هل انقلب سحرهم الفاشل عليهم؟
ت
الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
هل انقلب سحرهم الفاشل عليهم؟
كان احتلال عاصمة الرشيد بغداد عاصمة الرشيد والمنصور ،منارة للعلم والمعرفة والأمن والسلام، حولها الاحتلال وعملائه بعد 9 أبريل عام 2003م الى بحيرات من الدماء، حيث تستمر الازمات والحروب المفتعلة والتي خططوا لها منذ عقود حيث الطائفية والفتنة والمذهبية والعرقية، تفتك في بلد كان ينظر إليه أنه أقوى الدول العربية والمنطقة، من حيث نسبة ثقافة وذكاء السكان وتتنظيم وتسليح جيوشه المتمرسة والمدربة وعدد الهائل من العلماء، في كل تتفجر أزمات التناحر والاقتتال والتنازع، ناهيك عن عمليات القتل التي طالت اكثر من مليونين عراقي لم يسلم منها لا الطفل والشاب ولا المرأة وسجن وتغييب مئات الالاف الذين لم يعرف مصيرهم كما تشريد الملايين من مناطقهم وتحويلها الى ثكنات ومصانع للمليشيات الايرانية عدا تهجير اكثر من خمسة ملايين عراقي من خيرة العلماء والكفاءات في حين اثبتت الوقائع ان الحكومات العميلة المتعاقبة على السلطة تعمدت بخلق الخلافات مع الجميع، بل أوجدت المحاصصات الطائفية والتشنج والطوفان والفوضى والبلبلة باسم "الديمقراطية" الجديدة المستوردة من الخارج والتي خدمت في سوء تطبيقها أعداء العرب والمسلمين، فظهرت أصوات نشاز ورياح صفراء لا تنسجم مع قيم وعادات وتقاليد بلداننا والعربية، أصوات تنطق بالعربية، لكن ولاءها للخارج، ترتدي اللباس العربي لكنها تحمل في عمائمها ثعابين سامة تريد أن تنتقم من الجميع.
إن ما حلّ بالعراق من الظلم والمصائب والويلات؛ لم يحل بغيره من دول العالم في هذا القرن، الذي يُزْعم أنه قرن الحضارة والثقافة وحقوق الإنسان.فواقع العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية والعرقية، وزعت الحكم على بعض العملاء من المجموعات التي عرفت بولائها طائفياً وعرقياً لغير العراق ووضع لهم اسس لدستور صممت فقراته وبنوده لخدمة عملاء العملية السياسية بعيدا عن ارادة الشعب، لاسيما ما تضمنه من فقرات ملغمة ستؤدي في النهاية لتقسيم العراق، والقضاء على لحمة أبنائه.
لقد اثبتت الوقائع أن من تولى زمام الحكم في العراق منذ 19 عاما اسودا لا ينتمون إلى العراق أصلاً أو فصلا او ولاءً، ولا تهمهم إلا مصالحهم،الفئوية والطائفية ومصالح أسيادهم، وأحزابهم العميلة الفاسدة ، وكل ذلك حصل وما يزال من خلال تكرار ذات اللعبة الزائفة المسماة كذبا بالانتخابات والضغوط، والوعود الكاذبة بالتغيير والإصلاح.
يحق لكل مواطن عراقي ان يحلم بدولة آمنة يسود فيها السلام بعد 19 عاما من المعاناة من التدخل الأجنبي والتشرذم الطائفي والاغتيالات وغياب الأمن وبعد أن تعرت كل القيادات التي رافقت المحتل في جريمته وتدميره والتي تسلمت السلطة منه بعد انسحابه عسكريا والتي ساهمت في تكريس طائفية مقيتة راح ضحيتها مئات الآلاف من المواطنين على اختلاف مللهم ونحلهم. كم كان بود 40 مليون عراقي ان يتأملوا بغد مشرق على امتداد وطنهم الذي يعيش في ظلمة حالكة، ليس بسبب غياب الكهرباء، ولكن بسبب غياب الحياة الآمنة المستقرة وفي العودة إلى حياة طبيعية في دولة موحدة ومجتمع موحد وحيث لا مكان لوجود أجنبي محتل أيا كان لونه خاصة بعد أن تكشفت حقيقة أسباب ودوافع المؤامرة الكبرى التي دمرت العراق.
