العالم في ٢٠٢١.. أزمات واتجاهات
الشرق الأوسط/روبرت فورد وفيتالي نعومكين:لم يكن العام المنصرم، سهلاً على العالم بسبب «كورونا»، لكن القلق من الوباء وآثاره، لم يوقف السباق الدولي، بين تنامي صعود الصين ويقظة روسيا وسعي أميركا للحفاظ على دورها الريادي في العالم.
رأى منتقدو الرئيس الأميركي جو بايدن، في السنة الأولى على إدارته، أن الانسحاب من أفغانستان من شأنه تدمير مصداقية أميركا، ويشجع منافسيها على اتخاذ إجراءات تتحدى واشنطن وأصدقاءها، وطُرحت أسئلة ما إذا كان تراجع هذه المصداقية السبب وراء التوترات الجديدة في أوكرانيا جراء تهديدات روسيا، وتايوان بسبب اختبارات الصين.
وأمام صعود دور بكين وموسكو وتعزيز علاقاتهما والاقتراب من الشراكة الاستراتيجية، وانتقال تركيز واشنطن في منطقة المحيطين الهادي والهندي، جاء التطور الأبرز على صعيد الأمن الدولي في آسيا في العام 2021، بالإعلان في 15 سبتمبر (أيلول) عن تجمع «أوكوس»، شراكة أمنية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة؛ ما شكل مفاجأة لباقي دول العالم.
هذا التكتل الجديد، تضمن تخلي أستراليا عن رهاناتها الصينية وابتعاد بريطانيا عن محيطها الأوروبي، وحسم الهند خيارها باتجاه أميركا، كما هو الحال مع اليابان، فتعزز التكتل الثلاثي الوليد بآخر قديم، هو «كواد» أو مجموعة الحوار الأمني الرباعي (الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند).
ومع اقتراب سنة 2021 من نهايتها، تبدأ «الشرق الأوسط» اليوم نشر سلسلة مقالات وتقارير تتوقف عند أهم التطورات في السنة المنصرمة وقراءة معانيها، مع استشراف للتطورات واتجاهاتها في السنة المقبلة.
ضربتان تؤذيان رأس بايدن: روسيا والصين
روبرت فورد
رأى منتقدو إدارة الأميركي جو بايدن، في الصيف الماضي، أن الانسحاب من أفغانستان من شأنه تدمير المصداقية الأميركية ويشجع منافسي الولايات المتحدة على اتخاذ إجراءات أجرأ تتحدى واشنطن وأصدقاءها.
فهل تراجُع المصداقية الأميركية هو السبب وراء التوترات الجديدة في أوكرانيا وتايوان؟ إجابتي المباشرة: كلا. فإذا كانت روسيا لا تغزو جيرانها إلا حين تكون واشنطن ضعيفة، فلماذا غزا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جورجيا عام 2008؟ لا أحد يمكن أن يقول إن أميركا كانت تتراجع آنذاك بعدما رفعنا من وجودنا العسكري في العراق، وكان جورج دبليو بوش رئيساً. لكن ما حدث بدلاً من ذلك أن روسيا كانت لها مصالح في الدول المجاورة مثل جورجيا وأوكرانيا لمئات السنين. وستمارس موسكو ضغوطاً على جيرانها بغضّ النظر عمّن يشغل المكتب البيضاوي. وستحدد موسكو أنواع الضغط المزمع استخدامها بعد النظر في ردود الفعل السياسية المحلية والدولية، لكنّ المصلحة الوطنية الروسية الأساسية في الدول المجاورة لا تتغير. وقد وعد بايدن بأنه لن يرسل جنوداً أميركيين إلى أوكرانيا. وفي الدول المجاورة يتعين علينا توقُّع أن يؤدي التدخل العسكري الأميركي، حتى ولو كان غير مباشر مثل إرسال الأسلحة، إلى تصعيد عسكري روسي رداً على ذلك.
