اسيا العتروس: على وقع سنة تمضي.. البابا زعيم سياسي ام ديني.. لماذا يجرأ على طرح ما لا يجرأ عليه زعيم عربي أو رجل دين مس

اسيا العتروس

يذهب الى حيث لا يجرؤ الحكام العرب أواصحاب العمائم  من رجال الدين و اصحاب الفتاوى ..و  يصرح بما لا يصرح به رئيس او زعيم  عربي  ينتقد الصراعات و الحروب ويدعو الى السلام و الاخاء والحب بين الشعوب ..  لم يتوانى عن الحديث عن اطفال سوريا و العراق ولم يتردد في التحذير بشان ما يحدث في  اليمن ..قبل ايام و في احد المخيمات في اليونان تحدث عن مأساة اللاجئين و دعا الى وضع حد “لغرق الحضارة”.معتبرًا أن البحر الأبيض المتوسط “أصبح مقبرة باردة بدون الحجارة التذكارية على القبور”..قبل سنوات و خلال زيارته الى بيت لحم و مروره بالضفة الغربية مرت زيارة البابا في حينها و كانها لاحدث و الحال انها جسدت اعترافا مهما بدولة و سلطة و شعب فلسطين …قد لا ندرك خفايا و كواليس ما يحدث في الفاتيكان و لكن ما يقوله البابا و ما يقوم به على ارض الواقع يكتسي اهمية كبيرة على المستوى الاعلامي و السياسي و القانوني و الانساني فهو يكاد يكون” المسؤول “الوحيد الذي لا يخشى ان يعزل او يقال او يحاصر اذا تحدث عن القضايا الانسانية العالقة …و لا نخال احد من اصحاب السلطة في العالم العربي أو حتى في الغرب تحدثوا او اشاروا الى ماسي اطفال اليمن و سوريا المنسيين في العراء في مخيمات محاطة بالثلوج تنعدم فيها كل سباب الحياة و كل يوم يسجل معه موت المزيد من الاطفال بردا او جوعا ..

انه البابا فرانسيس بابا الفاتيكان الذي لا يكاد يقوى على المشي منتصب القامة ..يقول ان زياراته ليست اعتباطية و انه يحدد الدول التي يتجه اليها بعد الكثير من التفكير و الصلاة ..  حيثما حل البابا فرانسيس اثار الجدل بمواقفه و ارائه بل هو برغم كل الفضائح و جرائم الاعتداءات  الجنسية الموثقة طوال عقود داخل اسوار الكنيسة  وما اثارته من انتقادات فانه يرفض ان تكون تلك القضايا سببا في عدم الافصاح بما يتعين الافصاح به ..عمليا هو ليس برجل سياسة و ان كان يخوض في كل المسائل السياسية هو رجل دين و هو زعيم المسيحيين في العالم و بالنسبة لبابا الفاتيكان فان المسيحيين العرب حيثما كانوا في سوريا او العراق او لبنان  و مصر او غيرها من الدول العربية يمثلون جسرا انسانيا و حضاريا و اقتصاديا لا يستهان به و من هذا المنطلق فانجزء من خطابه كان دوما موجه الى هؤلاء و بضرورة ان يحظوا بالحماية في الدول التي يعيشون فيها…اللافت في تصريحات البابا بالامس بمناسبة اعياد الميلاد  كعادته مع اقتراب نهاية السنة و حلول اخرى انه خلال استعراضه لمختلف الازمات و الصراعات و الحروب توقف مطولا عند اطفال سوريا و اطفال اليمن معتبرا ان صدى اصواتهم  يصل اليه و ان ما يحدث في هذين البلدين من الماسي المنسية في خضم نزاعين طال امدهما و اوديا بحياة الكثير من الضحايا و تهجير ما لا يحصى ..و قال من روما “نسمع صرخة الأطفال ترتفع في اليمن حيث تجري بصمت ومنذ سنوات مأساة مروعة نسيها الجميع، ويقتل الناس كل يوم”..البابا دعا الى تجنب اندلاع صراعات جديدة و لم يتردد في الدعوة الى الحوار لوضع حد للنزيف الحاصل باعتبار ان هذه المسارات وحدها القادرة

على الدفع باتّجاه حل النزاعات وتحقيق مكاسب دائمة للجميع”…فلماذا يتجه البابا للخوض في ملفات و صراعات يتجنبها الجميع و يتجاهلها صناع القرار في العالم ؟ و هل يفعل ذلك من منطلق سياسي ام ديني  بدعوى انه ممثل قوى الخير في مواجهة الشر ؟

قبل اشهر اقدم البابا على زيارة  الى العراق وصفت بالتاريخية ليس لانها اول زيارة له منذ اندلاع ازمة كورونا و لكن لان زيارته الى بلاد الرافدين بعد عقدين من الصراعات الدموية و الحروب و الاقتتال كانت اشبه بصرخة فزع لاستباق الاخطر و لاسوا في هذا البلد و فيس المنطقة …و المتتبع للحدث في حينه يدرك جيدا ان “حج” البابا الى العراق كان مدروسا بدقة فقد استمرت الرحلة نحو اسبوع و امتدت من بغداد الى الموصل التي اخترقها الدواعش و دمروا اجمل ما فيها و استباحوا نسائها و اطفالها و هدموا مساجدها و اديرها و حولوها الى   خراب و دمار و منه الى اربيل ..و في كل محطاته كان البابا مرفوقا بجيش من الاعلاميين الذين نقلوا تلك الزيارة ساعة بساعة …و لعل المثير فعلا وهنا ما يستوجب التوقف و وفهم ابعاد هذه الرسالة ان البابا كان مرفوقا في طائرته الخاصة بثلاث و سبعين صحفيا رافقوه من اول الرحلة حتى نهايتها و كانوا يجالسونه و يحاورونه و ينقلون اصراره على حمل حقيبة اغراضه الصغيرة بنفسه …البابا اختار في العراق الالتقاء بالزعيم الديني السيستاني بعيدا عن الاضواء و كانه بذلك كان يوجه رسالة للعالم باهمية الحوار بين الاديان و الحضارات الذي يريده البعض حربا و صرعا بين الحضارات و الاديان …

سيكون من السذاجة الاعتقاد ان ما قاله البابا عن الحرب الدموية في سوريا و اليمن ستغير المشهد الراهن او تدفع صناع القرار الى اعادة وضع الحسابات و الاولويات و تحديد ما اذا ثمن  السلام و ثمن الحرب متساويان ..فتلك مسالة لا تحكمها العواطف و الانتصار للقيم الانسانية و ثقافة الامن و السلم و حق الشعوب في الحياة بل تحكمها لعبة الفواتير و ثقافة الهيمنة وعقلية الاستثمار في تاجيج الحروب و الصراعات للفوز باكبر الصفقات الممكنة للسلاح  بكل ما يعنيه ذلك من تفقير للشعوب والاوطان و من تدمير للعقول و من  تاجيج للاقتتال  حتى لا يتجه الانسان للتفكير في البناء و التغيير و التعليم والزرع و نشر المعارف و الاتقاء بالاجيال نحو الافضل …  هل تكون سوريا محطة البابا في 2022؟ هو لا ينفي و لا يؤكد و يترك كل السيناريوهات قائمة في المقابل فقد يطول انتظارنا قبل أن يجمع مسؤول عربية شتاته و يقرر زيارة سوريا او لبنان  او رام الله او بيت لحم فالمعاناة تبقى متشابهة و المأساة واحدة حتى و ان باعدت بينها الحدود و المسافات …

كاتبة تونسية