السياحة العراقية تنهض ببطء من بوابة المعالم الأثرية
امسكي بالكاميرا جيدا ففرصة التقاط هذه الآثار نادرة
تتزايد المؤشرات على بروز نمو تدريجي في السياحة العراقية من بوابة المعالم الأثرية بعد ركود متواصل منذ عقود بسبب منغصات الحروب والفوضى رغم أن القطاع لا يزال يعاني من الإهمال ولا توجد خطط واضحة للنهوض به حتى يرفد الاحتياطات النقدية.
العرب/الحلة (العراق) - تحاول الحكومة العراقية منح السياحة بارقة أمل للانتعاش عبر جعل المواقع الأثرية التاريخية تفتح أبوابها لاستقبال الزوار أملا في تنشيط اقتصاد بلد مدمن على عائدات النفط الخام.
وفي دليل على ذلك بات موقع بابل الأثري العريق في وسط البلد مؤخرا أحد أهم المزارات حيث يتوافد السياح الأجانب إليه لتخليد ذكرى عبر التقاط صورة أمام بوابة عشتار.
وقبل عام، باتت تأشيرة الدخول تُمنح عند الوصول إلى بغداد للعديد من الجنسيات الأجنبية، بعد عزلة عقود فرضتها الحروب، أنست العالم مواقعه الأثرية الهامة المدرج بعضها على قائمة اليونسكو للتراث العالمي والتي تنافس دولا مثل مصر وسوريا والأردن.
ويأتي بعض السياح بشكل فردي بينهم صانعو محتوى يستكشفون البلاد وينشرون على “يوتيوب” فيديوهات عن الطعام والسكان والآثار لعشرات الآلاف من متابعيهم.
في المقابل يأتي آخرون ضمن مجموعات سياحية مع شركات محلية خاصة تنظم جولات من بغداد إلى البصرة جنوبا ثم الموصل شمالا.
وعدا السياحة الدينية التي تعاني من المشاكل نفسها، فالقطاع جديد نسبيا على البلاد. ويقول أصحاب شركات خاصة يجهدون بشكل ذاتي لجذب السياح إن القطاع لا يزال يفتقر للتنظيم والتمويل والبنى التحتية اللازمة واهتمام الحكومة.
وتروي إليانا أوفاييه المقيمة في كاليفورنيا والتي تجول العراق مع شركة “بالعطلة” لتنظيم جولات سياحية أنها تحلم بزيارة البلد منذ أن تلقّت عنه دروسا في تاريخ الفنون قبل عقدين.
ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى أليانا قولها “حين علمت أنه بإمكاننا الحصول على تأشيرة الدخول عند الوصول، جئت حالما استطعت أنا متحمسة لأرى كل ما يرتبط بمهد الحضارات”.
وتضيف “أول ما لاحظته هو دفء وكرم وطيبة الشعب العراقي، يرحبون بك بابتسامة وهم مهذبون جدا وفخورون جدا ببلدهم”.
ورغم حماسها وشغفها بتاريخ العراق، لاحظت إليانا البالغة 50 عاما وتعمل بشركة غوغل، تهالك البنى التحتية.
ولا تزال بابل التي تحولت إلى قاعدة عسكرية للتحالف الدولي إبان الغزو الأميركي، تحمل ندوب الماضي، وكأنها لم تعتد على الزوار.
ويبدو الموقع مهجورا حيث الأعشاب تتصاعد من بعض التفسخات في الأرض والمقاعد المتهالكة المخصصة لجلوس الزوار.
وفي الجهة الأخرى من الموقع هناك أعمال بناء وصيانة، حيث يظهر عمال بخوذ صفراء وسترات فوسفورية، وهم يحضرون قطعا حديدية وإسمنتية. كما أن النفايات تتراكم في الأرجاء حيث الأعشاب البرية والأشواك عرشت على بعض جدران المدينة الأثرية.
ويتحدث الأميركي جاستن غونزاليس (35 عاما) بابتسامة عن تجربته في العراق. ويقول “على موقع حكومتي يوجد تحذير من الذهاب إلى العراق بسبب خطر الخطف والعنف، لكنني لم أر أيا من ذلك”.
وفي تسعينات القرن الماضي زمن الحصار والعقوبات الدولية، أصبح العراقيون في عزلة تامة عن العالم، والتي لم تنكسر حتى بعد 2003 عقب إسقاط نظام صدام حسين، فقد تلتها سلسلة من الحروب، جعلت صورة البلد في العالم تقتصر على مشاهد الدمار.
