الفتنة تطل برأسها من جديد في العراق.. من يقف وراءها ويغذيها.. وما هي سبل وأدها؟
د. سعد ناجي جواد
الفتنة تطل برأسها من جديد في العراق.. من يقف وراءها ويغذيها.. وما هي سبل وأدها؟
الاخبار التي تاتي من العراق ليست فقط لا تسر، وهذا امر تعودنا عليه مع الاسف منذ ان ابتُلينا بالاحتلال وبمن جاء معه، ولكنها في هذه الايام اصبحت مقلقة ولا تبشر بخير. فبالاضافة الى استمرار التنابز والمزايدات والصراعات بين التكتلات والاحزاب المشاركة في العملية السياسيةً، والغموض الذي لا يزال يكتنف عملية تشكيل الحكومة القادمة، والتي في مجملها لن تغير من الوضع الماساوي العام، ولن تعود على العراق والعراقيين باي خير، او بصورة ادق انها لا تمثل سوى مصالح شخصية انانية فئوية لا تاخذ بعين الاعتبار معاناة الشعب العراقي اليومية، (واخرها شبه انعدام الطاقة الكهربائية في هذ الايام التي تتميز ببرودة قاسية جدا)، فان هذه الاحزاب والتكتلات ما تزال تتصارع على تقاسم المناصب، ولاهية عن مشكلة خطيرة جدا تواجه عموم البلاد تتمثل في تصاعد هجمات عصابات داعش على مناطق مختلفة من العراق. واخطر ما في هذه الاخبار ان هذا التنظيم الارهابي يعد العدة للهجوم على سنجار والموصل وديالى مرة ثانية، وهذا الكلام ليس من عندي وانما قاله وزير سابق علنا، وبث الرعب في نفوس الناس بتاكيده ان هذا التنظيم الارهابي سيصل هذه المرة الى جنوب العراق. وزادت المخاوف من هذا الخطر بعد حادثة (هروب) سجناء من التنظيم من سجن الحسكة القريب من العراق.
من يؤمن بنظرية المؤامرة يؤكد ان هذه العملية جاءت بتدبير من جهة تخطط لكي تعيد الارهاب الى العراق مرة ثانية. هناك من يتهم ايران واخرون يتهمون الولايات المتحدة الامريكية، وكل طرف له تفسيراته. ولا يهم هنا من هي الجهة الخارجية التي تريد عودة الارهاب الى البلاد، ولا مسالة ان كان حقيقة هناك من يخطط لذلك ام لا، ولكن المهم هو ان التنظيم استفاد من تجربته وهزيمته المنكرة السابقة، وخطط جيدا لمثل هذه العودة مستفيدا من الدعم الذي لا يزال يتدفق عليه من اطراف خارجية، والاكيد انه استفاد اكثر من فشل الحكومات المتعاقبة في معالجة جذور المشكلة واسبابها. والخطة الجديدة كما يقول اشخاص متخصصين تم التواصل معهم ان الخطة مبنية على ان يقوم التنظيم الارهابي بهجوم كبير على مناطق في محافظة ديالى، للايحاء بان هذا هو الهجوم الرئيس، لجعل لقوات العراقية تتكتل هناك، كي يتم مهاجمة الموصل وسنجار بقوات اخرى في نفس الوقت. كما اكدت مصادر اخرى ان الحالة استوجبت وضع القوات الامنية الكردية في اقصى حالات الاستنفار. ويبقى السوال المُلِح هو ما هي قابلية العراق على التصدي لمثل هكذا مخطط؟ هذا اذا ما اعتبرنا جدلا ان هناك شعور رسمي حكومي جدي بهذا الخطر القادم.
من ينظر اليوم الى المشهد العراقي وحالة التشتت التي تسوده لابد وان يستنتج ان الاستعدادات لمواجهة هذا الخطر تبقى مقلقة وليست بالمستوى المطلوب، وان اعداد الضحايا من الابرياء ومن القوات العراقية ستكون مضاعفة هذه المرة، وذلك بعد التجارب التي مر بها التنظيم، والاعداد الجيد لافراده. والاهم هو حالة المناطق التي سيهاجمها والتي ظلت تعاني منذ تحريرها عام 2016، من الاهمال وعدم وجود خطط للاعمار، وما يعانيه ابناءها من اضطهاد وحرمان وتغول مجاميع مسلحة عليهم جاءت من خارج محافظاتهم.
بالمقابل لا يدرك (سياسيو) عراق اليوم ان نجاح داعش هذه المرة سوف يغرق البلاد في مذابح وكوارث اقسى من سابقاتها، وان الفوضى التي ستعم البلاد قد لا تمكنهم حتى من تشكيل حكومة جديدة، هناك من يقول ان افراد الطبقة الحاكمة وكل المشاركين في العملية السياسية غير مهتمين اساسا، وذلك لانهم بعد ما يقارب عقدين من الفساد والسرقة الممنهجة لخيرات العراق استطاعوا ان يؤمنوا لانفسهم ثروات كبيرة من السحت الحرام في الخارج تمكنهم ان يعيشوا عليها برفاهية كبيرة ما تبقى من اعمارهم واعمار ابنائهم بل وحتى احفادهم، ونسوا القول الكريم ( من خاف على عقبه وعقب عقبه فليتقي الله).