تُرى هل تشكل أوكرانيا أهمية كافية بالنسبة للأمن القومي الأميركي لتبرير التصعيد الكبير رداً على تصرفات موسكو؟
كانت أوكرانيا جزءاً من الاتحاد السوفياتي طيلة 70 سنة، وعلى الرغم من السيطرة السوفياتية على أوكرانيا فإن الأمن القومي الأميركي كان آمناً. وعندما اقترح أحد أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين أن تستخدم واشنطن الأسلحة النووية في أوكرانيا، قوبل بصمت محرج من الجمهوريين الآخرين كافة. ويدرك بايدن عدم وجود دعم شعبي أميركي لتدخل كبير في حرب أوكرانيا، ومن ثم، فإنه يحاول توجيه بوتين إلى مسار دبلوماسي. وحتى الآن، وخلافاً لعام 2014 لم يُقْدم بوتين على الغزو، وفي الوقت نفسه لم يصدر عن بايدن أي تنازل بشأن المبادئ المتعلقة باستقلال أوكرانيا.
يشعر المحللون والمسؤولون في واشنطن بمزيد من القلق تجاه الصين. ففي برقيته الطويلة الشهيرة عام 1946 تنبأ الدبلوماسي الأميركي جورج كينان بانهيار الاتحاد السوفياتي، عاجلاً أم آجلاً، بسبب المشكلات الداخلية. لكن لا أحد في واشنطن يتوقع انهيار الصين. وخلافاً للاتحاد السوفياتي، فإن الصين تحظى باقتصاد كبير وعلاقات تجارية مهمة حول العالم، بما في ذلك مع الولايات المتحدة نفسها. وتدرك واشنطن أنها تحتاج إلى العمل مع بكين في قضايا مثل الاحتباس الحراري العالمي. وعليه، فهذه ليست حرباً باردة جديدة. بدلاً من ذلك، تهدف واشنطن إلى منافسة استراتيجية. وهي تعترف بأنه يتعين عليها التعايش مع بكين، ولكنها تهدف إلى ردعها عن تجاهل القواعد الخاصة بالتجارة والأمن الدوليين.
على سبيل المثال، يعمل فريق بايدن على بناء تحالفات اقتصادية من شأنها إعاقة وصول بكين إلى الأسواق ما لم تقبل بقواعد التجارة الدولية. وعلى الجانب العسكري، تهدف إدارة بايدن إلى خلق إطار عسكري من شأنه تأكيد توازن القوى في غرب المحيط الهادئ، ومنع الصين من محاولة بسط السيطرة على الممرات البحرية، أو مهاجمة حلفاء الولايات المتحدة. ولا يتسبب الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان في مشكلات للجهود الأميركية الرامية إلى خلق ذلك الإطار العسكري. على سبيل المثال، تخلّت أستراليا عن الاتفاق لشراء الغواصات الفرنسية للحصول على الغواصات الأميركية. وربما الأهم من ذلك، في هذا النظام العالمي متعدد الأقطاب، يعني انتصار «طالبان» في أفغانستان أن الولايات المتحدة لم تعد بحاجة إلى إقامة علاقات وثيقة بباكستان، منافس الهند الإقليمي منذ فترة طويلة.
يزيل ذلك عقبة رئيسية أمام توثيق العلاقات بين واشنطن ونيودلهي. فضلاً عن ذلك فإن الهجمات الصينية على الحدود الهندية في جبال الهيمالايا خلال الأعوام الماضية أقنعت الهند بأن التعاون مع الأميركيين مفيد للغاية. كما أن علاقات الرئيس بوتين مع «طالبان»، التي لا تثق بها الهند، وعلاقات بوتين مع الصين، أكبر خصم لها، تشجّعها على الاقتراب أكثر من الولايات المتحدة. وصرّح وزير الخارجية الهندي جايشانكار، لصحافي أسترالي في سبتمبر (أيلول)، بأن الولايات المتحدة عادت بقوة بعد الانسحاب من فيتنام في السبعينات، ويُتوقع أن تقوم بذلك مرة أخرى بعد الانسحاب من أفغانستان.
في العام الماضي انتقلت الهند بوضوح إلى تحالف يضم أستراليا واليابان والولايات المتحدة، والذي يطلَق عليه «الحوار الأمني الرباعي» لإرساء التوازن أمام القوة الصينية. وواشنطن سعيدة ببناء علاقات أوثق مع الهند. ويعقد وزير الخارجية بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن، محادثات متكررة مع نظيريهما الهنديين. وبالإضافة إلى مسار الهند، تستضيف إدارة بايدن قمة البلدان الديمقراطية الهادفة لتشجيع الدول الديمقراطية مثل الهند، على التعاون ضد الدول الاستبدادية مثل روسيا والصين. وأشارت الانتقادات الصينية الغاضبة إلى إدراك بكين حقيقة مفادها أن ردود الفعل الدولية السيئة إزاء الدبلوماسية العدائية الصينية (الذئب المحارب) تساعد الأميركيين على بناء تجمعات دولية لمقاومتها.
