الطائفية بين الجاسوسية والصراعات السياسية
بقلم : جابر رسول الجابري
الطائفية بين الجاسوسية والصراعات السياسية
لايمكن أن تنشأ دولة متقدمة أو إدارة وطنية بهدف إيجاد مجتمع حضاري إنساني متطور إلا ان يتضمن هيكل تلك الدولة وجود أنظمة إدارية فيه ( كالنظام... الإقتصادي / الصحي / الإجتماعي/ الزراعي/ الصناعي ...الخ ) حيث تدير تلك الأنظمة مؤسسات الدولة ولديها تنظيرات ورؤية ( احزاب الحكم ) وخطط تنفيذ واجهزة مراقبة (الأحزاب المعارضة) لتصحيح مسارات الحكومة التنفيذية وتعديلها حسب الضرورة والظروف ،
كما ولا يمكن بناء مجتمع حضاري متطور إلا برعاية الأسرة والفرد وبناء شخصية الفرد وضمان مستقبله بهدف تهيئته للعمل وإندماجه للعمل الجماعي في تلك المؤسسات ،
بناء شخصية الفرد الوطنية في المجتمع تحتاج إلى تنظير وطني يرفض الطائفية والعنصرية ويرعى سلوك الفرد ويهذبه في المجتمع ويتابع نشأته من الطفولة حتى سن العمل ويزرع الإنتماء الجماعي فيه من أجل سهولة إندماجه في المؤسسات كما هو الحال في الدول الصناعية المتطورة والمجتمعات الحضارية التي تنظر لجميع مواطنيها نظرة إنسانية وقانونية واحدة.
أحزاب العملية السياسية في العراق والتي تمسك بزمام السلطتين سواء التشريعية أم التنفيذية (خلاف أنظمة الحكم الديموقراطي ) إن هي إلا أحزاب تشكلت في أمة قد خلت وبادت وعفى على شعاراتها الزمن وهي لا تحمل في حاضرتها اي هدف أو آيديولوجية تنظيرية أو استراتيجية أو منهج لبناء الدولة أو المجتمع بل هي تأسست بأجندات خارجية مخابراتية تهدف الى الإطاحة بالنظام السابق أي إسقاط بنية الحكم لكنها تفاجأت بعد ٢٠٠٣ بتهديم بنية الدولة وبنية المجتمع فصمتت من أجل وجودها ومصالحها فبقيت على سياقها القديم تحوم وتردد شعار إسقاط النظام وبعض الشعارات الفارغة بل وحتى بعد مرور عقدين من الزمن على إسقاط النظام وجدت نفسها في حرج حين عصفت بها رياح التغيير التي هبت من ثورة تشرين وصحوة أجيال الشعب وحاضرته فشعرت بخطر الزوال لكن تلك الاحزاب بقيت تدور في مكانها خاوية لا تحمل إلا فكرها الحقدي الطائفي والعنصري الهدام (وشعارات كاذبة بلا محتوى ) وبقيت تدور مع عجلة تحويل المجتمع العراقي الهجين الملون والمتعدد الى مجتمع ذو صبغة وفكر واحد وجعله مشتتا وفي شقاق وهذا خلاف الطبيعة البشرية ونظام التطور الانساني الذي يميل الى التنوع والاختلاف والتعدد لينتج التهجين الذي هو اداة للتطور والتقدم الحضاري ،
أن قوة المجتمع هي بوجود الهجين الجنسي والفكري وتعدده وتنوعه وبمدى تماسك المجتمع بلحمة التعايش والاندماح الجمعي ،
تلك الاحزاب تتخبط ولا تدري أين تتجه بل والمضحك إنها تتجه كالخراف المذعورة في حضيرتها لايجاد ثغرة تستطيع من خلالها الخروج من مأزقها وحاضرها فتارة تجد ثغرة الإصلاح لكنها تصطدم بواقعها فتجد نفسها هي غارقة في اتون الجريمة والفساد والتخريب، ثم تارة اخرى تطالب بثغرة التغيير لكنها هي تصطدم أيضا فتجده نفسها تدير دفة الحكم أو هي شريك فاعل بل هي الفساد نفسه فكيف يطالب النظام الفاسد نفسه بإسقاط نظامه وما أن يزداد ضجيج إعتراض الشعب تعود الى نعرتها السابقة وهي تصرخ وتردد إسقاط النظام وتتناسى أن النظام سقط منذ عشرون سنة .
لابد من وجود هدف وطني جمعي يصهر كل مكونات المجتمع وأطيافه في بودقة الوطن والمجتمع الواحد مما يستوجب التخلي عن أي فكر تكفيري أو إجتثاثي سواء كان ذلك الفكر دينيا أم عنصريا أم طائفيا ونبذ توجهاته وإشاعة مبدأ التكتل الجمعي الوطني بهدف واحد لتكوين دولة ووطن وصنع حضارة لأن تلك الافكار الطائفية تعتمد وتهدف لشل حركة نهوض المجتمع وتهديم عجلة بناء الحضارة
العملية السياسية في العراق مجردة من أي مفهوم إنساني بل ومجردة من اَي مفهوم ديموقراطي لانها تملك دستورا طائفيا وعنصريا وطائفيا وكذلك وجود واعتماد مبدأ المحاصصة وإن أحزابها هي احزاب دينية تكفيرية أو أحزاب رعاع وغوغاء حاقدة أوجواسيس تواجدت ونشأت لمرحلة تدمير العراق ثم إستلمت الحكم في غفلة من الزمن إثناء الاحتلال لتحقيق مصالح المحتل ورؤية مخابرات دوّل الجوار ، وبدلا من صناعة المجتمع وتقويم مساره راحت تلك الأحزاب الدينية الى قيادة المجتمع نحو منافع شخصية وطائفية وعنصرية وتنفذ أهداف مخابراتية طمعا بالمال والمنصب عند ذلك بدأت صراعاتهم السياسية وكل منهم يحاول ويقاتل لبسط سطوته وتنفيذ اجنداته وهنا تولدت ونشأت الميليشيات والتشكيلات والعصابات المتصارعة المتناحرة تارة باسم الدين والمذهب كداعش مثلا وتارة اخرى سياسيا كما هو الحال صراع الميليشيات والجماعات المسلحة وكل ذلك يهدف الى عرقلة بناء مجتمع وبناء دولة وجيش وأنظمة وتشتتيت قوى المجتمع وتحويلها الى قوى متناحرة ليسهل تدميرها لاحقا ضمانا لعدم نهوض العراق من جديد.
جابر رسول الجابري
المملكة المتحدة.
العاشر من كانون الأول عام 2021