أي مستقبل للصحافة في العراق بعد استهدافها بشتى الطرق
تضاؤل تدريجي لعدد الصحف
لا تؤثر الاعتداءات على الصحافيين والقمع الممنهج ضد المؤسسات الإعلامية فقط على من يتعرض لها، بل تشكل ضربات متتالية للصحافة العراقية تجعلها غير قادرة على العمل والتغطية الإخبارية والبحث الاستقصائي، والتأثير على الرأي العام.
العرب/بغداد- تقف الصحافة العراقية على أعتاب مستقبل قاتم مع اشتداد موجة التضييق والقمع ضد الصحافيين ووسائل الإعلام ابتداء بالقوانين إلى الاعتقال والاختطاف واستهداف المقار الإعلامية وحتى منازل العاملين فيها بالاعتداءات لترويعهم مع عائلاتهم.
ويبدي صحافيون عراقيون قلقا كبيرا جراء تعرض حرية الإعلام في العراق للخطر نتيجة لضغوطات سياسية تمارسها أحزاب وقوى ضد المؤسسات الإعلامية من جهة، وما يواجهه الصحافيون من جهة أخرى.
واستهدف مسلحون مجهولون منزل الصحافي علي فاضل في محافظة ديالى بعبوة صوتية، ليل الجمعة، وأسفرت عن وقوع أضرار مادية في الواجهة الأمامية للمنزل.
وعبر فاضل الذي عمل في العديد من الوكالات المحلية، لجمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق عن مخاوفه بعد تعرض منزله لحادثة التفجير، دون أن تكون هناك أي مؤشرات لتهديده، أو أي خلافات مع جهات مسلحة أو سياسية، أو عداء شخصي، ورجح أن يكون الحادث جاء على خلفية نشره تقارير انتقد فيها الأحداث الحالية وأداء الحكومة المحلية في ديالى.
ولا تنفصل الحادثة عن الهجمات المتزايدة على الصحافيين والصحافيات وتعريض أسرهم إلى مخاطر مختلفة لمنعهم من الحديث عن مواضيع حساسة أو نقل الأحداث والمظاهرات وقمع الأمن للمحتجين.
وبعد يوم واحد من تفجير منزل فاضل، اعتقلت قوات حكومية ثلاثة صحافيين أثناء محاولتهم تغطية حدث أمني غربي محافظة كركوك شمالي العراق.
وأفاد مصدر أمني في كركوك، أن قوات أمنية اعتقلت ظهر السبت ثلاثة صحافيين لدى قناتي “أن.آر.تي” و”كركوك تي.في” و”وكالة الأناضول” التركية، أثناء وجودهم في منطقة “شحل”، بناحية سركران التابعة لقضاء الدبس، غربي محافظة كركوك. وأوضح المصدر أن “قوات أمنية اقتادت الصحافيين إلى أحد المراكز الأمنية دون معرفة الأسباب”.
كما يلجأ بعض السياسيين إلى طرق جديدة للضغط على الصحافيين، من بينها تكليف شيوخ عشائر “وهميين” برفع قضايا ضدهم، بتهمة تهديدهم أو الاعتداء عليهم، وبذلك استطاع الساسة إخراس الكثير من الأصوات المعارضة لهم، ووضع خصومهم في قفص الاتهام.
ويرى عراقيون أن العشائر باتت تشكل “دولة داخل الدولة” في بلدهم، حتى إن الحكومة تتردد كثيرا في التعاطي مع مشاكلهم، خوفا من خسارة قواعد انتخابية مهمة.
وتضاف هذه الأحداث إلى جملة من القوانين القديمة وأخرى يجري التحضير لها من شأنها أن تسلب وسائل الإعلام المزيد من الحريات، إلى جانب تهديد الجيوش الإلكترونية على مواقع التواصل لبعض الصحافيين والمدونين.
وبقرار قضائي قررت الحكومة تشكيل لجنة متخصصة بمراقبة محتوى النشر في مواقع التواصل، لرصد المخالفات التي وصفتها بالدينية والأخلاقية، وسط مخاوف من تصعيد جديد على حرية التعبير واتساع سياسة تكميم الأفواه. وواجه الشارع العراقي لاسيما الناشطون والمدونون هذا القرار الحكومي بالرفض القاطع، لما يترتب عليه من قمع ممنهج وسلب لحرية الرأي والتعبير.
ورغم وجود بعض القوانين لحماية الصحافيين مثل الذي أقر عام 2011 الذي يضمن حماية كاملة من تجاوزات مختلف الأطراف، لكن معظم المؤسسات الإعلامية تدرك أن هذه القوانين لا يتم تنفيذها على الوجه الأكمل وهي مجرد حبر على ورق، ولا تشكل لها درعا حقيقيا ضد الاعتداء والابتزاز.