السؤال الأكثر إلحاحاً الآن هو تايوان. وهنا يلزمني الاعتراف بأنني قلق للغاية. قبل انسحاب الأميركيين من أفغانستان بفترة طويلة، تعهد القادة الصينيون بإعادة توحيد تايوان مع البر الرئيسي. وشدد الرئيس شي جينبينغ على هذه السياسة في 9 أكتوبر (تشرين الأول). كما حذر مسؤولون صينيون، الأميركيين من تشجيع تايوان على السعي إلى الاستقلال، لكنّ بايدن وعد في أكتوبر بأن بلاده ستدافع عن تايوان ضد هجوم صيني. لا أتذكر أن رئيساً أميركياً صرح بذلك علناً من قبل. ثم صرح إيلي راتنر، مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون آسيا، أمام الكونغرس في 8 ديسمبر (كانون الأول) بأن تعزيز قوة جيش تايوان لردع الصين أمر حيوي للأمن القومي الأميركي. لذا، فإن التوترات تتصاعد. وكثيراً ما تُحلق الطائرات الحربية الصينية بالقرب من تايوان بهدف ترهيب الطائرات الحربية التايوانية التي تراقب باهتمام. ماذا لو أخطأ طيار من أحد الجانبين أو الآخر وفتح النار؟
كانت هناك أنظمة اتصالات خاصة بالأزمة بين موسكو وواشنطن خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي. فقد توصل الزعماء الأميركيون والسوفيات بهدوء إلى سبل لمنع الانزلاق نحو المواجهة العسكرية في أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. ومرة أخرى، في حالة التأهب النووي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي خلال حرب عام 1973 في الشرق الأوسط. لكن لا توجد آلية اتصال خاصة بين بكين وواشنطن. وتجدر الإشارة إلى أن وزير الدفاع أوستن صرح الصيف الماضي بأن نظيره الصيني رفض التحدث إليه. وبالتالي، كانت خطوة إيجابية أن يدعو كل من بايدن والرئيس الصيني شي في اجتماع عبر الفيديو في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى استقرار العلاقات بين البلدين. واتفقا على أن يجتمع مسؤولو الدفاع لديهما قريباً، وبالإضافة إلى ذلك، وافق مجلس الشيوخ الأميركي الأسبوع الماضي على إرسال الدبلوماسي الأميركي المحنك نيكولاس بيرنز، إلى بكين كسفير جديد. وسوف أشاهد خلال الأسابيع المقبلة ما إذا كان بإمكان الحكومتين إقامة قنوات اتصالات خاصة من عدمه، وما إذا كان بإمكانهما البدء في محادثات حول ملفات صعبة مثل الأسلحة النووية.
إن خطوات تحسين العملية الدبلوماسية بين واشنطن وموسكو وبين واشنطن وبكين حيوية للغاية، عندما ندرك أنه يمكننا في عام 2022 أن نشهد أزمة كبيرة في تايوان أو أوكرانيا أو بالطبع في إيران.
روسيا ترسم «خطوطها الحمر» على الساحة العالمية
فيتالي نعومكين
مر العام المنصرم، الذي لم يكن سهلاً على المجتمع الدولي بأسره، متسماً بنمو سعي روسيا إلى لعب دور مستقل ومهم في السياسة العالمية، بما يتوافق مع مصالحها الوطنية.
موسكو عدّت نفسها مدافعة عن حق الدول المستقلة في العيش وفقاً للقانون الدولي، وليس وفقاً لـ«القواعد» التي وضعتها بعض الدول القوية، ومن دون أن تخضع لمحاولات الإملاء من جانب هذه الدول تجاه الدول الضعيفة. وفي دفاعها عن مصالحها وقيمها لم تخشَ المخاطرة، وغالباً ما دخلت في صراعات مع خصومها.
