طبول التصعيد العسكرى
د. منار الشوربجي
طبول التصعيد العسكرى
حين كتبت في هذا المكان، منذ أسابيع، أننا نعيش بالفعل أجواء حرب عالمية، كنت أعلم أن اجتهادى مثير للجدل، وأنه مثل أي اجتهاد بشرى، يحتمل الخطأ والصواب. وقلت وقتها إنه لا يجوز اعتبار أن حربًا عالمية تدور رحاها بالقرن الحادى والعشرين ستأخذ بالضرورة الصورة نفسها التي كانت عليها الحربان العالميتان مطلع القرن العشرين.
فالتقدم الهائل الذي شهده العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لابد أن يجعل حروب القرن الجديد جد مختلفة. ومن خلال متابعتى لما يجرى بالعالم مازلت أعتقد أننا نعيش بدايات حرب عالمية.
انظر معى، عزيزى القارئ، للتصاعد المطرد داخل الولايات المتحدة للأصوات التي تقرع طبول الحرب مع روسيا. وصناعة السلاح الأمريكية تدفع، من خلال رجالها بالإعلام الأمريكى، نحو انخراط أمريكى مباشر بالحرب.
والمحافظون الجدد الذين كانوا وراء غزو العراق، وأغلبهم اليوم خارج دوائر السلطة، وإن ظلوا بالدوائر النافذة المؤثرة عليها، يدعون لتغيير النظام في روسيا! ومنهم من يدعو لاغتيال الرئيس الروسى، كما فعل السيناتور ليندسى جرام. وأقول أغلبهم، لأن إحداهم، فيكتوريا نيولاند، تشغل اليوم، منصب وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية.
وهى بطلة الفضيحة الشهيرة عام 2014 حين كانت مساعدة لوزير الخارجية في عهد أوباما. وقتها تسرب للإعلام نص المحادثة التليفونية التي أجرتها مع السفير الأمريكى بأوكرانيا، والتى استخدمت فيها تعبيرًا لا يجوز ترجمته هنا في وصف الاتحاد الأوروبى لرفضه دعم المظاهرات التي كانت جارية وقتها ضد الرئيس الأوكرانى الذي تم خلعه فيما بعد. وهو التعبير الذي اعتذرت عنه لاحقًا لممثلى الاتحاد الأوروبى. وكشفت المحادثة الدور الحيوى الذي لعبته أمريكا في الإطاحة بالرئيس الأوكرانى ذى العلاقات الوثيقة بروسيا.
وإلى جانب قرع طبول الحرب ضد روسيا، يلمح المتابع مناخًا مكارثيًا يلاحق كل من يجرؤ على تقديم قراءة مختلفة لما يجرى بأوكرانيا. بل قام «تويتر» بحظر بعضهم، بمن فيهم سكوت ريتر، الذي كان مسؤولًا استخباراتيًا أمريكيًا، ثم عمل بالأمم المتحدة في مجال الحد من التسلح.
ولا يجوز غض الطرف عن التصعيد الجارى بين أمريكا والصين. ففى خضم التوقعات بانخفاض معدل نمو التجارة العالمية بمقدار النصف، وجَّهت وزيرة المالية الأمريكية تحذيرًا للصين بسبب موقفها من حرب أوكرانيا، ورفضها العقوبات المفروضة على روسيا، قائلة إن «موقف العالم الداعم لدمج الصين» في الاقتصاد العالمى «قد يتأثر»، وهو ما يعنى إجبار الشركات الصينية على إدانة روسيا ورفض التعامل معها.
وقد اتخذت الصين فورًا إجراءات مضادة لحماية شركاتها. وكبريات الصحف الأمريكية، بما فيها «واشنطن بوست»، تشنُّ حملة ضارية على الصين، بل وتدعو لحظر الصينيين على وسائل التواصل الاجتماعى.
والصين قامت بطلعات جوية وبحرية عسكرية حول تايوان عشية زيارة وفد من الكونجرس للجزيرة ثم لليابان، اعتبرتها الصين استفزازًا صريحًا، محذرة من أنها «مستعدة لاتخاذ إجراءات حاسمة». وبينما تُوجه الولايات المتحدة اتهامات لروسيا باستخدام الأسلحة الكيماوية في حربها ضد أوكرانيا، تطالب الصين أمريكا بنشر تفاصيل عن منشآتها لتطوير الأسلحة البيولوجية على الأرض الأوكرانية.
يأتى ذلك بعد أن كانت فيكتوريا نيولاند، نفسها لا غير، قد صرحت الشهر الماضى بأن بلادها تعمل على حماية السلاح البيولوجى «الأوكرانى»، ومنع وقوعه في أيدى الروس، فيما اعتُبر اعترافًا أمريكيًا بدورها في تطويره!
ورغم أن الغرب، بتمركزه حول الذات، يعتبر أن «العالم كله» يقف معه ضد روسيا، فإن أغلب دول الجنوب بإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية رفضت اتخاذ ذلك الموقف، رغم الضغوط، وتخشى خروجه عن السيطرة.