ازدادت عائلتنا فردا
د.إلهام الجواهري
[size=32] ازدادت عائلتنا فردا[/size]
قطار الانفاقً في منتصف الطريق ..
.. كنت غارقة في متابعة اوراق وكتب في حضني، وفي المقعد الفارغ جواري ..
إنه التحضير لامتحان معادلة شهادتي في البلد الغريب .
كان الهدوء، الذي طال حولي، غريبا .
.. رفعت رأسي .. اخذت افتش في معالم وجوه الاخرين عن السبب .
الكل صامت، وعجلات العربة وصوت اهتزازها كذلك .
.. لقد توقف القطار اذاً .
رجل في الستينات يواجهني نظرت اليه برهة ثم اشحت وجهي .. اعدت النظر، وبامعان من جديد .. شيء غير معقول .. لثانية عبرت ذهني، " ايكون ذلك حقاً ابي ؟! ..لا ..لا .. شيء فوق مجالات المعقول !! .. ايكون شقيقه التؤأم ؟! ..
.. لا اعرف ان له توأماً .
احنيت رأسي من جديد .. " يخلق من الشبه اربعين " .
ابتسمت .. ضحكت .. يبدو ان ضحكتي كانت عالية لارى الوجوه الجامدة حولي تنظر اليّ باستغراب ..
.. يبدو أني اخترقت حاجز صمتهم الجليدي المقدس !
مع الصمت الثلجي .. وكل شيء ثلجي بارد متجمد صامت في هذه البقاع النائية المعزولة، هجمت زوبعة صاخبة في ذهني :
.. ذكريات جميلة ..ذكريات مفرحة ، ثم اثار العصف رماد الذكريات الحزينة .
.. من تلك الضحكة الصاخبة قبل لحظات، الى الغيبوبة في عالم حزين قاتم ..
.. اغرورقت عيناي بالدموع .. احسست بكماشة هائلة تهصر صدري ..تخنقني .
أريد بلدي ! .. اريد اهلي، بيتي ! .. اريد أبي ! .
كان آخر من أراه وانا اركب الحافلة التي تقلني الى عمان .
.. لوّح لي بيديه من وراء النافذة التي ابتعدت عنه .. كان الالم يمضني.. يمزقني لحظتها .. اخفيته وقابلته باتسامة كي لا ازيد عذابه .
كم اشتقت اليك! .. كم اشتاق اليك يا ابي !
لم لا احس بحنين مماثل لأي احد في الكون، مثلما احسه نحوك يا أبي .. لن استغرب ذلك، حين استعيد حنانه، تقاطيع وجهه السمح الحزين .
اغمضت عيني الدامعتين لاستعيد مقاطع من اعصار الذكريات التي اجتاحتني ..
ليلة شتوية باردة..
عبر النوافذ الواسعة ظلام دامس .. اصوات رعد تهز البيت وبرق يخترق كل شيء، فتتوهج الصالة التي كنا نجلس فيها بالضياء .
.. قطرات المطر تنقر برتابة وحزن .
.. كرة سوداء تتدحرج فجأة وتستقر ملمومة تحت قوائم التلفاز .
هزيم رعد جديد، ينطلق إثره عواء ناحب واطيء، وتتحرك الكرة الصغيرة السوداء لتندس بين ارجلنا تحت البطانية .
عرفنا في الحال لغز الكرة السوداء ، التي ما أن احستْ بدفأ المكان ووداعة السيقان الممدودة، حتى اخذت تعبث باصابعنا وانطلقت كزكزة ونباح عابث قصير ..
خرج الجرو الصغير واخذ يتقافز.. يدور حول نفسه في الصالة .. يختبيء عابثا هنا وهناك، ثم يتوقف برهة ، يرفع راسه الصغير ويطلق نباحا خفيفا صوبنا ..
.. " انا سعيد بوجودي معكم .. وَحْ !.. وَحْ!
كم ضحكنا ونحن نراقب هذا الضيف الصغير المَرِحْ ..
.. تحركنا صوبه على اربع .. اقتربنا منه .. نظرنا اليه عينا بعين وخاطبناه :
_ وحْ! ..وحْ !
_ وحُ ! .. وحْ ! .. اجابنا وواصل عبثه قربنا .
لا شيء يضاهي حب الكلاب عند ابي إلا حبنا ..نحن صغاره .
اطلقنا اسم ( لاسي ) على هذا الكلب الاسود الصغير، الذي قال عنه والدي " انه فرخ ذيب " .
حين سألناه عن معنى ذلك قال " ابوه ذئب وامه كلبة "
اشتركنا جميعا ببناء بيت صغير له في الحديقة ليستقل فيه، غير انه كان يرفض الاستقلال ! ..كان معنا في كل مكان في البيت في اغلب الاوقات .
ازداد عدد افراد من في العائلة واحدا، وتردد اسم اخينا (لاسي) اكثر من اسماءنا في التخاطب والنداء .
اشرقت روحي بضياء ودفء وابتسامة وانا ساهمة في العربة الصامتة .
هنالك دغدت ناعمة على كاحلي الايسر ؟
كلب صغير يندس بين قدمي طالبا دفئا وحماية .