يبدو هذا واضحاً على وجه الخصوص، من خلال حال العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة والدول الغربية بشكل عام. وصول الرئيس جو بايدن إلى السلطة بعث في البداية الآمال بإحداث تغييرات إيجابية في هذه العلاقات. إذ إن تمديد معاهدة «ستارت 3» بشأن خفض الأسلحة الاستراتيجية والحد منها، والاتفاق على بدء حوار حول الاستقرار الاستراتيجي خلقا مزاجاً تفاؤلياً. كما أن الحاجة إلى العمل معاً لمكافحة الوباء وغيره من التهديدات المشتركة دفعت كلا الجانبين إلى التعاون.
لكن الآمال المبنية على تحسن العلاقات لم تتحقق. علاوة على ذلك، فإن العلاقات بين روسيا، التي تقترب بسرعة من جمهورية الصين الشعبية في إطار شراكة استراتيجية شاملة، من ناحية، وبين الولايات المتحدة مع حلفائها من ناحية أخرى، تراجعت بشدة لدرجة أن بعض السياسيين بدأوا الحديث على محمل الجد عن ضرورة منع العالم من الانزلاق نحو حرب عالمية جديدة.
دعونا ننظر في هذا السياق إلى أحداث شهر ديسمبر (كانون الأول) التي توّجت هذا العام. لقد شهدت «المحادثات عبر الفيديو أونلاين» التي جرت في 7 ديسمبر بين الرئيسين الروسي والأميركي، على الرغم من أنها إيجابية في حد ذاتها، على وجود خلاف عميق بين القوتين النوويتين العظميين حول قضايا الأمن الدولي الرئيسية. إذ أوضح خلالها بوتين لبايدن، على وجه الخصوص، مفهومه لما يسمى «الخطوط الحمر» بالنسبة لروسيا، وهي: أولاً وقبل كل شيء استمرار توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى الشرق، فضلاً عن نشر أنظمة الأسلحة الأجنبية الحديثة في أوكرانيا. فإذا ظهرت أنظمة هجومية في أوكرانيا قادرة على الوصول إلى موسكو في غضون بضع دقائق، ستكون حينها روسيا مضطرة للرد على ذلك بخلق تهديدات مماثلة؛ وانضمام أوكرانيا إلى الناتو سيعني تجاوز «الخطوط الحمر»، ما سيتطلب رداً جدياً من روسيا. ما يمكن أن تقبله موسكو هو فقط تقديم ضمانات مكتوبة من الغرب بأنّ هذا لن يحدث. وهذا المطلب غير قابل لإعادة النظر فيه. لكن جاء رد فعل القيادات الأميركية وحلف شمالي الأطلسي على طلب روسيا هذا قاسياً للغاية: لا وجود لأي خطوط حمر. ليس بإمكان أحد التنبؤ بكيفية تطور الأحداث لاحقاً. في الوقت نفسه، لفت الانتباه في روسيا تصريح بايدن بأن الولايات المتحدة والناتو، في حال وقوع هجوم روسي على أوكرانيا، سيرسلان قواتهما إلى دول الجناح الشرقي للناتو، أو ما تسمى دول «قمة بوخارست التسع»، وليس إلى أوكرانيا.
أصبح الهجوم الروسي، المزعوم وسيئ السمعة، المخطط له على أوكرانيا ذريعة مزعجة في خطابات الكثير من السياسيين الغربيين، على الرغم من أن الزعيم الروسي ومسؤولين آخرين ينفون بشكل قاطع أي خطط من هذا القبيل. وبدأوا بتهديد موسكو بفرض عقوبات جديدة قاتلة، مع أن العقوبات في الوقت الحالي لا تعد ولا تحصى. لكن موسكو، كما لاحظ الخبراء الغربيون، حضّرت نفسها لإجراءات كهذه وغيرها، مثل فصلها عن نظام SWIFT، ما سيضر شركاءها أيضاً. ومع ذلك، هناك بعض المؤشرات على إمكان حل الخلافات الجدية دبلوماسياً، حيث لا أحد معنياً بتصعيد المواجهة. فلدى الأطراف خبرة في التفاعل والعمل المشترك، على سبيل المثال، في عملية التخلص من الأسلحة الكيميائية في سوريا أو في مفاوضات مجموعة 5 + 1 مع إيران بشأن برنامجها النووي.
