواقع 4.75 مليون طن من القمح وبالتالي حقق أمناً غذائياً تاماً ولم يتم الاستيراد من الخارج، وينطبق ذلك على العام الماضي حيث أنتج البلد النفطي أكثر من خمسة ملايين طن.
وكانت بغداد قد وضعت هدفا في المخطط الخماسي للتنمية الذي ينتهي أواخر عام 2022، يقضي بزيادة مساهمة القطاع الزراعي من نحو 5.2 في المئة إلى قرابة 8.4 في المئة مع إمكانية تخفيض الطلب السنوي على المياه بمقدار نصف مليار متر مكعب سنويا.
ويواجه العراق أزمة جفاف كغيره من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جراء الاحتباس الحراري. وأدى ذلك إلى تقلص منسوب الأمطار ما انجر عنه انحسار مناسيب المياه في الأنهار الفرعية بمحافظات البلد الذي يعتبر من أكثر الدول تضررا من هذه الأزمة.
وتقول الأمم المتحدة إن العراق يفقد سنويا 10 آلاف هكتار من أراضيه الزراعية بسبب التصحّر، في الوقت الذي تؤكد فيه لجنة الزراعة والمياه النيابية في البرلمان أن هناك توجها لإنشاء سدود جديدة من أجل مواجهة شح المياه.
وتأتي هذه المخاوف رغم أن العراق تمكن منذ العام 2019 من تحقيق الاكتفاء الذاتي في الكثير من المحاصيل الزراعية، وشجع ذلك الحكومة على إيقاف استيرادها من الدول المجاورة وخاصة إيران وتركيا.
وليس ذلك فقط؛ فقد تأثر العراقيون تأثرا شديدا بسبب تقلص عوائد الخام بعد أن صار الاقتصاد العراقي مرهونا بشكل كبير بسوق النفط العالمية ونتيجة لانخفاض الأسعار جراء الجائحة التي أدت إلى انخفاض الطلب العالمي على النفط. وتظهر بيانات وزارة التخطيط ارتفاع مؤشر الفقر بالبلاد إلى حوالي 27 في المئة من أصل 40 مليون نسمة هم تعداد سكان البلاد بسبب الأزمة المركبة التي يعيشها البلد منذ الغزو الأميركي في عام 2003.
وتتزايد ضبابية الخروج من المشكلة في ظل استمرار تعثر جهود السلطات في البحث عن بدائل لإيرادات النفط، بعد أن فقد المواطن العراقي جزءا من الدخل السنوي، في ظل تسارع تبخر مدخرات النقد الأجنبي وجبل الديون.
ولم تشكل بيانات البنك الدولي التي كشف عنها مؤخرا بشأن الانخفاض الكبير في نصيب الفرد العراقي من إجمالي الدخل الإجمالي بنحو ألف دولار تقريبا، مفاجأة للكثير من المحللين بالنظر إلى سوء إدارة الحكومات المتعاقبة للسلطة منذ الإطاحة بصدام حسين.
وأشار البنك الدولي في إحصائية رسمية إلى أن نصيب الفرد العراقي من إجمالي الدخل القومي خلال العام الماضي بلغ 4.66 ألف دولار منخفضا عن سنة 2019، والتي بلغ نصيب الفرد فيها 5.49 ألف دولار. وكان أعلى دخل للفرد العراقي خلال العقود الأربعة الماضية قد تم تسجيله في عام 1990، حيث بلغ أكثر من سبعة آلاف دولار بقليل قبل أن يهبط إلى 70 دولارا في عام 1991 ليعاود الارتفاع بعد عام 2003.