قصة قصيرة - ( بائعة الخبز)
أحمد الكناني
قصة قصيرة - ( بائعة الخبز)
قصة حقيقية مؤثرة حدثت لأحد المعلمين بمنطقة ريفية كان يُدَرِّس في مدرسة للبنات في الصف الثالث ابتدائي ، وفي كل يوم كان يرى خارج الفصل بجانب الشباك بنت مسكينة وجميلة تكسوها البراءة وتبيع الخبز لأمها في الصباح ، وقد بلغت سن المدرسة لكنها لم تدخلها بسبب الوضع المادي لأسرتها ، فلديها أربعة أخوه صغار ووالدهم متوفي وهي تسهم مع أمها في مصاريف معيشتهم ببيع الخبز عند المدرسة ، فساعدت إخوتها بأن يدخلوا المدرسة ويكملوا تعليمهم ..
كان الاستاذ يشرح للطالبات درساً في الرياضيات وبائعة الخبز تتابعه من شباك الفصل وهي بالخارج ، ثم سأل الأستاذ في أحد الايام الطالبات سؤالاً صعباً وخصص له جائزة ، ولم تجيبه أي طالبة ، وتفاجأ ببائعة الخبز تؤشر بأصبعها من خارج الشباك وتصرخ : أستاذ.. أستاذ... أستاذ ، فأذن لها المدرس بالإجابة .. وأجابت وكانت إجابتها صحيحة…!!
منذ ذلك اليوم راهن عليها الأستاذ ، فتكفل برعايتها وبكل ما يلزمها من مصروفات مدرسية على نفقته ومن مرتبه ، واتفق مع مدير المدرسة على أن يتم تسجيلها كطالبة بالمدرسة وتشارك بالاختبارات دون دخول الفصل لعدم قدرتها على تحمل مصاريف المدرسة ، وأن يجعلها تبدأ من الصف الثالث كمستمعة لـتتعلم ولو الشيء البسيط من التعليم ، واتفق مع جميع مدرسي المواد الأخرى على أن تظل الفتاة تستمع من الشباك إلى كل الحصص وهي خارج الفصل ، فأجمعوا على الموافقة على مغامرته وأخبر هو والدتها بذلك ، وفرض المدرس على الفتاة أن تترك بيع الخبز وتتفرغ للتعليم ويتولى أحد اخوتها البيع بدلاً منها ..
وكانت المفاجأة عندما ظهرت نتائج الاختبارات ، فقد كانت هي الأولى على المدرسة ، وسارت على هذا النهج برعاية الأستاذ وإشرافه اليومي عليها الى أن اوصلها إلى الصف الأول بالمرحلة الثانوية ..
وهنا فارق الاستاذ البلاد للعمل بالخارج ، ولم يكن هناك تلفونات في ذلك الوقت لكي يواصل متابعة أخبارها ، وقد كبر أحد إخوتها وعمل بعربة لبيع الماء وبقى يصرف عليها ، وانقطعت صلتها بالأستاذ لمدة اثني عشر عاماً ..
وبعد غياب اثنا عشر عاماً عاد الأستاذ إلى البلاد ، وكان لديه زميل بالدولة التي كان يعمل فيها ، وزميله هذا لديه ابن في الجامعة كلية الطب ، وطلب زميله منه أن يرافقه للجامعة ، وأثناء دخوله الجامعة مع صديقه مكث بعض الوقت في الكافتيريا ، فإذا بفتاة على قدر من الجمـال تحدق فيه بشوق وقد تغيرت معالم وجهها عندما رأته ، وهو لم يعلم لماذا تحدق فيه بهذا التأثر ..!؟
فسأل الاستاذ ابن صاحبه إن كان يعرف هذه الفتاة وأشار إليها خفية ، فأجابه : نعم بالطبع إنها بروفيسور تُدَرِّس طلاب كلية الطب دفعة السنة السادسة والأخيرة …
ثم سأل الطالب الأستاذ : هو أنت بتعرفها يا استاذ ..؟
قال : لا ولكن نظراتها لي غريبة ..
وفجأة وبدون مقدمات جرت الفتاة نحوه واحتضنته وعانقته وهي تبكي بحرقة بصوت لفت أنظار كل من كان بالكافتيريا ، وظلت تحضنه لفترة من الزمن دون مراعاة لأي اعتبار ، وظن الجميع أنه والدها ، وأجهشت بالبكاء حتى أغمي عليها … وتم إسعافها …
وبعد فترة صحت من نوبة الإغماء وتمالكت أعصابها ونظرت إليه وقالت له : ألا تذكرني يا أستاذي ..؟
أنا البنت اللي كانت حطام إنسانة وحضرتك صنعت منها إنسانه ناجحة ، أنا البنت اللي حضرتك كنت السبب في دخولها المدرسة وصرفت عليها من حر مالك حتى وصلت إلى ما وصلت إليه ، وذلك بفضل الله ثم رعايتك واهتمامك وموقفك الإنساني الفريد ، أنا ابنتك فلانة ( بائعة الخبز ) …
ودعته والذين معه ومجموعة من الزملاء إلى منزلها وأخبرت أمها وإخوتها بالأستاذ الإنسان الذي وقف معهم وكان سبباً في تغيير مجرى حياتهم ، واحتفلت به الأسرة احتفالاً كبيراً ، وكانت مناسبة فرح كبيرة ، وألقى الأستاذ كلمة قال فيها :[ لأول مرة أحس إني معلم و ..إنسان ..]