قال الباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة ، بأن معاناة الأسرى وذويهم تتفاقم في شهر رمضان المبارك ، وأن العيد يُعتبر مناسبة مؤلمة بالنسبة لهم ، فيما استقبالهم للعيد يأخذ أشكالاً عدة ، فالأسرى في غرف سجون الاحتلال الإسرائيلي وفي خيام معتقلاته يحيَوْن العيد بطقوس خاصة رغم الألم والمعاناة ، فيما العشرات منهم يُحرمون من مشاركة إخوانهم في إحياء العيد ويستقبلونه وهم في زنازين العزل ألإنفرادي أو مكبلي اليدين والرجلين أو على أسرة ما يُسمى مستشفى سجن الرملة .
وبين أنه وفي الوقت الذي تستقبل فيه الأمة الإسلامية عيد الفطر السعيد بفرحة وسرور ، وتحييه العائلات وهي مجتمعة مع أحبتها وأبنائها ، فان أمهات الأسرى يحييونه والألم يعتصر قلوبهم ، وأمهات أسرى قطاع غزة سيتوجهون الى مقر الصليب الأحمر بقطاع غزة لإحياء ليلة العيد وأول أيامه هناك احتجاجاً على استمرار منعهم من زيارة أبنائهم وحرمانهم من رؤيتهم والإطمئنان عليهم ، وبهدف تسليط الضوء على معاناتهم ومعاناة أبنائهم الأسرى .
وفي السياق ذاته استحضر فروانة قصة الأسير الفلسطيني " أحمد شكري " الذي تزامن دخوله عامه الـ 22 بشكل متواصل في سجون الإحتلال الإسرائيلي وهو في زنازين العزل ألإنفرادي في سجن بئر السبع ، مع حلول عيد الفطر السعيد .
مبيناً بان الأسير " شكرى " وخلال 21 عاماً مضت هي إجمالي فترة اعتقاله لم يتنقل كباقي الأسرى بين أقسام وغرف السجون المختلفة ، إلا ما ندَّر ولفترات قصيرة ، وإنما تنقل ما بين زنازين العزل الإنفرادي متعددة الأسماء والأمكنة ، من عزل عسقلان ونيتسان بالرملة وعزل هداريم ونفحة وريمونيم الى عزل بئر السبع حيث يقبع فيها الآن ، وهو يكون بذلك قد استقبل وأحيا بمفرده 42 عيداً ما بين عيد الفطر والأضحى داخل زنازين العزل الإنفرادي الرهيبة في ظروف هي الأقسى والأسوأ .
وذكر فروانة بأن الأسير " أحمد حسين محمود شكرى " ولد في مدينة القدس عام 1963 ، وبعد بضع سنوات انتقل مع أسرته للإقامة والعيش في رام الله بطن الهوى ، فيما لا تزال الأسرة تقيم هناك ، وهو أعزب ، ويُعتبر أحد عمداء الأسرى ومن أكثر الأسرى مكوثاً في العزل الإنفرادي ، وكان قد اعتقل في التاسع من سبتمبر / أيلول عام 1989 ، وصدر بحقه حكماً بالسجن الفعلي المؤبد بالإضافة إلى 32 عاماً ، وهو موجود الآن في عزل بئر السبع .
وأوضح فروانة : بأن إدارة مصلحة السجون تتذرع بأنه من الأسرى الخطرين بهدف ابقائه في العزل انتقاماً منه على قام به ، و تتفنن في إيذائه وتعذيبه والتضييق عليه ، والإصرار على إبقائه في العزل ، وكثيراً ما تعتدي عليه بالضرب والرش بالغاز المسيل للدموع وهو في زنزانته في ظل تردي وضعه الصحي ، الأمر الذي يستوجب إثارة قضيته والعمل الجدي على إنهاء عزله وإعادته للعيش وسط إخوانه الأسرى ، حيث لم يعد يحلم بالحرية كما كان يتمنى سابقاً ، بل بات حلمه الآن العودة فقط لإخوانه الأسرى والعيش معهم في غرف السجون .