في العراق لا يحتاج المرء إلى كثير من العناء للتعرف على حجم المأساة التي يعيشها اليوم فالصور والأرقام بالرغم من كل التعتيم الدعائي الغربي تتحدث عن نفسها رائحة المأساة باتت تزكم الأنوف ولجان حقوق الإنسان على امتداد العالم لم يعد بإمكانها السكوت على الجريمة المستمرة منذ ربع قرن تقريبا وخاصة بعد أن انفضح جزء من المستور فكيف إذا ما بان جبل الجليد كله آنذاك سوف تكون الفضيحة التي لم يعرف مثل هولها العالم على مر العصور وسيذكرها التاريخ كواحدة من أبشع حالات الظلم الإنساني في عالمنا الذي شهد لأول مرة جريمة اغتيال دولة وتشريد الملايين من شعبها مع سبق الإصرار.
ان الغزو الأمريكي البريطاني للعراق والحرب التي انتهت باحتلاله اتسمت بعدة صفات غريبة، ووجه الغرابة أنها بدأت بكذبة وانتهت بمأساة، وهذه الكذبة بررت غزو واحتلال دولة مستقلة، وكانت ادعاءات امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل تمثل هذه الكذبة الكبيرة التي صنعتها وصدقتها إدارة الرئيس الأمريكي بوش الابن، وكان مسلسل الإعداد لهذه الحرب بدأ "برغبة" من القيادات الأمريكية اليمينية المتطرفة لتعزيز مواقفها الأيديولوجية وخدمة مصالحها الإستراتيجية في أمريكا وعلى المستويين الإقليمي والدولي، ولم يكن من السهل تحويل هذه "الرغبة" إلى حقيقة دون إيجاد مبررات تسمح بارتكاب جريمة عدوان يرفضها القانون الدولي، ومن هنا بدأ البحث عن مبررات يمكن استخدامها لارتكاب هذه الجريمة كغطاء للقرار الذي تم اتخاذه على أعلى مستويات القيادة الأمريكية بوجوب غزو العراق، ومن ثم تحولت "الرغبة" إلى "قرار" غير قابل للنقض.
جاءت الفكرة في البداية عبر إمكانية اتهام العراق بالتآمر مع تنظيم القاعدة في تدبير اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001م، ورغم الجهود التي بذلتها الإدارة الأمريكية لصياغة هذه الكذبة إلا أنه لم يتمكن دعاة الحرب من قيادات اليمين الأمريكي المتطرف الحصول على أي دليل، صغر أم كبر، يمكن توظيفه لاتهام العراق بالتورط في هذه الاعتداءات الذي كان المبرر الأساسي لقرار الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001م، حيث أكدت الأدلة ثبوت قطيعة تامة وعداء مستحكم بين النظام العراقي الشرعي قبل الاحتلال وقيادة تنظيم القاعدة، لذلك تم التخلي عن استخدام "كذبة التآمر مع القاعدة" لكونها لا تتضمن أي مصداقية.
توجهت عصابة اليمين الأمريكي المتطرف إلى استخدام تهمة "انتهاك حقوق الإنسان" كمبرر لشن عدوانها على العراق، ولكن جاء من يقول إن أكبر انتهاك موثق لحقوق الإنسان في العصر الحديث هو ممارسات السلطات الأمريكية في سجون غوانتنامو وغيرها من السجون الأمريكية السرية والعلنية، وإن محاولة تحويل هذا الاتهام إلى مبرر لشن الحرب على العراق قد ترتد آثارها سلبية على الإدارة الأمريكية، وتسلط الضوء على الممارسات الأمريكية غير القانونية وغير الأخلاقية في مجال حقوق الإنسان.
هنا ظهرت الفكرة الوحيدة المتبقية، وهي إحياء الادعاءات القديمة حول كون العراق لازال يمتلك ويطور أسلحة الدمار الشامل، وهي حجة يمكن تسويقها دون الحاجة لتقديم أدلة، لكون الطرف الآخر أي الحكومة العراقية لا تمتلك مصداقية أو قدرة على الإقناع لرد أو تفنيد هذه الادعاءات، لذلك بدأت الجهود تبذل في "مصانع الكذب الغربية" لتطوير وتسويق هذه الكذبة كمبرر أساسي لغزو واحتلال العراق، وفي هذا المضمار تمت الاستعانة بدعم فئات محددة من فصائل المعارضة العراقية في الخارج، ممن كانت مستعدة لبيع ضميرها ووطنها من أجل الكسب والمنافع الشخصية، وساهمت هذه الفئة بشكل فعال في ترويج آلية الكذب التي مهدت لجريمة احتلال البلاد وتدميرها.