في الحقيقة لا يوجد أي تقدم في حل الأزمة الأوكرانية. الكرملين يقنع الغرب بأن كييف لا تريد تنفيذ اتفاقات مينسك، التي تحضها الولايات المتحدة على الامتثال لها، بينما يتم تفسير هذه الاتفاقات بشكل مختلف بين الولايات المتحدة وروسيا. بالنسبة لموسكو، فإن رغبة كييف في مراجعة هذه الاتفاقات غير مقبولة، بما في ذلك مراجعة منح دونيتسك ولوغانسك الحكم الذاتي الكامل داخل أوكرانيا، ومنح عفو للمشاركين في الأعمال القتالية، أو مراجعة منع كييف من بسط سيطرتها على حدودها مع روسيا قبل إجراء الانتخابات في هاتين المنطقتين. بينما يثير حشد قوات أوكرانية في منطقة الدونباس مخاوف جدية بشأن نيات كييف لمحاولة حل مشكلة المناطق الشرقية باستخدام القوة.
كما أن الأحداث المأساوية التي جرت خلال العام المنصرم في أفغانستان خلقت مخاطر بالنسبة إلى موسكو، لا سيما فيما يتعلق بالمصالح الأمنية لحلفائها في آسيا الوسطى. إلا أن الاتصالات التفاوضية للدبلوماسيين الروس مع ممثلي حركة «طالبان» في موسكو، والتي بدأت منذ أكثر من خمس سنوات، لعبت دوراً إيجابياً، بالإضافة إلى أن كلاً من موسكو ودول آسيا الوسطى تقدمان مساعدات إنسانية كبيرة لكابل. فموسكو تنظر إلى حكم «طالبان» على أنه أمر مفروغ منه، ويجب أن يؤخذ بالحسبان، لكن قانونياً لا تزال لا تقبل الاعتراف به.
أسهمت الأحداث في أفغانستان في تقارب الدول الأعضاء في «منظمة معاهدة الأمن الجماعي» وتفعيلها. بدأت هذه المنظمة العمل على ترسيخ إمكاناتها لحفظ السلام في أنشطة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. كما أنها مصممة، على وجه الخصوص، على الانضمام إلى «الخوذ الزرق» في المناطق الساخنة في الشرق الأوسط. ولهذه الغاية تعرّف ممثلو هيئة الأركان المشتركة لـ«منظمة معاهدة الأمن الجماعي» في بداية ديسمبر في لبنان على تجربة بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (يونيفيل). هذا لا يعني تراجعاً في اهتمام المنظمة بالفضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي، بل على العكس من ذلك، تضمنت مهامها الآن قمع محاولات المتطرفين من أفغانستان التسلل إلى رابطة الدول المستقلة، والتي اتخذت من أجلها تدابير جادة لتطوير البنية التحتية العسكرية لطاجيكستان. في الوقت نفسه، كانت هناك أحياناً توترات بين الدول الأعضاء، ولا سيما على الحدود الطاجيكية القرغيزية، حيث لا تتدخل المنظمة في تسويتها.
تطورت العلاقات بين روسيا والدول العربية بنجاح. فقد أثمرت الجهود المبذولة لمواجهة الإرهابيين وتدمير أوكارهم في سوريا، التي تواصل روسيا تقديم المساعدة الإنسانية لها. وحدثت تحولات في العلاقات بين دمشق وعدد من الدول العربية. تعمل روسيا بنشاط على تعزيز عملية المصالحة الوطنية، التي ما زالت تواجه صعوبات كبيرة.
بشكل عام، واصلت موسكو مسارها في تطوير العلاقات مع جميع اللاعبين الإقليميين في الشرق الأوسط، بما في ذلك ممن هم في صراع بعضهم مع بعض. ويعد التطور الناجح للتعاون مع دول شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك في المجال الاقتصادي، بمثابة إنجاز. ومن الأمثلة الساطعة على ذلك استحواذ صندوق «مبادلة» الإماراتي السيادي في الأسابيع الأخيرة على 1.9% من حصة شركة «سيبور»، والتي اندمجت الخريف الماضي بنسبة 100% مع شركة «تايف». وراء هذا كله تكمن الثقة المتبادلة بين الشركاء. يشهد ظهور المفهوم الروسي المحدَّث للأمن الجماعي في الخليج على اهتمام موسكو بهذه المنطقة.