بأي ذنب تزوج القاصرات في العراق؟
ولاء سعيد السامرائي
[size=32]بأي ذنب تزوج القاصرات في العراق؟[/size]
تتداول مواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام مقطع فديو لرجل دين يتحدث مع طفلة لا تتجاوز السبع سنوات لإقناعها بالزواج منه ولاقى استياءا كبيرا وغضبا واسعا لدى العراقيين كما لقي صدى في القنوات الإعلامية التي خصصت له حيزا في نشراتها الإخبارية. وقد حمل ذلك اصدار مكتب المرجع الديني على السيستاني تصريحا يطالب فيه السلطات الحكومية بملاحقة المروجين "لممارسات" كتب : انها تسيء للدين، دون تسمية او تحديد لنوع الممارسات بالذات، لها تبعات بالغة السوء على المجتمع وموقع الدين في نفوس الناس. ويبدو ان تصريح مكتب المرجع الشيعي هذا قد جاء نتيجة رد الفعل الشعبي واستهجانه لتفشي الزواج بالقاصرات بين اتباع المرجع وخاصة من قبل رجال الدين بشكل واسع في المدن الجنوبية والارياف واستغلال حالة الفقر المدقع التي يعيشها سكان هذه المدن حتى أصبح كما تقول الباحثة الاجتماعية بتول إبراهيم تجارة رابحة وبيع وشراء للصغيرات من قبل ذويهن. ان تزويج القاصرات هو نتيجة حتمية للتلاعب بالفقه الاثني عشري الذي حاولت الأحزاب الإسلامية التصويت على قانون للأحوال الشخصية خاص به قبل بضعة سنوات ليكون بديلا لقانون الأحوال المدنية المعمول به والقوانين المشرعة في النظام السابق وما قبله التي تحمي الطفولة والمرأة والام والعائلة في مثل هذه الحالة وحالات الطلاق والحضانة ويعتبر هذا القانون من أفضل قوانين دول المنطقة قاطبة، لكنها لم تفلح وتم سحبه بضغط من الشارع العراقي. لكن ما لم يتم التصويت عليه يطبق منذ سنوات بشكل واسع خارج القانون غير الموجود أساسا بسبب تغول طبقة طفيلية لها نفوذها المادي وتأثيرها على الناس وخاصة الفقراء والمعوزين.
ولربما يخيل للإنسان ان ما يجري من حالات تزويج القاصرات في العراق هو ظاهرة محدودة لكن انفضاح ارقام أخرى تخفيها الدولة ومؤسساتها تتعلق بهذا الواقع صدم الناس وروعهم اذ ذكرت الباحثة الاجتماعية وجود سبعين ألف حالة وفاة للصغيرات أثناء ولادتهن وهو رقم مرعب ومخيف ومحزن يطرح أسئلة لا عد لها ولا حصر حول ما يجري في العراق من امتهان لحقوق الانسان ولحقوق الطفولة بشكل خاص. من المؤسف وجود مثل هذا العدد من الوفيات وتثبيت حالات السمسرة بالقاصرات سواء من الاهل او من الميسورين وكل ما يقوم به المرجع الديني هو فقط حث الحكومة علي ملاحقة المروجين في حين ان بإمكانه ان يصدر شرحا وحتى فتوى لتحريم ذلك ويتدخل في إيقاف كل ما هو ضد حقوق الأطفال في القانون الجعفري وبالتحديد تزويج القاصرات المشين والذي هو خرق كبير لحقوق الانسان وفق كل الشرائع والقوانين الإسلامية وغيرها، منها أصلا القانون العراقي وتصنيف منظمة الصحة العالمية للشريحة العمرية من 15-18 سنة بعمر المراهقة بينما يسمح القانون الجعفري بالزواج من الطفلة بعمر اقل من 15 عام مدعين ومتفاخرين بالاختلاف عن باقي القوانين بطريقة ممجوجة لا يقبلها العقل والا الدين ولا الإنسانية ! أين دور الدولة ومؤسساتها