من يومن بنظرية المؤامرة يفسر هذه الحالة تفسيرات مختلفة. اولها ان الحكومة الحالية تريد ان تستغل اي هجوم قادم لداعش لكي تعلن حالة الطواريء وتبقى في الحكم بعد ان بدات تظهر بوادر مشاريع وتحالفات لتغيير رئيسي الجمهورية والوزراء. ثانيهما يقول ان الاطراف الخاسرة في الانتخابات تريد ان تستغل اي نجاح لعصابات داعش لكي تطالب بالغاء نتائج الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة يشارك فيها الجميع، ويدعي اصحاب هذا الراي ان فصائل مسلحة مكلفة بحماية المناطق المجاورة للموصل قد تم سحبها من المناطق المهددة. وثالثهما ان الولايات المتحدة الامريكية، (ومن خلفها اسرائيل) يريدان ان تجتاح عصابات داعش مناطق من العراق مرة اخرى لكي تستغل ذلك للبقاء في العراق ولتستفيد من العصابات الارهابية لمحاربة النفوذ الايراني في العراق، واخير لكي تُبقي العراق غارقا في الفوضى، ودليل اصحاب هذا الراي هو الدعم المستمر الذي تقدمه اميركا واسرائيل لعصابات داعش، بل ويتهمونهما بتدبير عملية الهروب من سجن الحسكة. ومهما كانت التاويلات والتفسيرات والتخيلات حول حقيقة ما يجري او ما هو متوقع، فان كل الوقائع تقول ان النصر السابق على داعش، والذي تسبب في ذهاب عدد كبير من الضحايا وتدمير مدن باكملها، ولا تزال اثار التدمير باقية لحد الان، قد يذهب سدى بسبب الاهمال والانشغال عن معالجة اسباب المشكلة وسياسات القمع والخطف والتغييب والقتل التي مارستها مجاميع مسلحة ضد ابناء تلك المناطق.
لا يوجد شك لدى اغلب قادة ومنتسبي القوات المسلحة العراقية، التي نجحت في دحر عصابات داعش في السابق، بانهم قادرون على فعل ذلك ثانية، على الرغم من محاولات تهميش دورهم ومحاولات اضعاف قدراتهم وتنصيب قيادات غير كفوءة عليهم. كما ان اغلب قوات الحشد الشعبي التي شاركت في المعارك السابقة تم حشرها في الصراعات الداخلية واستغلالها من قبل قياداتها لاغراض سياسية، ناهيك عن عملية تضخيم هذه القوات (بمنتسبين فضائيين) لا وجود لهم على ارض الواقع وتذهب رواتبهم الى جيوب الفاسدين من قادتهم،
ما يثير السخرية المرة انه في ظل هذا الوضع الخطير لا يزال المشاركين في العملية السياسية يتصارعون حول من هي (الكتلة الاكبر، ومدى دستورية وقانونية الجلسة الاولى للبرلمان، ومن سيكون له الحق في ترشيح رئيس الوزراء، وما هي نوع الحكومة القادمة، حكومة اغلبية او توافق وطني؟ ومن سيكون رئيس الوزراء القادم ولمن سيذهب منصب رئيس الجمهورية، وكيف سيتم تقاسم الوزارات الدسمة بمخصصاتها المادية)، الى غير ذلك من امور ثانوية. حتى الكتلة التي اعتبرت نفسها بانها فائزة، وانها قادرة على تشكيل الحكومة القادمة، بدات تعيش اجواء المزايدات. فبعد ان ايقن بعض اطرافها بانه لايمكن تشكيل اية وزارة بدون التحالف معها، بدات بتصعيد مطالبها وشروطها بدعوى ان هذا يمثل (حفاظا على مصالح مكونها)، هذه العبارة التي تستخدم كذبا ونفاقا.
يُجمع اكثر المهتمين بالشان العراقي ان اول الاستعدادت واسرعها لمواجهة هذا الخطر هو العمل على وضع القيادات الكفوءة والمناسبة على راس القوات المسلحة، ابتداءا من وزير الدفاع ونزولا، وابعاد غير المهنيين مهما كانت انتماءاتهم الحزبية، وثانيها وضع فصائل الحشد الشعبي تحت امرة وزارة الدفاع العراقية حصرا لغرض تنسيق مهماتهم مع مهام وعمل الجيش، واخيرا وليس اخرا حل مشكلة تشكيل الحكومة باسرع وقت ممكن واختيار المعروفين بكفائتهم ونزاهتهم وبعيدا عن المحاصصة البغيضة، لمواجهة الخطر القادم، ولكي يشعر المواطنون بان هناك جدية في العمل ونية صادقة للبدء باصلاح ما تم افساده خلال ما يقارب عقدين من الزمن.
[size=32]حفظ الله العراق وشعبه من كل سوء.[/size]