بعد مرور كل هذه السنوات على احتلال العراق واعتراف المسؤولين الامريكيين والبريطانين انهم كذبوا على العالم بكل ما ادعوه ضد العراق وبرروا احتلاله وتدميرة،ولكن العالم بغربه وشرقه كأنه في اذانهم طين وعجين فلم يحركوا ساكنا والادهى من ذلك وجهوا منظمتهم الاممية ومجلس اللاامن لتسويف وشرعنة الاحتلال ،وبدل من انصاف العراق واهله بادر المحتل الأمريكي بتفتيت وتفكيك كيان الدولة بشكل كامل، وحل جميع مؤسساتها الأساسية، ولم يرغب في إعادة تشكيلها بشكل صحيح أو فعال، وعهد بالمهمة إلى مجموعة من الرعاع الطائفيين والمنتفعين تاركا لهم الإرث الثقيل لإعادة بناء دولة وهم لا يرغبون في بنائها أصلا، وتقف مصالحهم الشخصية والطائفية وارتباطاتهم الخارجية ضد فكرة بناء دولة عصرية قوية، وكانت أخطر جريمة شارك بها المحتل وسار على طريقها عملائه هي مهمة قتل الشعور الوطني العراقي، وقتل الحس القومي العربي بأسلوب ممنهج، واستبداله بتعزيز الانتماءات الطائفية وإبراز الهوية الطائفية والعرقية بكونها القوة الأساسية في الدولة والمجتمع.
لم يقتصر الأمر على تبني الخط الطائفي، بل تجاوزه إلى إنشاء وترسيخ أسس التبعية لسياسة نظام الملالي في طهران وخدمة مصالحه على حساب المصالح الوطنية العراقية، والمصالح العربية العليا، مما أثر بشكل سلبي على علاقات العراق مع محيطه العربي، وعزل الدولة عن تاريخها الطويل المشرف.
إن الحرية والديمقراطية الأمريكيتين، لا تأتيان عادة من جعجعة السلاح وقتل البشر وتدمير البلدان وانتهاك الحرمات وسلب الإرادة ونهب الثروات ولا يمكن أن تصنعا استقرارا، فالتورط في مستنقع العراق تحت شعار محاربة الإرهاب لم يكن في واقع الحال سوى محاولة لإعادة تشكيل هذه المنطقة لحساب الأحلام الصهيونية التي صاغها المحافظون الجدد كهدف حقيقي، فبعد مرور كل هذه السنوات على هذه الجريمة النكراء، التي تظهر تداعياتها في كل مرافق العراق ستستمر لعقود طويلة.
وانقلب سحرهم عليهم
ان كل ماخططوا له وماصاغوه من دستور ملغوم سئ ومن قوانين مجحفة وفق مصالحهم وضد العراقيين يندى لها الضمير الانساني او ماتبقى منه،اثبتت الوقائع ان مصالحهم هي اساس كل وجودهم ولذا فأن دستورهم وقوانينهم التي طالما صدعوا رؤسنا بها على اعتبارها من منجزات العصر مابعد التكنلوجيا الرقمية التي لا يمكن للبشرية في اي صوب في العالم ان تأتي ببعض مما جاؤا به،سيضربونها بأحذيتهم البالية التي جاؤا بها يركضون خلف بساطيل الاحتلال،ان عنى تطبيق ماجائت به المساس بمصالهم وابعدتهم عن كراسي السلطة وتحديدا ان ابتعادهم عن الكراسي لن يحرمهم من سيول الاموال التي ينهبونها يوميا بالمليارات من قوت الشعب،بل احتمال تعرضهم لمحاكمة الشعب والذي سيقتص منهم افرادا وجماعات ولن يكتفي الشعب الذي كووه بنيرانهم طيلة عقدين من الزمن بعقوبات القضاء الذي هو الاخر منخور مثل من اختار بعض قضاته ،بل سيكون قضاء الشعب شبيه بما عوقب به اناس ربما لم يستحقوا تلك العقوبات والحليم يفهم؟!!