في كل هذه الانتهاكات الصارخة لحق الطفولة وحق الحياة للقاصرات؟ أين "مؤسسات النظام الديمقراطي" التي عند الحاجة لها يصدعون رؤوسنا بالكلام عنها ووجودها في العملية السياسية، لماذا لا تسمع أصواتهم إزاء تزويج القاصرات ومن هذا العدد الهائل لموتهن عند الولادة؟ ان من يتحمل مسؤولية هذه الجرائم بحق الطفولة هو أولا من شرع وفرض هذه القوانين ويروج لها دينيا وعقائديا وألغى القوانين الإنسانية الموجودة التي كانت تنظم العلاقات بشكل حديث والمسؤول الثاني هو المرجعية الدينية التي تزخر تعليماتها وارشاداتها بعدد كبير من التفسيرات الدينية لممارسات تتعارض مع القوانين السارية ومع الدين وحقوق الانسان. لم يكن القانون العراقي قبل الغزو يسمح بالزواج للمرأة الا بعمر البلوغ والرشد وهو عمر 18 سنة ويمنع الزواج خارج المحاكم كما لا يسمح بالزواج الا في حالة الصحة العقلية والنفسية وقد ضربت كل هذه الشروط عرض الحائط لتكون مكملة لكل ما تم إدخاله الى المجتمع العراقي لتفتيته من وكالات الزواج المؤقت الذي تطور الى شبكات منحرفة واجرامية وسمسرة يشير لها تصريح مكتب المرجع السيستاني نفسه الذي كتب : ان ضعف هيبة القانون في البلد فسح المجال امام البعض للقيام بالعديد من الممارسات غير المشروعة حتى بلغت انشاء بيوت الدعارة والترويج لها ! في نفس التصريح هذا الذي نشر في كل أجهزة الاعلام العراقية يقول المرجع السيستاني: "ان الزواج المؤقت الذي يجوز في مذهب الامامية لا يسوغ ان يتخذ وسيلة للمتاجرة بالجنس ... ولا يتبعها الا ضعاف النفوس الذين لا يتورعون عن "استغلال الدين" وسيلة للوصول الى أهدافهم غير المشروعة"، لكن الحقيقة اليوم في العراق ليس فقط استغلال الدين بل اصبح ذلك موردا يدر المليارات ووسيلة لتبيض الأموال وتجارة يتربح منها المتنفذون مرتبطة بالميليشيات والأحزاب التي تقوم علنا وامام انظار الشعب العراقي بجباية بعض الأموال من صالات القمار والدعارة مقابل الحماية ! بالتزامن مع فديو الطفلة القاصر ألقت الشرطة العراقية القبض على رجل الدين سمير السوداني وبحوزته كيلويين من "حبوب الكريستال" المخدرة ومعه أسلحة وقامت الشرطة بعرض ذلك على شاشات القنوات التلفزيونية لتعطي للعراقيين أرقام جرائم القتل بسبب المخدرات لهذا العام والتي وصلت الى عشرة الاف وسبع وسبعين قتيلا عام 2021 في بلد كان نظيفا تماما من المخدرات قبل الغزو ووصلت جرائم الاحتيال الى أحد عشر ألف ومائتين جريمة!
رغم الجرائم التي تحدث يوميا وبشكل كبير ومتزايد عاما بعد عام في شتى مناح حياة العراقيين لا يرى العراقيون "مؤسسات النظام الديمقراطي" الذي فرضه الاحتلال الأمريكي مثل مفوضية حقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني المرتبط كثير منها بالولايات المتحدة وبسفارتها كما بدول أخرى او بممثلية الأمم المتحدة وغيرها ، لم نرى او نسمع انها تتدخل لحماية حقوق العراقيين والعراقيات وهم يتابعون كل ذلك عن قرب ولهم عيونهم التي توثق لهم ما يحدث بشكل دقيق بدليل اهتمامهم الرسمي الكبير بالمثليين والدفاع عنهم وتمويلهم والاحتفاء بهم كما فعلت السفارة البريطانية التي رفعت علمهم في العام الماضي في الأول من رمضان ودفاع السفير البريطاني المستميت عن الاحتفال الذي قام به ضد الاحتجاجات التي صدرت مطالبة باحترام تقاليد وشعائر البلد التي هي أصلا في صلب احترام حقوق الانسان والقوانين الدولية المتعلقة بها.
ان تفتيت المجتمع العراقي هو الغزو الأخطر الذي حصل مع الغزو الأمريكي العسكري الذي دمر البنى التحتية لدولة العراق وضرب سكانها بالأسلحة المحرمة دوليا ليزرع العوق الفكري في الجينات لقرون وبالتوازي من ذلك تستمر معاول التدمير الأخرى من قوانين لا علاقة لها بالدين كما تزويج القاصرات والمخدرات ونشر الفساد باستخدام العقيدة والتلاعب بمطاطية القانون وتواطئ الأحزاب والميليشيات في تدمير المجتمع العراقي بشكل منظم بهدف اخضاعه وشل شبابه الثائر والرافض للعملية السياسية التي فرضها الاحتلال الأمريكي ويديرها الوكيل الإيراني.