وبدوره وصف الأسير " أحمد شكري " العزل الإنفرادي وقسوته بـ " القبر " في لوحة رسمها بنفسه بعد خمس سنوات من اعتقاله ووضع في العزل لإنفرادي ( وهي مرفقة ) ووسجل على " القبر " ( هنا ضريح الأسير فلان .. دخه قبل خمس سنوات ، حيث قبضه عزرائيل من بين اخوانه ووضعه في هذه الحفرة .. وقد كان يحلم دائماً بالحرية ، لكنه الآن يتمنى العودة فقط للسجن للعيش بين اخوانه .. ) ... وفي لوحة ثانية ( وهي مرفقة يضاً ) رسمها أوائل العقد الماضي وصف فيها العزل بالقبر أيضاً ومما خطه عليها ( ولأني آخر الأحياء فلن أكتب وصية ، انه كلمة رثاء ..!! وأتوجه الى القبلة وأكبر على نفسي أربع تكبيرات ، وانا لله وانا إليه راجعون )
وفي اتصال هاتفي أجراه بالأمس عبد الناصرفروانة مع شقيقه " محمود " قال الأخير ( بأن شقيقه " أحمد " مكث في العزل الإنفردي أكثر 18 سنة ولا يزال في العزل الإنفرادي ولم يخرج منه سوى لفترات قصيرة جداً ومحدودة قياساً بفترة اعتقاله لطويلة وذلك على فترات متقطعة ومتباعدة ، ولم أذكر انه استقبل عيداً واحداً مع اخوانه الأسرى بعيداً عن العزل ، وهذا المشهد يؤرقنا ويؤلمنا ويزيدنا قلقاً )
وأضاف شقيقه " محمود شكري" ( ولدنا متوفي منذ سنوات طويلة ، ووالدتنا مريضة ولم تستطع الحركة ولم تقدر على تحمل أعباء السفر والذهاب للسجن لزيارته ، وكل بضعة شهور ننقلها للسجن عبر سيارة اسعاف كي ترى ابنها ، وهذا اجراء يحتاج الى تنسيق خاص مع سلطات الإحتلال واجراءات عديدة وتقديم تقارير مترجمة تستمر قرابة ثلاثة شهور قبل الموافقة عليه والسماح لنا بتنفيذه )
وأوضح فروانة بأنه لم يسمح إلا لشقيقتيه بزيارته ، فيما شقيقي الأسير ( محمود ومحمد ) ممنوعين من زيارته بحجة " المنع الأمني " وأحياناً يسمح لهما بالزيارة مرة كل عام أو كل عامين وأكثر ، على الرغم انهما لم يُعتقلا من قبل .
وأكد فروانة بأن العزل الإنفرادي هو شكل من أشكال التعذيب الجسدي والنفسي القاسي بهدف تحطيم نفسيات الأسرى والتأثير السلبي على معنوياتهم وانه لا يمكن أن يمر دون أن يترك أثاره السلبية على صحة الأسير الجسدية والنفسية ، والهدف منه إلحاق الأذى الجسدي والنفسي بالأسير ، حيث يتم إحتجاز الأسير بشكل منفرد في زنازين صغيرة معتمة ورديئة ومقفلة بإحكام بباب حديدي سميك، وآليات الإتصال مع العالم الخارجي معدومة إلا ما ندر ، وحتى الساعة التي يُعرف منها الوقت ممنوعة أحياناً ، فيما يسمح لمعزول أحيانا بالخروج لفورة أو الإلتقاء بالمحامي واستقبال زائريه ، وهذا سلوك مخالف للقانون الدولي الذي اعتبر العزل الإنفرادي وكل ما من شأنه أن يضر بصحة الأسير ويعرضه لخطر الإصابة بالأمراض أو الموت جريمة انسانية .
وفي هذا الصدد ناشد فروانة الجهات المختصة وكافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية ووسائل الإعلام إلى تسليط الضوء على معاناة الأسير " أحمد شكري " بشكل خاص " وعلى معاناة الأسرى المعزولين عموماً لاسيما أولئك القابعين في زنازين العزل ألإنفرادي منذ سنوات طويلة ، والعمل الجدي والفاعل من أجل إنهاء عزلهم وإنقاذ حياتهم وإغلاق هذا الملف المؤلم .