لم يعد احد يستطيع الدفاع عن فتح تحت سيطرة محمود عباس ...
كتب المفكر والمناضل والشاعر الفلسطيني محمد زكريا
ما يستحق القراءة
__
عن القطيعة مرة أخرى
كنت وأمثالي من يسار منظمة التحرير. ومع ضعف اليسار الفلسطيني وتراجعه كانت منظمة التحرير قد تحولت تدريجيا إلى فتح. بالتالي، فقد صرنا نحن عمليا يسار فتح، مع أنه لا تربطنا أي صلة تنظيمية بفتح. ننقد فتح وسلطتها لكننا في النهاية من معسكرها. وكان هذا يتجلى في الصراع بين فتح وحماس. فقد كنا في اللحظات الحرجة نقف إجمالا مع فتح. وكنا نقول: لا تخيرونا بين عباس وحماس لأنكم إن فعلتم ذلك اخترنا عباس رغم كل شيء.
لكن هذه المعادلة أخذت تتغير بالتدريج. فقد أصبح أبو مازن عبئا على فتح وعلينا وعلى منظمة التحرير. لم يعد لديه أي نفس كفاحي، بينما كانت نزعة حماس الكفاحية تتصاعد. أكثر من ذلك، بدا وكأن الرجل يتحالف فعليا مع إسرائيل ضد حماس وضد سلطتها في غزة. ولم يكن ممكنا لنا قبول ذلك، نحن أبناء منظمة التحرير. لم يكن ممكنا لنا قبول أن يصير التنسيق الأمني هو جوهر منظمة التحرير، وأن يصير المنسقون ممثلي منظمة التحرير. هذا فوق طاقتنا. وفوق احتمالنا. وهو ما أدى تدريجيا إلى انقطاع العلاقة بيننا وبين عباس وسلطته. لم نعد قادرين على الاعتراف بهم كمنظمة تحرير. ولم نعد قادرين على قبول منظمة التحرير إذا كان هؤلاء يختصرونها.
كنا نود أن يظهر طرف فلسطيني وسيط يكسر الاستقطاب لكن هذا لم يحصل. وكنا نأمل أن تنهض الجهاد الإسلامي، كقوة هي خلطة بين فتح وحماس، لكنها لم تتمكن من ذلك لأنها قوة تطهرية لا تريد أن تلوث نفسها بالسياسة، بل تريد أن تنخرط في كفاح الموت أو الحياة مع العدو.
وبالتدريج لم نعد نحن يسار فتح. لم تعد فتح أبانا الذي نمشي معه رغم أنه لا يعترف بنا. لم نعد قادرين على لعب هذا الدور بوجود أبو مازن ونهجه. وبذا انتهت معادلة: لا تضعونا بين عباس وحماس لأننا سنختار عباس. لا، لن نختار عباس وفتح بسياستهما الحالية أيا كان الثمن بعد اليوم. ليأت من يأتي لكننا لن ندافع عن عباس. نعرف أن حرياتنا الشخصية ستكون مهددة لو انتصرت حماس. لكن لا يمكن لنا أن نفاضل بين حرياتنا الشخصية وحرياتنا الوطنية. مع عباس يجري تدمير قضيتنا الوطنية، وحريتنا الوطنية. فوق ذلك، فحرياتنا الشخصية صارت مهددة من سلطة فتح أيضا. الرقابة تصل إلى كل مكان. الاعتقالات والقمع والسحل يحدثان جهارا نهارا في الشوارع. الإرهاب والتخويف يعم البلد كله. وهذا ما أوصل الجرة إلى الانكسار. وكان مقتل نزار بنات هو القشة التي قصمت ظهورنا وظهر بعيرنا. تغير كل شيء بعد مقتل نزار بنات. تغير كوننا.
وأنا أعتقد أن ما حدث في بير زيت على علاقة بما قلته أعلاه. فهناك قوة وسطى في مجتمع الضفة الغربية كانت عند اللحظات الحاسمة تصطف مع فتح. لكن انتخابات بير زيت غيرت ذلك. القوة الوسطى لم تعد تختار فتح في اللحظات الحرجة. فلم يعد لدى فتح وسلطتها ما تعطيه لهذه القوة الوسطى.
لقد قطع محمود عباس الحبل مع القوة الوسطى. ولماذا نستغرب ذلك؟ فقد قطع العلاقة مع كتلة كبيرة من فتح ذاتها: مروان البرغوثي، ناصر القدوة، ورئيس بلدية الخليل المنتخب، وحتى نبيل شعث وغيره.
لقد حصلت القطيعة الكبرى، إذن. فمحمود عباس لا يريد أحدا. يريد ذاته الكريمة وشلته الصغيرة حوله فقط.