عندما کنت ضيفا عند الامام الخميني (٣ ـ ٣)
نزار جاف
عندما کنت ضيفا عند الامام الخميني (٣ ـ ٣)
بعد إن طفح الکيل بسلطات معسکر برندك في إجبار الاسرى العراقيين المتواجدين في الکمبات الثلاثة لمعسکر برندك للأسرى العراقيين ونقصد کمب نامجو، وکمب کلاهدوز وکمب فکوري والاخير خاص بالضباط العراقيين الاسرى فيما الکمبين الآخرين خاصان بالجنود والمراتب العسکرية العراقية، بأن ينقادوا ويخضعوا لضغوط النظام الايراني عبر الاساليب المتبعة، فإن الاعوام التالية ولاسيما بعد عام 1982، حيث شهد تدخل النظام الايراني العقائدي بين صفوف الاسرى بواسطة مرتزقة عراقيين من أتباع حزب الدعوة و منظمة العمل الاسلامي وآخرين من المهجرين العراقيين الى إيران، حيث أثمرت تلك العملية عن التأثير على عدد کبير من الاسرى العراقيين في معسکر الحشمتية في طهران، وقد کان النظام الايراني يقوم بنقل الاسرى الذين يتجاوبون مع عمليات غسيل الدماغ من مختلف معسکرات الاسر في إيران الى معسکر الحشمتية التي صارت کقاعدة اساسية لهم حيث کانوا يدعون بالاسرى التوابين، وحتى أن ثلة الملتحين أيضا قد تم نقلهم الى معسکر الحشمتية، کان ذلك في العام 1983، ولکن و بعد عام أي في العام 1984 قام المسؤولون في المعسکر بإفراز الاسرى العراقيين الذين يتسمون بالهدوء والالتزام و جمعهم في قسم جديد تم إستحداثه.
ذات صباح نهضنا على هتافات دينية ذات صبغة طائفية نظير: (قسما بالزهرة المظلومة کل بعثي نقطع زردومه)، أي قسما بالزهراء المظلومة نقطع حنجرة کل بعثي، ولأن قسمنا کان يقابل مرکز آمرية المعسکر فإننا کنا نرى من خلال الشبابيك کل شئ، فشاهدنا عدد کبير من الاسرى الملتحين کان يصل عددهم الى أکثر من 200، حيث تم توجيههم الى القسم الرابع من کمب نامجو الذي جمعوا فيه الاسرى الهادئين والملتزمين بنظام المعسکر.
في مقابل ذلك کان يتم أيضا نقل أسرى قادمين من معسکر الحشمتية بحجة کونهم بعثيين او غير ملتزمين دينيين، وکان جلهم من المثقفين و المتنورين، صحيح أنه کان بينهم بعثيين، لکن عددهم کان ضئيلا، إذ کان بين القادمين صحفيين و مخرجين و فنانين و شعراء و خريجي جامعة بشهادات ماجستير و دکتوراه، هؤلاء، حدثونا بأن الايرانيين قد قاموا بتمييع مجاميع حزب الدعوة في بوتقة ال”حزب الله”ية، و التي کانت تؤيد المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق التي کانت في البداية برئاسة آية الله محمود الهاشمي الذي صار فيما بعد رئيسا للسلطة القضائية في النظام.
ويوما بعد يوم بدأت العملية تتطور و تجري عمليات مايسمونه”فتح الکمبات”، أي أن هذه الکمبات مناطق للجاهلية يفتحها المسلمون العقائديون القادمون من “بلد النور!” الحشمتية، و بقيت الکمبات الثلاثة الاساسية في المعسکر، ومن ضمنها کمبنا، حيث بدأوا بإخضاعها جميعا للتجويع و الحصار و تقليل ساعات الخروج وتقنين المياه والسيکاير والسکر والشاي والفواکه والخبز وساعات مشاهدة التلفاز، والمثير للسخرية إنه أساسا کان کل شئ قليل فتصوروا ماذا يعني تقليل القليل من أساسه!
