الجاموس في العراق ضحية شح المياه والإهمال
الجاموس العراقي ثروة وطنية مهددة بالانقراض (الجزيرة نت)
الجزيرة/علي كريم إذهيب:منذ ساعات الفجر الأولى من كل يوم تقوم حنان طلال (27 عاما) -كغيرها من الفلاحين- بحلب جاموستها وتجميع الحليب وبيعه في السوق، حيث يشكل الحليب مصدر رزقها الوحيد، إلا أن حالها صار صعبا للغاية.
تشكو حنان -في حديث للجزيرة نت- من قلة مناسيب مياه الأهوار التي تسببت بنفوق كثير من الجواميس من بينها جاموسة كانت عندها.
وتعاني حنان كغيرها من أصحاب الجواميس من انتشار الأمراض التي تصيب الجواميس بالصيف، إلى جانب غلاء الأعلاف، فضلا عن سرقة الجواميس وتهريبها على يد العصابات.
بيئة ملائمة
حسب المؤرخ الدكتور عبد الجبار الفيصل، فإن العراق يعدّ من الأماكن التي يربّى فيها الجاموس نظرا للبيئة الملائمة لمعيشته لا سيما منطقة الأهوار التي تغطيها المياه، وتذهب تقديرات إلى أن أصله من الهند، إلا أن الآثار تشير إلى وجود الجاموس في بلاد وادي الرافدين قبل وجوده في الهند من خلال الرسوم التي تعود إلى 4600 عام.
وقال الفيصل للجزيرة نت إن بعثات الآثار البريطانية قبل 100 عام وجدت في منطقة النمرود (شمالي العراق) رأسا لحيوان جاموس من العاج يعود إلى عهد آشور بانيبال سنة 265 قبل الميلاد.
وأضاف أن مصادر تاريخية أخرى أشارت إلى دخول الجاموس العراق في العهد العباسي حين جاء مربّو الجواميس من دول آسيا وسكنوا الأهوار، مضيفا أنه وفقا لذلك فإن الجاموس نقل بعد ذلك من العراق إلى مصر.
الجاموس والاقتصاد
ويعتقد الأكاديمي في الزراعة الدكتور خضر الجبوري أن النهوض بالثروة الحيوانية بشكل عام والجاموس بشكل خاص سيوفر دعامة أساسية في توسيع قنوات النهوض لدعم اقتصاد البلد المعتمد اعتمادا أساسيا على النفط.
وقال الجبوري للجزيرة نت إن الواقع الحالي للثروة الحيوانية والإنتاج الحيواني وتربية الجاموس في مناطق الأهوار وغيرها من المناطق بحاجة إلى إعادة تأهيل، حيث تواجه هذه الثروة معوقات ومشاكل تتطلب العمل المتكاتف لوضع الحلول المناسبة للنهوض بهذا القطاع.
حياة مهددة
ويذكر الخبير الزراعي علاء البدران مجموعة عوامل تهدد حياة الجواميس في الأهوار العراقية، منها أن الأهوار -المعقل الرئيس للجاموس- تعاني من تراجع مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات جراء تزايد السدود في الدول المجاورة منذ عام 2017 فضلا عن التغييرات المناخية وقلة الأمطار.
كما أن قلة المياه تؤدي إلى ارتفاع الملوحة داخل المستنقعات المائية، وذلك يتسبب بضرر كبير للجاموس، حسب البدران الذي بيّن -في حديثه للجزيرة نت- أن الجاموس لا يملك خلايا أو مسامات تساعده على التعرق لهذا يفضل البقاء مدة طويلة داخل المياه لتبريد جسمه الكبير.
ويحدد الخبير الزراعي عاملا آخر عدّه خطرا يهدد الجاموس، هو تراجع نباتات القصب والبردي التي يتغذى عليها داخل الأهوار بسبب قلة المياه.
خطط لإنقاذ الجاموس
تبنّت دائرة الثروة الحيوانية التابعة لوزارة الزراعة العراقية خطة جديدة من خلال التلقيح الاصطناعي لحيوان الجاموس لزيادة أعداده.
وقال مدير الدائرة العام الدكتور عباس سالم حسين -للجزيرة نت- إن مشروع التلقيح الاصطناعي سيخدم مربّي الجواميس، متوقعا تحقق نقلة نوعية في مجال تربية الجاموس.
من جهته، حذر المتخصص في البيئة والمناخ خالد سليمان من مشاكل مستقبلية تهدد المسطحات المائية التاريخية في العراق.
وقال للجزيرة نت إن سكان الأهوار يعتمدون على 3 مصادر حياتية، هي الجاموس والقصب والسمك.
ويضيف سليمان أن تعرض المسطحات المائية للجفاف سيؤدي إلى هجرة سكانها، ويقلل من الاستفادة الكاملة للثروات في تلك المناطق، ويؤدي إلى انحسار أعداد الجاموس.
وأشار إلى أن جفاف الأهوار نتيجة التغييرات المناخية وبناء السدود العملاقة على المياه الواردة إلى العراق يزيد من المخاطر التي تهدد الجاموس والنباتات التي يتغذى عليها.
دعوة للاستثمار
ويقول الخبير الاقتصادي مصطفى حنتوش إن ضعف استثمار دائرة الثروة الحيوانية الحكومية التابعة لوزارة الزراعة العراقية أدى إلى إهمال استثمار البيئة المناسبة لهذه الثروة المهمة.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقترح حنتوش فتح المجال لاستثمار هذه الثروة بمشاريع ثروة حيوانية خاصة كبرى لا تقتصر على مربّي الجواميس.
وكشف مدير مركز إنعاش الأهوار التابع لوزارة الموارد المائية العراقية عدنان الموسوي عن التوجه نحو معالجة شح المياه بتطهير المسالك المائية المؤدية إلى الأهوار لتأمين المياه والحفاظ على الثروات الوطنية.
وقال الموسوي -للجزيرة نت- إن تلك التوجهات تشمل أيضا إدارة مشاريع الأهوار والأراضي الرطبة في محافظة ذي قار لإيصال مياه الشرب إلى القرى البعيدة عن مصادر المياه، بغية استقرار السكان المحليين في مناطقهم الأصلية والحفاظ على الجواميس.
وعن أعداد الجواميس، بيّن الموسوي أنها تربو على 80 ألف رأس في محافظة ذي قار، معظمها في مناطق الأهوار.
يذكر أن عدد الجواميس في العراق بلغ مليون رأس في نهاية سبعينيات القرن الماضي، 45% منها في محافظة ذي قار فقط.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) قد أدرجت في يوليو/تموز 2016 مناطق الأهوار (جنوبي العراق) بلائحة التراث العالمي، وتعليقا على ذلك عدّته الصحفية العراقية نور صادق اعترافا بالأهمية الفريدة للأهوار.
وقالت صادق -للجزيرة نت- إن "ذلك القرار مسؤولية مشتركة تتطلب تعاونا دوليا إذ يتعين على المجتمع الدولي المشاركة الجماعية في حماية التراث الثقافي والطبيعي ذي القيمة العالمية المتميزة، خصوصا ما يتعلق بالثروة الحيوانية (الجاموس) داخل الأهوار نظرا للتهديد الذي يمكن أن تتعرض له".
وتضيف أن مساحة الأهوار تشكل نحو 17% من مساحة العراق، وتغطي المياه 3.8 ملايين دونم من الأراضي العراقية، منها 2.3 مليون دونم مغطاة بمياه الأهوار.