أفغانستان ... العدوان والخسران
د.ضرغام الدباغ
أفغانستان ... العدوان والخسران
ربما هذه هي المقالة العاشرة التي أكتبها عن أفغانستان، بعد التحرير التام من العدوان الأمريكي / الأطلسي عليها، الذي استطال ليبلغ عقدين كاملين من زمن التاريخ الأسود. والموضوع يستحق دون ريب أن يكتب عنه بهذا القدر وأكثر، لأنني أعتقد أن انتصار طالبان هو مفصل تاريخي، ستتبعه هزات ارتدادية عديدة في المنطقة وأرجاءها.
في غضون هذه الفترة القصيرة جداً منذ التحرير وحتى يومنا هذا، (أكثر من شهر ونصف) قرأنا الكثير جداً من الآراء والتحليلات، وما أكثر القنوات التلفازية المستعدة لالتهام كل خبر وتعليق، الغث منه والسمين، فالإعلام اليوم كالفرن الذي يتقبل أي مادة تدخل فيه. ولم تكن في العديد منها تخلو من الخيال وأخرى كالسم يداف في عسل الكلام، وأخرى يفوح الحقد واللؤم منها، وقراء ينفعلون مع الأخبار، المفبركة، كأنهم يودون سماع كل ما هو سيئ، يطالبون قيادة طالبان وبإلحاح، خلال أيام من استلامها مقاليد كابول، ما عجزت عنه حكومات طيلة 20 عاماً تملك المال والسلاح، والعلم والكادر المتخصص...!
ابتداء يحلو للبعض ممن لا يود سماع أخبار انتصار طالبان، أن يرمي عليها تخمينات ..تقديرات .. تحليلات، وصولاً إلى معلومات يزعم أنه سمعها، أو أطلع عليها من دوائر لها قدرة خارقة بالعلم والفهم أن الأمر لا يعدو كونه عملية مسرحية تسليم وتسلم مفاتيح ...! هكذا بكل بساطة يريد تجاهل نضال شعب لعشرين عاماً دموية ..في حملة كانت فيها خسائر أمريكا وحلفاءها أكثر من أن تعد وتحصى، وآخرين يتقولون بما لا يفقهون ويشطحون في خيالهم، أن وظيفة طالبان / أفغانستان هي التصدي للصين، وآخر يزعم أنها ستكون حلقة في مؤامرات أميركا ...مزاعم ولكن لا أحد يمتلك دليلاً مادياً، ولا حتى مؤشراً عقليا نصف مقنع ...!
أفغانستان تعرضت لعدوان ولاحتلال ظالم، وتعرضت طوال عشرين عاما للسحق والتدمير وتصادر إرادة الشعب، وتحرف عمليات النمو الاقتصادي، وبالنسبة لأميركا أن تسير فتاة بالشورت نصف عارية هو التقدم والحضارة، ويطالبون أفغانستان بعد أسبوع من التحرير بما لم يفعلوه خلال عشرين عام ... نريد ونريد، ونطالب، حسناً طالما أنتم بهذه الدرجة من الانفتاح والشمولية .. لماذا لم تحترموا إرادة الناس وما يريدون ..؟ أم أن الانفتاح والشمولية بالنسبة لكم هي أن تسير بضعة فتيات في الشارع بملابس خفيفة .. ماذا يمثل ذلك ..؟ إنه يمثل أن مجتمعكم يتحلل وتصبحون مثالاً في الانحلال لا في العلم والاقتصاد .. بهدف تدمير مرتكزات المجتمع .. وإفقاده هويته وتحويله لمجتمع هو أقل من تابع صغير، ولابد أن تعلموا أن من المستحيل تحويل قندهار إلى شيكاغو .. لسبب بسيط، أن استكهولم / السويد لا يمكن أن تصبح شيكاغو ..
التفاوض، إعادة الانتشار، الانسحاب، مصطلحات يراد منها تجنب أو تخفيف وطأة كلمة الهزيمة. أخيراً وحين حانت ساعة تحديد المسؤولية، وأمام الكونغرس الأمريكي، وتحت طائلة المسؤولية، وفي جلسة استماع مطولة أمام مجلس النواب الأمريكي، قال رئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارك ميلي: إنّ بلاده خاضت "حرباً خاسرة" في أفغانستان وأن هذا "الفشل الاستراتيجي" كان "نتيجة لسلسلة قرارات استراتيجية تعود إلى زمن بعيد". وأقرّ رئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارك ميلي الأربعاء (29 سبتمبر/ايلول 2021) أمام لجنة برلمانية بأن الولايات المتحدة "خسرت" الحرب التي استمرّت 20 عاماً في أفغانستان وذلك بعد شهر على انتهاء الانسحاب الأمريكي من هذا البلد وما رافقه من تخبّط وفوضى. (*)
وقال الجنرال ميلي خلال جلسة استماع في مجلس النواب: "من الواضح والظاهر لنا جميعاً أنّ الحرب في أفغانستان لم تنته بالشروط التي أردناها، مع وجود طالبان في السلطة في كابول". وقال إنّ بلاده خاضت "حرباً خاسرة"، مضيفاً : "لقد كانت كذلك، بمعنى أنّنا أنجزنا مهمتنا الاستراتيجية لحماية أمريكا من تنظيم القاعدة، ولكن من المؤكد أن الوضع النهائي يختلف تماماً عمّا أردناه وأقر رئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارك ميلي الأربعاء (29 سبتمبر/ايلول 2021) أمام لجنة برلمانية بأنّ الولايات المتحدة "خسرت" الحرب، التي استمرّت 20 عاماً في أفغانستان، وذلك بعد شهر على انتهاء الانسحاب الأمريكي من هذا البلد وما رافقه من تخبّط وفوضى. وقال إنّ بلاده خاضت "حرباً خاسرة"، مضيفاً : "لقد كانت كذلك، بمعنى أنّنا أنجزنا مهمتنا الاستراتيجية لحماية أمريكا من تنظيم القاعدة، ولكن من المؤكّد أنّ الوضع النهائي يختلف تماماً عمّا أردناه ورأى الجنرال مارك ميلي أنّ ما حصل شكل "فشلاً استراتيجياً. فالعدو في الحكم في كابول. ولا مجال لوصف الوضع بطريقة أخرى". (*)
فيثنام لم تتخلى عن الشيوعية والاشتراكية بعد التحرير، والأفغان سوف لن يتخلوا عن نهجهم بعد 20 سنة قتال ودمار ..عن جوهر نضالهم. نعم ...واضح جداً، الهدف هو أن لا تكون هناك دولة إسلامية، هذا هو الخطر، والهزيمة هنا في جوهرها تعني: شعب قاتل بوسائل بدائية عدوا أطلسياً يمتلك قوى جبارة سياسية واقتصادية وعسكرية، وأنتصر كيف ...؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه المواطنون الأوربيون، على حكوماتهم وعلى أنفسهم، فالهزيمة هنا هي للمبادئ، كل هذه التجمع الهائل لم يقنع الشعب الافغاني، بالتراجع، بل تمكنت خلال ساعات .. ساعات فقط، أن يتبخر كل ما وضعوه ووظفوه، وخونة اشتروهم وعملاء باعوا أنفسهم، وأخيرا تركوهم يتساقطون كالذباب من الطائرات ... في لقطة تاريخية كبيرة بحجم الأنتصار الكبير .. لعمري أن لفي هذا المشهد عبرة لمن يعتبر ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) فقرات منقولة من نشرة وكالة الأنباء الألمانية (DW)