ويرى البعض أن كل هذه الأسباب عرضت “الإعلام المهني” للوهن وهو لم يكن عشوائياً، بل تم العمل على جعله عاجزاً عن مواجهة ظواهر الفساد بفعالية، حتى يكون الرأي العام مهيئاً للأدلجة وللبروباغندا الحزبية التي تسعى إلى دفع الجمهور لاتجاهات محددة.
وقال صحافي، فضل عدم كشف عن اسمه، خوفاً من الملاحقة بأن “أزمة الصحافة متعددة الأوجه، فهي طوال سنوات لم تكن قادرة على التأثير، وهي اليوم غير قادرة على قول الحقيقة خوفاً من الاستهداف”.
وأوضح أن المؤسسات الصحافية التي تحاول التزام المهنية “تعاني بشدة في ظل ثنائية التمويل والتهديد، إذ أن غياب الإعلانات وملاحقة الصحافيين إلى حد تصفيتهم، يجعلان من الصحافة مهنة قاتلة، فيما الأحزاب النافذة تعمل بكل قدرتها على احتكار المشهد الإعلامي عبر منصاتها التي لا ينقطع تمويلها رغم ضعف أدائها. وبالنهاية لن تسمح للصحافيين بالعمل وستواجههم بالرصاص حين الاقتراب منها دون أن تجد أحداً يحاسبها”.
وتم إضعاف الصحف المطبوعة بشكل أدى إلى إغلاق الكثير منها، ثم جاءت الضربات ضد الصحافة الإلكترونية التي هرب بعض الصحافيين إليها. ومع بروز الشبكات الاجتماعية كبديل قوي لنشر المعلومات وكشف الحقائق، أطلقت الأحزاب جيوشها الإلكترونية لتنشر الأخبار الكاذبة فيها.
ويتهم صحافيون عراقيون نقابة الصحافيين بالتقاعس عن الدفاع عنهم، وعدم الوقوف إلى جانبهم في الكثير من القضايا، حيث يندر أن يصدر عن النقابة بيان تعلن فيه إدانتها للتهديدات والاعتداءات التي يتعرض لها العاملون في قطاع الإعلام في البلاد.
وطالب مكتب مفوضية حقوق الإنسان في ديالى، بخطط متكاملة لحماية الصحافيين من سلوكيات العنف وتداعيات التنافس الانتخابي غير المشروع، إذ يتم أحيانا استهداف المرشحين بالأخبار الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي بالتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في أكتوبر المقبل.
ويرجح مراقبون في ديالى تصاعد عمليات الاستهداف وحوادث العنف ضد الشخصيات الإعلامية والمدونين والناشطين المدنيين مع قرب موعد الانتخابات واشتداد التنافس بين قوة متعددة الطوائف والانتماءات.
وعلى خلفية استهداف منزل مراسل صحفي بقنبلة يدوية في بعقوبة، قال مدير المكتب صلاح مهدي المجمعي “يجب اعتماد خطط أمنية واستخبارية لحماية الصحافيين والمرشحين والمناطق الآمنة من هجمات عنف محتملة ومنافية لحرية التعبير في ظل تصاعد حمى التنافس الانتخابي في المحافظة”.
وأضاف أن “تقييد حرية التعبير وعدم تقبل الانتقاد والرأي الآخر سلوكيات منافية للعملية الديمقراطية وحرية الفرد الشخصية والثقافية”، عازيا اتساع حوادث الاستهداف إلى “عدم إقرار قانون الجرائم المعلوماتية والذي يجب إقراره والاتفاق على نقاطه الخلافية والمثيرة للجدل وتسويتها”.
ولفت المجمعي إلى “وجود المال السياسي والنفوذ وعدم الشعور بالمسؤولية واللامبالاة بقوة القانون والدولة، ربما تستغل للوصول إلى قبة البرلمان ما يولد استهدافاً لحياة المواطن وتكميم الأفواه بالقوة”.
ودعا إلى “توثيق التعاون بين الصحافيين والأجهزة الأمنية لمنع وقوع حوادث الاستهداف والحد من أضرارها إلى جانب سرعة إنجاز التحقيقات الأمنية في ظل وجود كاميرات المراقبة وأجهزة الكشف وإعلانها بشكل شفاف للرأي العام”.
ويحتل العراق المرتبة 163 من أصل 180 دولة على قائمة حرية الصحافة لعام 2021 التي أصدرتها منظمة “مراسلون بلا حدود” الدولية.