ولم يطل الامر فقد نهضنا ذات يوم على دخول المعسکر أعداد کبيرة من الاسرى العراقيين الذين کانت قد تم غسل أدمغتهم والذين کان النظام يسميهم(التوابين) في حين کانت تسميتهم في الکمبات الثلاثة لمعسکر برندك(الدعوجية) أي إنهم تابعين لحزب الدعوة، وقد کانت أعدادهم کبيرة وأقتادوهم برفقة الجنود المدججين بالاسلحة والهراوات الى کمب کلاهدوز ودخلوه عنوة بمساندة ودعم الجنود الايرانيين، وحدث نفس الشئ فيما بعد لکمبنا وکمب فکوري، ولکن القصة لم تنتهي عند هذا الحد، بل حدث تطور غريب لم يکن في الحسبان أبدا، إذ أصبحت هذه الکمبات تحت إدارة لجان الاسرى التوابين التي تشرف عليه وتوجهها اللجنة الثقافية للأسرى والتي تتبع مجلس الددفاع الايراني الاعلى، وکان يزور هذه اللجان بإستمرار شخص يدعى(الدکتور حسين)، ولم يکن أحد يعلم عنه شيئا لکنه کان يتکلم اللهجة العراقية بطلاقة، وکان مهندما ويمتلك تسريحة شعر أشبه بأبطال أفلام هوليود في الستينيات من القرن الماضي، وتحت أشراف هذا المکنى بالدکتور حسين بدأت واحدة من أفظع العمليات الدموية وأکثرها قذارة بحق الاسرى العراقيين، حيث تم إتهام أکثر من 380 أسيرا عراقيا من الذين لم يتمکن النظام الايراني من غسل أدمغتهم بأنهم ضباط في المخابرات العراقية، وکنت شخصيا من بين هٶلاء المتهمين حيث إتهموني بأنني (عقيد رکن) في مخابرات القصر الجمهوري ومرتبط ببرزان التکريتي!! والمصيبة إن الدکتور حسين کان بنفسه يشرف على عمليات التحقيق الغريبة من نوعها والتي کانت تشمل عمليات تعذيب وحشية يقوم بقسم منها هذا المدعو دکتور حسين فيما کان تساعده مجموعات من الاسرى التوابين وشمتل عمليات التعذيب التعليق من الذراعين وقلع الاسنان والاظافر والجلد والصفع والرکل وحتى أمور أکثر دناءة کالبول على بعض من المتهمين تحقيرا لهم، وشخصيا تعرضت لقلع أثنين من أسناني وبعضا من أظافري إضافة الى التعليق والضرب المبرح.
عمليات التحقيق والتعذيب کانت تجري في الکمبات تحت أنظار الايرانيين الذين کانوا يتظاهرون بأنهم لايعلمون شيئا عنها ولکن ومع إن العديد من الاسرى الدين کانوا يتعرضون للتعذيب قد إشتکوا عن سلطات المعسکر وأخبروهم بما يجري من فظائع لکن الامر رغم ذلك إستمر مما کان يدل إن للموضوع صلة قوية بهم، وقد بلغت بشاعة عمليات التعذيب والضغوط الجسدية والنفسية الهائلة التي کان الاسرى المعذبين يتعرضون لها حتى إن أحد من الاسرى المتمهين قد قام ذات يوم وعندما کانت تجري صلاة(المغرب والعشاء) في کمب نامجو بأن قام هذا الاسير الى الصعود الى برج حراسة الاسرى بغتة مستغلا ظرف الصلاة وهناك صاح بأعلى صوته بأنه برئ من التهمة الموجهة له ولاعلاقة له بجهاز المخابرات وقد قفز من هناك وقضى نحبه ليتخلص من کل تلك المحنة.
أما عن کيفية إنتهاء مهزلة إتهام الاسرى العراقيين بکونهم ضباط مخابرات فقد کان على أثر تصريح لوزير الخارجية الامريکي جورج شولتز في عام 1985، والذي قال فيه مامعناه"يتعرض الاسرى العراقيين في إيران الى وجبات منتظمة من عمليات التعذيب الجسدي والنفسي من أجل إنتزاع إعترافات کاذبة منهم"، حيث سرعان ماتم إيقاف هذه المهزلة وتم إقتياد الاسرى المعذبين الى أماکن متفرقة.
للراغبين الأطلاع على الجزء الثاني:
https://algardenia.com/maqalat/50714-2021-09-14-06-35-07.html