العراق: الأراضي الزراعية ملجأ الباحثين عن سكن
العربي الجديد:لم يعد سهلاً تأمين أرض للسكن في العاصمة العراقية بغداد أو مراكز المدن في بقية المحافظات. وفي حال وجدت، يكون سعرها مرتفعاً، الأمر الذي يدفع العراقيين باستمرار إلى تحويل الأراضي الزراعية إلى سكنية بعد تجريف البساتين، خصوصاً بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 في ظل غياب التخطيط.
وكانت وزارة التخطيط العراقية قد قدمت العام الماضي مشروع قانون إلى البرلمان لتسوية أزمة السكن العشوائي واستغلال الأراضي الزراعية وتحويلها إلى سكنية كي تُشمل بمزيدٍ من الخدمات. وقال المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي إن "القانون عالق في أدراج مجلس النواب إلى غاية الآن".
ويقول حميد المشهداني، وهو صاحب مكتب لبيع وتأجير العقارات في حي الدورة (جنوبي بغداد)، إن "أسعار الأراضي السكنية داخل الحي مرتفعة بشكل كبير، ويبلغ سعر الأرض بمساحة مائة متر أكثر من 130 مليون دينار عراقي (نحو 80 ألف دولار)، في حين أن البساتين المحيطة بالحي التي جرفت وحولت إلى أراض سكنية تعد أرخص بكثير. وأحياناً، يصل سعر 100 متر إلى 30 مليون دينار (نحو 20 ألف دولار)". يتابع المشهداني أنّ "معظم الأراضي الزراعية باتت مسكونة، وهي قريبة من جميع الشوارع المرتبطة بمراكز المدن، كما أنّ غالبية سكان الأراضي الزراعية من الموظفين، وبعضهم من التجار الذين لا يحبذون السكن في مراكز المدن المزدحمة، فيختارون التجمع عند أطراف المدن".
وتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من الإعلانات المتعلقة بعروض منازل يذكر أصحابها أنها مشيدة على أرض زراعية، ما يعني بحسب القانون العراقي أنه لا يمكن تسجيل المنزل باسم الشخص المشتري، إنما يبقى بصيغة متعاقد ويحق للحكومة إجلاؤه بأي وقت، ويعرف محلياً باسم "طابو زراعي".
من جهته، يوضح سعد عبد الغفار الذي يسكن حالياً وسط أرض زراعية في بلدة أبو غريب في بغداد، أن غلاء الأسعار في "الطابو" دفع الكثير من محدودي الدخل والموظفين إلى التوجه نحو الأراضي الزراعية التي يزداد الاعتماد عليها. ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد" أنّه "لا يبدو أن الحكومة تمانع السكن في الأراضي المخصصة للزراعة والبساتين، بدليل أنها تواصل إمداد هذه الأراضي بالكهرباء وشبكات المياه وترميم الطرقات وربطها بتلك الرئيسية في المدن".
ومؤخراً، كشف محافظ واسط محمد جميل المياحي عن إطلاق مشروع "توطين الريف" الذي يهدف إلى شمول جميع القرى والتجمعات الريفية في المحافظة بالخدمات المختلفة، مشيراً إلى وجود نحو ألف ومائة قرية في عموم المحافظة، 60 في المائة منها شملتها الخدمات، على أن يتم شمول البقية تباعاً ضمن خطط تطوير الخدمات التي وضعتها الحكومة المحلية.
ويلفت المياحي إلى أن جميع أقضية ونواحي المحافظة تشهد تنفيذ العديد من المشاريع العمرانية المختلفة بمجموع إجمالي لتلك المشاريع يبلغ أكثر من 400، معتبراً أن "المشروع يهدف إلى توطين أهالي الريف من خلال شمول جميع القرى والمناطق الريفية بالخدمات المختلفة، منها الكهرباء ومشاريع المياه والطرقات والمدارس النموذجية والمراكز الصحية والملاعب الرياضية".
من جهته، يقول المسؤول في مديرية زراعة محافظة بابل صالح القصاب، إن "استمرار التعديات على الأراضي الزراعية وعدم توصل الحكومة إلى حلول ناجحة وسريعة لأزمة السكن، سيؤدي إلى تدهور القطاع الزراعي، لا سيما أنّ تجريف البساتين يحدث غالباً من دون موافقة رسمية من الدوائر المتخصصة".
ويقول القصاب لـ "العربي الجديد" إنّ "تشييد المنازل مستمر على الأراضي الزراعية، الأمر الذي يخالف القانون العراقي، لكنّ حاجة المواطنين إلى السكن تدفعهم إلى ذلك". ويؤكد أنّ "أكثر من 70 في المائة من المنازل التي تم تشييدها منذ عام 2005 وحتى الآن تمت على أراض زراعية وبساتين".
وتعترض وزارة الزراعة العراقية على تحويل الأراضي، وقد أشارت إلى ذلك في أكثر من مناسبة، مؤكدة على أهمية "الحفاظ على المساحات الخضراء، وعدم استمرار تجريف البساتين الزراعية والأراضي الصالحة للزراعة، بالإضافة إلى منع بناء المجمعات التجارية على الأراضي الزراعية".
وفي وقت سابق، أكدت لجنة الخدمات في البرلمان العراقي (الدورة الرابعة)، أن البلاد تحتاج إلى نحو 5 ملايين وحدة سكنية لمعالجة أزمة السكن، وهناك حاجة إلى توزيع أراضٍ أو وحدات سكنية. ويقول عضو اللجنة النائب السابق عباس العطا، إن "الاستراتيجيات المتبعة لمعالجة أزمة السكن في البلاد المتضمنة توزيع أراضٍ أو وحدات سكنية، جميعها بلا جدوى، كون الأراضي لم تتم تهيئتها بالكامل لتنفيذ المشاريع، وغالبيتها مملوكة لوزارة المالية، ما يعني أنّ هناك إشكالاً قانونياً، إذ تتمسّك دائرة عقارات الدولة بالأراضي ولا تحولها إلى دائرة البلديات لإصدار سندات للمواطنين الراغبين بالحصول على وحدات سكنية".
وبلغ عدد محاولات الحكومات العراقية المتعاقبة لحل أزمة السكن ثلاث محاولات منذ عام 2003 وحتى الآن، وكلها لم تسفر عن أي حلول. وتفاوتت هذه المحاولات بين تقديم قروض مالية للمواطنين تُعرف باسم قروض السكن، وتوفير مواد بناء بأسعار مدعومة، وتوزيع أراض سكنية بمساحة تتراوح ما بين 200 و250 متراً على شرائح مختلفة من المواطنين.