ولا تزال العديد من الحكومات الغربية رسميا تحذر رعاياها من السفر إلى العراق مثل الولايات المتحدة وفرنسا التي يشير موقع وزارة خارجيتها إلى “الخطر الإرهابي” و”خطر الخطف”.
ومع ذلك، تسعى بغداد للإقلاع بقطاعها السياحي رغم تحدي النقص في البنى التحتية، والتي يقول عنها خبراء إنها نتيجة طبيعية لعدم مبالاة الحكومات المتعاقبة للاستفادة منه مع استمرار تركيزها فقط على إيرادات النفط المتقلبة.
وهذا الاعتماد الشديد على عوائد الطاقة بات على حساب تنمية وتطوير بقية قطاعات أخرى كالصناعة والزراعة والسـياحة التي يمتلك من مواردها العراق الكثير من الإمكانات التي تنتظر الاستثمار والتطوير بسبب غياب التخطيط وسياسة تنويع مصادر الدخل.
ويقول علي المخزومي صاحب “بالعطلة” التي تنظم منذ 8 أشهر جولات للأجانب “لكي تتطور البنى التحتية لا بد من استثمار للقطاع الخاص في الفنادق ووسائل الراحة والحافلات”. وتستقبل شركته 30 إلى 40 سائحا شهريا يجولون البلاد لمدة تناهز العشرة أيام.
وبحسب أرقام هيئة السياحة الحكومية دخل أكثر من 107 آلاف سائح العراق في 2021، بينهم أكثر من 300 من فرنسا والنرويج وبريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة وتركيا وغيرها، مقابل نحو 30 ألفا قبل عام.
ويعمل العراق تدريجيا على ترميم مواقعه الأثرية، فقد أعيد تجديد شارع المتنبي في بغداد بمبادرة بنوك خاصة. أما الشارع الموازي له، شارع الرشيد الذي يحمل الأهمية التاريخية نفسها في قلب المدينة القديمة، فهو عبارة عن ركام ونفايات.
ومع أن بيوت بغداد القديمة المشيّدة بالطوب العراقي الأصفر متهالكة في معظمها ومعرضة للانهيار، تمكنت الحكومة من فتح المتحف الوطني في بغداد أبوابه هذا الشهر بعدما كان مغلقا لثلاث سنوات، فيما تنوي افتتاح أكثر من متحف جديد.
ومدينة أور الأثرية الواقعة في جنوب العراق حيث صلى البابا فرنسيس العام الماضي، طالتها حملة الترميم لمناسبة الزيارة فقط وفي نينوى ومركزها الموصل، دمر تنظيم داعش العديد من المواقع الأثرية الهامة.
ومع ذلك، تسعى هيئة السياحة لـ”تأهيل المواقع الأثرية سياحيا”، كإنشاء محطات استراحة، من ضمن أهداف أخرى.
ورغم ذلك، يبقى غياب البنى التحتية والخدمات والتنظيم عائقا بالنسبة إلى آية صالح وزوجها أحمد اللذين أطلقا شركتهما “سفراتي” قبل نحو عام. وتقول آية “قاموا بفتح تأشيرات الدخول عند الوصول لكنهم أبقوا كل شيء آخر معقدا”.
وتضيف “نصف رحلة السائح تنقضي في الطريق وعلى نقاط التفتيش. ورغم أننا نحمل الموافقات اللازمة، لكن لا فرق، التعب نفسه والانتظار نفسه ولا توجد جهة نشتكي إليها”.
وعلى يوتيوب، تتنوع العناوين “أفضل بيتزا في العراق”، “شاب أميركي يلتقي بفتاة عراقية”، “اكتشاف بغداد، كم هي خطيرة؟”، “إيما في حديقة الزوراء”.
وتعتبر إيما الاسكتلندية واحدة من العديد من صانعي المحتوى الذين بات العراق وجهتهم المفضلة، مع أكثر من 73 ألف متابع على “يوتيوب”.
وزارت العراق مرتين وقضت في زيارتها الأخيرة شهرين متواصلين من بغداد إلى الفلوجة والرمادي والبصرة.
وتتحدث لوكالة الصحافة الفرنسية بشغف عن تجربتها قائلة “تعتقد أنهم بعد كل ما مروا به، بعد عقود من العزلة والحروب، سيكونون شعبا تعيسا لكنهم طيبون وكرماء مع الغرباء”.